ذ- محمد خلوقي: (الغش المدرسي)
قراءة تشخيصية علاجية لنوذج المدرسة المغربية
نشر في 13 يونيو 2017 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
الغش المدرسي
خلل في النظام التربوي والاجتماعي
تشخيص وعلاج
( المدرسة المغربية نموذجا )
بقلم ذ محمد خلوقي
------ ------ ------ ------- ------
ا- وقفة عند الظاهرة .
ظاهرة الغش هي من الظواهر الخطيرة التي رافقت وسترافق الانسان طوال حياته اينما وجد وكان.. وبها نقيس درجة نضجه ووعيه من تخلفه وموت ضميره ، كما ان الظاهرة مؤشر حقيقي يقربنا من الحكم على فعالية المنظومة التربوية والاخلاقية لاي مجتمع .
فوجود الظاهرة او غيابابها في اي مجتمع تعني لاي باحث دلالات كثيرة ،غالبا ما يصوغ تجلياتها في استنتاجات وخلاصات عامة من ابرزها :
- ان المجتمع الذي يعيش الظاهرة ، قد وصل الى ازمة سلوكية وفكرية وتربوية حادة وعميقة على مستوى تمثلاته الصحيحة للاخلاق والقيم والمبادئ او العكس .
- ان المجتمع الذي حارب الظاهرة وقضى عليها قد حقق قوة النموذج الواعي والمسؤول والمدرك لحقيقة وجوده .. النموذج الصالح ، الباني ، المكافح من اجل تطوير الذات على اسس حقيقية ،
- ان تفشي الغش هو اعلان صريح بالفشل الكارثي للمجتمع في اسس التنشئة والتربية السليمة .
- ان القانونين الالهي والوضعي قد تم تفعيلهما بطريقة صارمة ومنسجمة مع فلسفة وقيم المجتمع وغاياته الكبرى من مفهوم الاستخلاف وعمارة الارض او العكس.
ب مجالات الغش واقنعته :
الغش مرض متشعب الاصول و النشأة ، يبدأ من الهوى وانحرافات النفس وسوء تربيتها ليتغلغل بسرعة الى مجال السلوكات والممارسات القولية و الفعلية ،ثم يكبر ويكبر حتى يأخد طابع العرف عند الغشاشين ، وايا كانت اسبابه فان مجالاته كثيرة ومتنوعة واخطبوطيته تمد ارجلها واذرعها في نواحي متعددة ، حيث نجد الغش في :الصناعة ،والبناء والتغدية ،والتطبيب ،والفلاحة والتربية ،والتعليم ،والسياسة ..، والتابت في كل هذه الانواع ، ان الغش يتلبس اقنعة متعددة مثل :الكذب ،والنفاق ،والحربائية والمداهنة ،والتحايل..كما يتسلح بالوهم والتبريرية العارية عن كل صحة ، ويتخذ من الوصولين والكسالى والعابثين وقناصي الغفلة ابراجا و نماذج يتم الصعود اليها و الاقتداء بها،
والغش كباقي الامراض السلوكية والنفسية ، ينمو ويتكاثر اذا ما وجد بيئة تحضنه ، ولهذا قبل وصف اي علاج و دواء لا بد من استئصال البيئة الحاضنة للداء ، ومادام الامر يتعلق في هذا المقال بالغش في مجال التعليم و تقويم التحصيل الدراسي بالنسبة للمتعلمين ، فاقدم بعض المقترحات التي تخص الغش في المدرسة المغربية ، وهي قراءة علاجية قد تساهم - نسبيا -في محاصرة الظاهرة ، علما ان الحل يبقى رهينا بدرجة الوعي الجمعي لبناء سليم، وسريع ومتواصل للمنظومة التربوية والاخلاقية والقيمية للمجتمع ككل .
ج- مقترحات عملية للحد من ظاهرة الغش في الامتحانات الاشهادية ( المدرسة المغربية نموذجا )
١-البدء بمحاربة الظاهرة في التقويمات الصفية ، خاصة في المراحل الاولى من التمدرس .
٢- اتخاذ اجراءات قانونية صارمة تصل حد العزل والفصل في كل من تساهل مع الغش او غض الطرف عليه ، او ساعد عليه .كما نجد الحال عند بعض المعلمين الذين يقدمون اجوبة كاملة للتلاميذ في امتحانات اشهادية ( كالشهادة الابتدائية )، وخاصة في بعض المواد كالفرنسية او الرياضيات كل ذلك تحت غطاء تقديم المساعدة الى فئة من المترشحين الضعاف من حيث المستوى التعليمي .
٣- اعادة النظر في نوعية التعلمات المراد تحقيقها في المتعلِّم ، وذلك عن طريق تأصيل تعلمات :الفهم والتحليل والتركيب والنقد، بدل التلقين والتحفيظ البليد ، وحشو الذاكرة بالمعلومات غير الوظيفية.
٤- تخصيص جرء مهم من التقويم في شكل اختبار شفهي ، نحقق فيه للغة وظيفتها التواصلية والتعبيرية ، اضافة الى جعل الممتحن يتنبه ان تميزه يكمن في قدرته على امتلاك مهارتي التفكير السريع ، والتعبير المباشر البديع .
٥- القطع مع التقويم الاشهادي التقليدي وبناء منظومة تقويمية عصرية ، لا تقوم على الكم واسترجاع المعلومات المحفوظة ، بل تقوم على اساس اسئلة تختبر فيه قوة الفهم والتحليل والنقد والمقارنة والاستنتاج والتركيب ، وهذه وظيفة القائمين على وضع واجراة المنهاج التعليمي ككل .
٦- الاجتهاد في ابتكار اشكال تقويمية لا تقف عند ارجاع المعلومة بل عند كيفية استثمارها لايجاد حلول ومقترحات، بحيث يمكن للممتحَن ان يستعمل الوثيقة او الكتاب او المعلومات كوسيلة تحقق غاية اسمى: وهي اختبار درجة وقوة تحليل الممتحن وتركيبه للمطلوب ، خاصة ان انتاج الفكر يعرف ، اليوم، انفجارا كميا مهولا ، لم تعد الاهمية فيه للحصول على المعلومة، بل كيفية وطرق استثمار المعلومة لتحقيق فائدة وترسيخ قيمة وبناء فكر حر .
٧ - الرفعة من نسبة الاسئلة التي تحقق اجوبة فيها اضافات ومقترحات وابداعات وحل لمشكلات ،مع تخصيص نقط جد مميزة لاسئلة التحليل والتركيب والابداع .والتقليص الكبير من اسئلة الحفظ والتذكر كما وتنقيطا
٨- محاربة التكنولوجيا الموظفة في الغش بتكنولوجيا التجسس والمراقبة ( كاميرات )، او التكنولوجيا العازلة والمشوشة للاتصال الخارجي ، من خلال تتبيثها في حجرات الامتحان .
هذه بعض المقترحات النابعة من هوس الانشغال وحرقة المسؤولية ، والرغبة في التطوير والتغيير ، والقطع مع مقالات البكاء والتذمر ،ولباس نظارات التشاؤم ،وكأن العلاج اصبح من المستحيل تحققه والطمع في حصوله .
وختاما فان لم اتوفق في الطرح والتحليل ،فسأكون بملاحظاتي المتواضعة كمن رمى بحجرة صغيرة لعلها تحرك البركة الراكض ماؤها.
.