( مختوم بالشمع الأحمر ) رسالة من شبح الى جايمس كاميرون : " لقد غدرت بي تايتانيك يا جايمس .. تلك الفاتنة قاتلة الرجال ! " - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

( مختوم بالشمع الأحمر ) رسالة من شبح الى جايمس كاميرون : " لقد غدرت بي تايتانيك يا جايمس .. تلك الفاتنة قاتلة الرجال ! "

الموضوع : اختفاء الغواصة تيتان

  نشر في 14 يوليوز 2023  وآخر تعديل بتاريخ 02 غشت 2023 .

في سلسلة الرسائل المختومة بالشمع الأحمر، توجه شخصية مهمة رسالة خيالية تماما و سرية للغاية الى شخصية أخرى، بخصوص موضوع حيوي و طارئ لا يقبل التأجيل، إلا أنني و لحسن الحظ عثرت على نسخة من الرسالة، و لأنكم أصدقائي، فقد قررت مشاركتكم بمحتوياتها، شرط ان تكتموا السر ...



 وقف المخرج الكندي الشهير "جايمس كاميرون" على متن يخته المبهر "ألوسيا"، على حافة المطار المصغَّر المخصص لهبوط الطائرات العمودية، غارقاً تماماً في أفكاره و قد أغمض عينيه و أسلم روحه لنسائم المحيط الهادي العليلة. كانت الساعة قد جاوزت منتصف الليل بقليل. مرت بضعة أيام منذ أن وصله ذلك الاتصال المشؤوم ليبلغه عن فقدان أثر إحدى الغواصات التجارية و هي في طريقها لاستكشاف حطام "تيتانيك". كانت الغواصة تابعة لشركة "أوشين جايت" المسجلة في جزر الباهاما، و على متنها وقت اختفائها خمسة أشخاص من ضمنهم "ستوكتون راش"، مؤسس الشركة و كان أيضا قبطان الغواصة، بالإضافة الى "بول هينري نارجيولي"، المستكشف الفرنسي الكبير و أحد أكثر الرجال خبرة بكل ما يتعلق بتايتانيك و حطامها و هو أيضا صديق مقرب لكاميرون (بعكس راش الذي لم يستسغه جايمس للكثير من الأسباب). أما الركاب الذين دفعوا لمقاعدهم فقد كانوا ثلاثة بريطانيين: البليونير و المغامر المعروف "هاميش هاردنج" و مواطنه رجل الأعمال النافذ ذي الصلات القوية بقصر باكنجهام " شاه زاد داوود" و ابنه المراهق "سليمان" ذي التسعة عشر ربيعاً. بدأت جهود البحث و الإنقاذ في أربع دول على ضفتي الأطلسي لمحاولة "اللحاق" بالرجال الخمسة قبل ان ينفذ منهم مخزون الأوكسجين الذي يكفي لأربعة أيام فقط، لكن كاميرون كان يعرف في قرارة نفسه ان عملية البحث هذه من أولها الى آخرها كانت مجرد تمثيلية مسرحية سيئة ذكرته بأفلام ذلك الأحمق " ستيفن سيجال " الرخيصة. لم يكن هذا الهراء لينطلي على محنك مخضرم مثله و لو لثانية واحدة. كان يعلم جيداً ان قادة قوات البحرية الأمريكية، و نظرائهم الكنديين و البريطانيين و الفرنسيين، جميعاً قد علموا و تيقَّنوا تماما ان الغواصة انبجرت على نفسها و انسحقت بفعل الضغط الهائل. لا يوجد أي تفسير آخر لفقدان الاتصال بجهاز تحديد موقع الغواصة، و الذي كان نظاما منفصلا لا يخضع لتحكم القبطان. بل ان كاميرون و هو الغواص الخبير، كاد أن يقسم بأنه من المستحيل على طاقم سفينة "بولار بير" التابعة لأوشين جايت و التي حملت الطاقم المساند للغواصة ان لا يسمعوا قوة هذا الانبجار الهائل. نحن نتحدث هنا عن انسحاق غواصة بقوة تعادل اكثر من ٣٠٠ مرة الضغط الجوي على سطح البحر، حيث انكمشت الغواصة على نفسها بسرعة تجاوزت ال ٢٤٠٠ كلم/ساعة في أقل من جزء من الثانية، و اثناء حدوث هذا الانكماش، تم ضغط الهواء داخل الغواصة بسرعة كبيرة جدا مما أدى الي اشتعال الأوكسجين و انفجار الغواصة قبل ان يسحق الضغط الهائل التفاعل بكامله. كان حادثاً قوياً مدمراً و قد سمعه شخصٌ ما في مكان ما بالتأكيد. نظر كاميرون حوله الى مياه المحيط الهادئ و قد ابتلعها ظلام محكم لا مفر منه، هي نفس تلك الظلمات التي ابتلعت "تيتان" و ركابها الخمسة. كم كان مصيراً قاسياً ان يموت المرء بتلك الطريقة و في تلك الظروف المرعبة، وحيداً في الظلام. ان مجرد التفكير في أن شخصاً قد صافحت يده قد تعرض جسديا بشكل مباشر لقوى الطبيعة المتوحشة تلك لهو كفيل بأن يجعل الانسان يقيم كل شيء مرة أخرى. أغلق كاميرون عينيه المتعبتين و تنهد بعمق، ثم قفل راجعاً الى جناحه الدافئ، حيث حضرت له زوجته "سوزي" كوباً دافئاً من الحليب ليساعده على النوم. استلقى مخرج "تيتانيك" و "افاتار" و "تيرمينيتور " و " آلينز" على سريره بمساعدة زوجته، يغالب النوم كالأطفال. لم يدرك متى استسلم للنوم، لكن الذي أيقظه بالتأكيد كان البرد القارس. شيء لم يعتده هنا في أجواء المحيط الهادئ الدافئة قبالة سواحل نيوزيلندا. ترجل من سريره و حاول اضاءة أنوار الجناح دون فائدة. أما سوزي، فقد نامت قريرة العين لا يُعكِّرُ صفو أحلامها شيء. كان هذا البرد مألوفاً لكاميرون بطريقة غريبة، تماما كما كانت هذه الرائحة التي وصلت لأنفه الآن. رائحة مياه الأطلسي المالحة التي استطاع كاميرون تمييزها بسهولة. بحثت عيناه الآن عن معطفه في الغرفة، فلمح طاولته الصغيرة التي قضى منها شئون عمله عندما يكون في عرض البحر. بجانب حاسبه المحمول، كان هناك مصباح زيتي ذهبي فاخر بريطاني الصنع، و قد بدت عليه علامات مرور الزمن و إن زادته جمالا و رونقاً. و بجانب المصباح صندوق رسائل خشبي من الطراز الفيكتوري. لم يكن هناك شيء علي الطاولة عندما خلد كاميرون للنوم، و طبعاً لا يوجد أحد يستخدم هذا النوع من المصابيح الزيتية النادرة على متن "ألوسيا". عثر كاميرون على معطفه و جلس على مقعده يحدق في الصندوق. كان صندوقا جميلا و قد توسط غطاءه العلوي نقش ذهبي مزركش لحرفين: " س ر ". بلا تردد، فتح كاميرون – و هو المغامر العتيد – الصندوق مباشرة ليجد رسالة على ورق فيكتوري مزركش قديم قد اصفر بمرور الزمن، تفوح منه رائحة مياه البحر. كانت أطراف الرسالة تبدو محترقة و عليها ما يبدو انه آثار دماء. فض كاميرون الختم الشمعي الأحمر و بدأ بالقراءة:



التاريخ: -- / -- / ----

المُرسل: رتشارد ستوكتون راش الثالث

المُرسَل إليه: جايمس فرانسيس كاميرون

الموضوع: اختفاء الغواصة تايتان


عزيزي جايمس،

لم أستطع ان أفكر في شخص آخر أرسل اليه هذه الرسالة. الوقت هنا مختلف تماما عما تعودنا عليه، و الناس بشكل عام أقل تعاونا. لقد تمكنت بالكاد من إيصال هذه الصندوق إليك. أعرف ما يدور بذهنك الآن، لكن لا تستعجل الحكم على يا صديقي، لقد كانت علاقتنا متوترة للغاية أثناء حياتي، أما الآن و بعد كل ما حصل، فأعتقد اننا ندين لبعضنا البعض على الأقل بمحادثة راقية واحدة. لقد فطر قلبي منظر "ويندي" و هي تبكي عندما علمت باختفاء الغواصة. أما "لوكريدج"، فلم أستطع ان أستجمع ماء وجهي لمقابلته. لقد كان آخر لقاء بيننا مُرَّاً مؤلماً. لم أكن أريد للأمور أن تنتهي بتلك الطريقة بيننا، لكنها طبيعة الحياة. الفرق بيني و بين لوكريدج هو أن كلاً منا يرى العالم بطريقة مختلفةً تماما. فبينما يرى هو الأمور من منظور المهندس البحري العسكري السابق، و الذي يشدد تماما على أهمية معايير السلامة و الانضباط، رأيت أنا العالم من منظور المستكشف المغامر، و نحن المغامرون معرضون دوما للصعوبات و التحديات .. و للموت أحياناً. من أعلم منك أنت يا جايمس بذلك؟ لقد غُصت الى أعمق نقطة على سطح الكوكب في خندق ماريانا المُرعب ذاك على عمق أحد عشر الف متر! ألم يكن ذلك خطراً يا جايمس؟ ألم يكن عليك أن تتقبل حقيقة انه كان من الممكن لك أن تموت في تلك الرحلة بطرق لا حصر لها؟ لماذا كان استكشاف المحيطات رائعا و خلاباً عندما كنت أنت تقوم به، لكنه فجأة أصبح خطراً عندما جاء دوري؟ لقد شاهدت مقابلتك على محطة " سي ان ان " مع "اندرسون كوبر"، و علي الاعتراف انك خيبت أملي كثيرا يا جايمس. حتى بعد ان تم الإعلان عن تحطم غواصتي و وفاتي، لم تدخر جهدا في انتقادي و التشهير بي و بشركتي. ألا يكفي كل ذلك التشكيك في تصميم غواصتي الرائعة " تايتان" اثناء حياتي؟ لقد أثبت الوقت ان كلامكم جميعاً كان صحيحاً، فلا داعي للإيغال في سمعتي و دمي بعد ان نفدت مني وسائل الدفاع عن النفس. أعلم ان كلامي هذا قد يبدو لك غير منطقي، و لكن كذلك كانت كل الأفكار العظيمة و الثورية توصف بالجنون و الهرطقة، قبل ان يثبت الزمن صحتها و لو بعد حين، حتى لو لم يكن أصحابها أنفسهم موجودين. لم يكن أحد ليصدق اننا سنطير في السماء في يوم من الأيام، ناهيك عن ان نفعل ذلك بسرعة تتجاوز سرعة الصوت بمراحل. و لكننا فعلنا ذلك. لم يكن أحد يتصور اننا سنتدخل في بطون الأمهات لنعدل و نغير و نعالج الأجنة حتى قبل الولادة، لكننا فعلنا. لم يكن أحد ليحلم حتى بأننا سنصل يوماً الى الفضاء الخارجي لنستكشف سطح القمر، لكننا فعلنا ذلك يا جايمس. فعلنا ذلك. أنت و أصدقائك الأثرياء لا تملكون الحق في اطلاق الأحكام علي، فأنا لم أجلس على ثروة تتجاوز المليار دولار، لكي أستخدمها في توظيف أفضل شركات الهندسة في العالم، ليصنعوا لي على مدار سبع سنوات غواصة مستحيلة تتحمل أقسى نواميس الفيزياء المعروفة على هذا الكوكب البائس. لسنا كلنا مثلك يا جايمس. لم تتهافت علي شركات "رولكس" و "ناشيونال جيوجرافيك" لكي تدفع لي الملايين مقابل رعاية مغامراتي تحت الماء، و انا بالتأكيد لم أكسب مئات الملايين من الدولارات مقابل أعمال قمت بها قبل عشرين عاماً، و لم أملك راحة البال التي تأتي من معرفة ان حساباتي البنكية سوف تضمن لأحفاد أحفادي حياة لا يحلم بها أغلب سكان هذه الأرض. أنا لا أهضم حقك هنا يا جايمس، فأفلامك رائعة حقا، لكن عليك ان تفهم ان بعض الناس في هذا العالم عليهم ان يعملوا لأجل كسب المال، و أنا اعلم انك انت أيضا عملت جاهدا لأجل اموالك و لم ترث شيئا، لكنني أيضا متأكد تماما ان آراء ذلك الشاب الكندي النحيل قبل ٤٠ عاما و الذي كان مغرما بالعلوم و الأفلام، تختلف تماما عن آراء المخرج العالمي الكبير جايمس كاميرون، الملياردير الفاحش الثراء، الذي خرج على كل العالم في مقابلة تجاوزت العشر دقائق، و لم يكلف نفسه حتى عناء تذكر و لو واحدة من صفاتي الحميدة المميزة، و لن أطلب منك طبعاً ان تترحم على روحي على التلفاز، فأنا أعرف آرائك في هذا الموضوع. و لتعلم أنت و غيرك يا جايمس اني لم أجبر أو أخدع أحداً لكي ينضم الي في تلك الرحلة المشؤومة. كل الذين انضموا الي كانوا من أشهر المغامرين في العالم، و قد قاموا جميعاً بما هو أخطر بكثير من الغوص الى تيتانيك. أما صديقك المحبب " بول هنري"، فقد زار حطام تيتانيك ( مع غيري ) أكثر من ثلاثين مرة، و غاص الى أعمق المحيطات في كل مكان بصحبة صديقك الآخر "فيسكوفو". و أما "هاميش"، فلم تبقى بقعة خطرة و نائية في الأرض و لا في السماء، فوق سطح البحر او تحته، إلا و زارها في غواصة او طائرة او حتى مشياً على الأقدام. لقد صنع " هاميش هاردنج" ثروة هائلة عن طريق استغلال حب الناس للأدرينالين و النشوة التي يجدونها عندما يلقون بأنفسهم في أحضان القدر، و لعل رحلته الأخيرة معي كانت لتكون من أكثر مهماته مللاً و رتابة، لولا ما حصل. و أما بالنسبة لشاه زاد داوود، فقد زار تيتانيك من قبل هو الآخر، و ان كنت قد تمكنت من جذب انتباه الأب بشخصيتي و سحري، فأنا بالتأكيد – قولاً واحداً – لم يكن لي أي علاقة بإحضاره لابنه المراهق معنا، و لا أظن ان هناك أباً في هذا العالم يريد قتل ابنه متعمداً، حتى انتم معشر هوليوود لم تصلوا لهذه الدرجة من الانحلال الأسري. و ان كان كل ما سبق لا يكفي لإقناعك، فتذكر انني انا بنفسي كنت أول من دخل الغواصة، لأثبت للجميع و ربما لنفسي قبل أي أحد آخر انني مؤمن بأفكاري و توجهاتي حتى النهاية، و قد واجهت تلك النهاية بثبات و شجاعة عندما عثرت علي. قُل لويندي ألا تبكي علي، فقد حدث كل شيء بسرعة خاطفة. و ما زلت الى الآن لا أتذكر بالضبط ما حصل. أعرف الآن جيدا كيف سحرت هذه السفينة قلبك و عقلك يا جايمس. حتى بعد مائة عام على غرقها، و قد علاها الصدأ و احتلتها الأسماك و الشعاب المرجانية، ما زالت تيتانيك شامخةً رغم كارثتها، عزيزةً رغم جور الزمن عليها. تراها كل مرة تنبعث من الظلام كالمارد العملاق يريد التحرر من أساوره. ربما نعتبر تيتانيك تذكاراً يوميا بعاقبة الغرور و الغطرسة و تحدي الطبيعة، لكن هذه كانت أخطائنا نحن معشر البشر. لم تكن اسطورة تيتانيك لتعيش كل هذه السنين في مخيلاتنا لو لم تكن أحرفها قد سطرت بالدم. لقد خانتني تيتانيك يا جايمس، لقد أغوتني و استفردت بي وحيدا في لحظة ضعف، ثم طعنتني في الظلام. تلك الفاتنة قاتلة الرجال! لا تشعر بالأسف علي يا صديقي، لقد دفعت الثمن الأغلى بحثا عن الثروة و المجد، و هذا حال الأبطال دوماً. أنا لست غبياً أو مهملاً. انا قلب جاليليو و روح كوبرنيكوس، أنا خطوة نيل أرمسترونج الأولى على سطح القمر، أنا انتصار إدموند هيلاري على جبل إيفرست. انا كل أولئك الرجال الشجعان الذين قضوا بسبب الأمراض و الوحوش و غضب الطبيعة بينما استكشفوا الأمريكيتين و القطبين و جزر المحيط الهادئ النائية و غابات أوقيانوسيا الجميلة. أنا رجل لم أخلق لكي أعيش حياة هادئة يا جايمس، لقد اتخذت قراري منذ أن كنتُ صبيا، فلا تظنن اني أدين لك أو لغيرك باعتذار او تفسير. دعوا تيتانيك لترتاح وحيدة في كرامة، فقد غرق معها في تلك الليلة التعيسة ألف و خمسمائة شخص، و لم يجد أي من هؤلاء المساكين مُخرجا عبقرياً مثلك يا جايمس لكي يروي قصصهم.

على عكس جاك و روز.




مع تحياتي لك و لسوزي ...


ريتشارد. 



   نشر في 14 يوليوز 2023  وآخر تعديل بتاريخ 02 غشت 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا