الطفلة الصغيرة التي عانت من فقدان والديها ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تحولت إلي خادمة داخل منزل والدها لكل من زوجة والدها و بناتها ، كان يطلب منها القيام بجميع أعمال المنزل حيث التضحية بها مقابل رفاهية اخواتها وبدلا من تقدير جهودها كان يحل عليها المزيد ، انها "سندريلا" الصغيرة التي تعرف بطيب قلبها و إحسانها علي الحيوانات وفي أحد الأيام تحولت البلدة إلي حالة من الهرج والمرج لانها الليلة التي تستعد لها كل الفتيات لحضور حفلة الأمير حيث سيختار زوجته من تلك الحفلة و حين تعرب سيندريلا عن رغبتها في الذهاب تبقيها زوجة والدها حبيسة داخل المنزل حتي تأتي الجنية وتساعدها علي الذهاب ولكن بشرط رجوعها قبل الساعة الثانية عشر مساء ، وحينما تهرول للرحيل تسقط أحدي زوج حذائها ويبحث الأمير عنها وحينما يعثر عليها يتزوجها .
هذه قصة سيندريلا التي نعرفها من صاحبها شارل بيرو والتي تتناقل بسهولة من أسرة إلي أخري من خلال قصها علي الأطفال ولكن عند تداولها في مسرح العرائس بواسطة الدمي تم الكشف عن ما هو جديد في رؤية المخرج لطفي السيد و المعد الدرامي أحمد زكي ؛ هناك معاناة معروفة في عروض مسرح العرائس وهي عدم القدرة علي تقديم عروض ذات مدة زمنية طويلة ولكن لطفي السيد تجاوز هذا الأمر بتقسيمها إلي ثلاثة مشاهد حيث أعتمد المشهد الأول و الثالث علي المكان ذاته وهو منزل سندريلا والحديقة اما الثاني فكان حديقة القصر الملكي ، و كان سير الأحداث مماثل للحبكة التي نعرفها ولكن بإضافة خط فرعي آخر وهو أولاد عم الأمير الذين ينتظرون الفرصة للسيطرة علي الحكم لذلك يستغل جشع أخوات سندريلا ويطلب منهما صنع المقالب لهما ثم يصدر الأمر في النهاية بضرورة إتمام زفاف أولاد العم بشقيقات سندريلا .
صدور الأمر بالزواج هو تغاضي عن فكرة المسامحة الساذجة التي ندركها في القصة الأصلية ، ولكن ذلك لم يكن المفاجأة الوحيدة فسندريلا لم تستسلم لأسرتها حول منع ذهابها للحفلة بل أخذت تتجادل معهم و تعبر عن رأيها دون خوف وبسبب ذلك إبقائها حبيسه داخل المنزل ، ايضا العالم السحري والذي هو أساس قصة سيندريلا تغطي بغطاء من العقلانية فلم ترتدي سندريلا الفستان الجديد في ومضة عين انما ظهر امامنا وتم تبرير هيئته علي أنه من صنع خيال سيندريلا كذلك بسبب كبر حجم اليقطين يمكن أن يصبح عجل للعربة مع ضرورة مساعدة الآرانب لها علي قيادتها .
تناسب الرؤية الجديدة مع فن العرائس الذي يحول مادة لا حياة فيها بقدراته الخاصة إلي كيان تشكيلي وذلك مع الآخذ في الإعتبار أن المسرحية مقدمة لأطفال يتراوح عمرهم إلي 8 سنوات فتمت تهيئه النص لهم ، وبسبب الفئة العمرية وطبيعة المتلقي الطفل فنجد الشخصيات أحادية الجانب حيث زوجة الأب القاسية ، الأختان المتنمرتان ، سندريلا الطيبة ، الأمير العادل مع ملاحظة أن جميع الشخصيات لم تحمل أسماء بل عرفت بصفاتهم حتي يستوعبهم الطفل بسهولة ، اما سندريلا فهي الشخصية الوحيدة التي حملت اسما ولعدم تناسيها بدأت أول أغنية في المسرحية حاملة أسمها لتكون قريبة من ذهن الأطفال طوال مدة العرض ؛ اما باقي أغاني العرض فقد وظفت بذكاء فمنهم ما خدم سير الأحداث و آخر اهتم بالدور التعليمي والتربوي للأطفال مثل أغنية دودة القز التي اوضحت للأطفال انها تصنع الحرير ويتحول الدود إلي فراشة كطور من أطوار حياته ، ايضا أغنية حساب اليقطين داخل حديقة المنزل حيث 4 ضرب 5 = 20 .
الصور البصرية المرحة ساهمت في إستيعاب الطفل حيث أختصت الأغاني بإضاءة الالترا لنصبح امام مشهد قصير من المسرح الأسود بالإعتماد علي الحركة امام ستارة سوداء عاكسة آلوان تثير البهجة والتشويق في نفوس الاطفال من الأصفر و الأخضر و الأحمر ، ولذلك فإن الإضاءة في هذه المسرحية لم توظف بدورها الدرامي المعروفه به في المسرح الإحترافي إنما وظفت كعنصر مشوق و سحري للأطفال ، كذلك أرتبط ظهور الجنية بالإضاءة البيضاء مع موسيقي الإكسليفون الهادئة اما باقي إضاءة العرض فكانت في حالة إنارة .
شاع حضور العرائس القفازية في العرض المسرحي وهي ليست بسيطة الحركة كما يظن البعض حيث ضرورة مراعاة تحريكها عند الإنحناء و الإستدارة في المنظر المسرحي و كل ذلك يؤكد حرفية المحرك فعلي سبيل المثال رقصة سيندريلا مع الأمير تم فيها دوران العروسة بمعدل 360درجة وهنا ينتهي الأمر بالمحرك بأن يدور معها مع إهتمامه بإرتفاع الدمية حتي لا تغيب عن نظر المشاهدين فإن تم غيابها داخل البارافان لم يكن الطفل سيكف عن الحركة بسبب طبيعته الديناميكية بل وكان ليقف فوق مقاعد المسرح ! ، لهذا يهتم مسرح العرائس بزوايا نظر المشاهدين وكذلك علاقة المحرك نفسه بالمنظر المسرحي داخل البارافان حتي لا يصطدم بمحرك آخر او أحدي قطع الديكور وايضا الإهتمام بتوظيف دخول وخروج الشخصات"العرائس" بشكل محدد وهو السير بشكل جانبي من زاوية نظر المشاهدين .
كذلك الإعتماد علي عروسة ماريونت واحدة وهي الجنية حيث تشتهر الماريونت بقول الكلمات الهامة وهو ما تم كشفه بحديثها مع سندريلا حول ذهابها للحفلة وتجهيزها للعربة من أجلها ، ليكن آخر أنواع العرائس التي أستخدمت هو العروسة الإنسان حيث يتحول الممثل إلي دمية مرتديا بذاته زي الدمية كاملا في محاولة لجذب الأطفال حوله بالتفاعل معهم داخل الصالة ممسكا فردة حذاء سيندريلا ومحاولا البحث عن الأميرة وسط الجهمور وهو ما تسبب في تفاعل الأطفال وعدم فقدهم للحماس طوال العرض .
تحولت القصة التراجيدية ذات النهاية السعيدة من فتاة محاطة بدروب من المعاناة والآمال في إنتظار المجهول ، إلي قصة كوميدية بنهاية سعيدة مع عقاب الشقيقتان بفرض زواجهن من أولاد عم الأمير وهذا ليس غريب عن مسرح العرائس حيث إرتباطه بالفكاهة والضحك منذ نشأته مع مقالبه اللطيفة التي تثير الضحك في نفوس الصغار والكبار
-
Doha Elwardaneyناقدة سينمائية وباحثة