منذ قرون طويلة تمر العلاقات بين الإسلام و الغرب بموجات من الشد و الجذب بداية من غزوة مؤتة في عهد رسول الإسلام – صلى الله عليه و سلم – التي يمكن إعتبارها أولى الحروب بين المسلمين و الغرب ( ممثلا في الدولة الرومانية ) مرورا بالصراعات بين الممالك الغربية و الدول الإسلامية المتعاقبة من خلافة راشدة وأمويين و عباسيين و عثمانيين , وصولا إلى العصر الحديث و الذي تغيّرت فيه أساليب الصراع من مواجهات عسكرية إلى مواجهات ثقافية و إقتصادية و سياسية .
و خلال هذه الصراعات أصيب الكثير في الغرب بما يطلق عليه ( الإسلاموفوبيا ) الذي يعني الخوف المرضي من الإسلام و الذي يتحوّل كثيرا إلى أعمال عنف ضد المسلمين و ممتلكاتهم و مطالبة البعض بطرد المسلمين من الدول الغربية و قد قُتل هذا الأمر بحثا و مناقشة , لكن ماذا عنّا نحن العرب و المسلمين : هل أصيبنا بما يمكن أن نطلع عليه لفظ ( الغربوفوبيا ) ؟
**********
(1)
منذ عامين ظهر أحد رموز الحركة السلفية على التليفزيون و قال أن شخصية دراكولا الدموية الشهيرة يقصد بها الغرب المسلمين و أنهم يقصدون بذلك تصوير المسلمين على أنهم دمويين , و في العام الماضي إنتشرت على الإنترنت مقالة تقول أن شخصية ( القبطان بارباروسا ) الشريرة التي ظهرت في فيلم قراصنة الكاريبي يقصد بها الغرب تشويه صورة قبطان مسلم قاد المعارك البحرية ضد الأساطيل الأوروبية في زمن العثمانيين , رغم عدم وجود ما يثبت ذلك .
**********
(2)
و هذا العام خلال حفل الإفطار الذي أقامه الهلال الأخضر التركي , قال الرئيس التركي أردوغان أن العثمانيين هم أول من وصلوا للقمر منذ أكثر من 350 عاما و أن بعثة ناسا عندما وصلت للقمر قامت بطمس كل الأدلة التي تثبت وصول العثمانيين للقمر , و لم يقدم أردوغان ما يؤكّد كلامه .
**********
(3)
لا يتوقّف الإعلام العربي عن الحديث عن المؤامرة الأمريكية الأوروبية التي يحيكها الغرب ضد العرب و أنهم السبب في كل ما يحدث من مصائب في عالمنا العربي , و رغم أن نظرية المؤامرة موجودة منذ القدم إلا أن الإعلام العربي أكثر من إستخدامها بشكل مبالغ فيه .
**********
هذه النقاط البسيطة ربما تدل على أننا قد أصيبنا بالـ ( غربوفوبيا ) , و رغم يقيننا أن الغرب يقف وراء الكثير من مشاكلنا لعل أبرزها التدخلات العسكرية المتتالية في الدول العربية و الضغوط الإقتصادية إلا أن هذه الفوبيا ليست هي الحل لمواجهة هذه التدخّلات و ذلك لثلثة أسباب :
- الأول : أن العديد من الحكام العرب الفاسدين قد إتخذوا الغرب ذريعة لفسادهم , فكلما حدثت مشكلة في بلادهم قاموا بإلصاقها بالغرب .
- الثاني : أن إلصاقنا جميع التهم بالغرب يجعلنا نتكاسل عن تصحيح أخطائنا و الإكتفاء بإتهام الغرب .
- الثالث : أنه رغم الدور البارز للغرب في مشاكل العرب إلا أنه توجد نسبة ليست بالقليلة في الغرب تؤيد العرب أو على الأقل لا تعاديهم و يجب علينا ألا نخسرهم .
**********
قد يتساءل البعض و ماذا نفعل حيال ذلك ؟
حتى نجيب على هذا السؤال ينبغي أن نعرف أسباب الكراهية بين العرب و الغرب , ربما يكون السبب الأكبر لذلك هو وسائل الإعلام فالجميع يستقي معلوماته من وسائل الإعلام التي يوجهها مال مموليها حسب رغباتهم و معظم هذه الرغبات لا تهتم سوى بمصالحها الخاصة و التي غالبا ما تتعارض مع مصلحة الشعوب , فالأفضل هو أن نحاول فتح قنوات إتصال مع الغرب سواء بزيارة المراكز الثقافية التي يقيمونها في بلادنا و إقامة مراكز ثقافية عربية في بلاد الغرب حتى نتتعامل معهم وجها لوجه , و إستخدام مواقع التواصل الإجتماعي في التواصل و الأهم من ذلك هو التحلّي بالصفات الحسنة التي تحثنا عليها الأديان السماوية في بلاد الغرب حتى نكون خير ممثل للعرب و المسلمين .
**********
إن هذا المقال ليس الغرض منه الدفاع عن الغرب لكن الهدف هو أن نعرف أن الشعوب الغربية فيها الصالح و الطالح فينبغي أن نتعامل بالحسنى مع الصالح حتى نجتذبه ناحيتنا و الإحتياط من الطالح حتى نتّقي شره و أن نفتح قنوات للتواصل بيننا و بينهم بعيدا عن الإعلام الذي لا يسعى إلا لمصلحة مموليه .
-
عمرو يسريمهندس مصري يهتم بقراءة التاريخ وسِيَر القدماء. أرى أن تغيير الحاضر، والانطلاق نحو المستقبل يبدأ من فهم الماضي.
التعليقات
احييك ع ملاحظتك ومقارنتك بين الغرب والعرب ، وسردها بأسلوب مبسط وموجز ...
وصلت فكرة مقالك واقتنعت بها بسهولة وسلاسة ... كوني لا احبذ المقالات (الإسلاموسياسي) اي : السياسية الإسلامية ؛كونها معقدة بالنسبة لي وتحتاج شيئا من التركيز ... ولا اخفيك استاذ عمرو انها اول مقالة اقرأها في هذا المجال ...
تحياتي لك .