العدمية - Nihilism
فى وسعى أن أرتكب الجرائم كلها باستثناء أن أكون أباً.
نشر في 09 فبراير 2020 .
إن سماع تعبيرات من سبيل ”الحياة لا معنى لها“ ”العالم بما في ذلك وجود الإنسان عديم القيمة“ ”نحن نعيش حالة اللامعنى والخلو من المضمون“
كل هذا التعبيرات تجعلنا بشكل غير واعي نتبنى المذهب العدمي وإن كنا لا نعرف عنه شيء أو نختلف في بعض أهدافه وحقائقه. والفارق بين الإنسان والحيوان وفقاً للمدرسة العدمية هو كون الإنسان قادر على إدراك العدم.
وإن جاز لنا تعريف العدم، فيكفي أن نُعرفه من خلال نقيضه، أي أن العدم هو نقيض الوجود.
العدمية هي السلب والرفض المطلق، وهذا السلب يستدعي الحضور والإيجاب، فعندما اسلب أو انفي، فأنا افترض وجوداً لأنفيه، كأن اقول ليس القلم موجوداً على طاولتي، فأنا اُقر بوجود القلم لأسلبه. إذن العدمية هي موقف سالب لكنه إيجابي، يفترض الحضور والوجود المسلوب. هي قوة أو نشاط ذاتي يقوم به الفرد ليتعرف على تاريخ الوجود من خلال هنا والآن.
ومن واجبي أن أشير إلى أن بعض المفاهيم كالوجود، الحقيقة، العدم، من الصعب وضع تعريف محدد وشامل لها لصعوبة الإحاطة بها ومناقشتها علمياً.
ولعل أشهر العدميين ديوجانس الكلبي والشاعر جوتفريد بن وابو العلاء المعري وإميل سيوران والذي هو أقربهم لقلبي على الإطلاق، ومن مؤلفاته ”مثالب الولادة“ ”لو كان آدم سعيداً“ ”المياة كلها بلون الغرق“
ومن الجدير بالذكر أن البعض يحتسب نيتشه و دوستويفسكي وشوبنهاور والوجوديون أعمدة للإتجاة العدمي، وهذا ليس صحيحاً أو لأكون أدق ليس على درجة كبيرة من الصحة. صحيح أن هناك بعض النصوص لهم يمكن أن نستدل بها على الإتجاه العدمي لكنهم في الأساس ليسوا بعدميين؛ ليست عدمية خالصة.
وقد يسألني سائل أو يقول أن العدمية هي الإلحاد إذن! وإجابتي على هذا التعقيب ”ربما“ ولكن إذا كان الإلحاد هو إنكار الله كليةً، فالعدمية ترى أن الأمر لا يشكل فارقاً ! فسواء كان موجوداً أم لا فلا قيمة في ذلك، فمسألة وجود الله او عدمه هي مسألة تخلو من كل قيمة.
وقد يباغتني أحدكم بسؤال آخر ويقول: هل العدم موجود؟ فأجيب بأن العدم ليس له وجود مادي ولكنه له تأثير ملموس، نحسه ونتأثر به، فالموت عدم، الفناء عدم.
ونجد أن هناك فارقاً لا يجب الإستهانة به بين العبثية والعدمية، فلا يجوز أن نخلط بينهما، فالعدمية وإن إعترفت بعدم وجود المعنى، فالعبثية أقرت بوجود معنى نصنعه لانفسنا ولكن هذا المعنى -بحد ذاته- عبثي! ومهما حاولنا أن نعظمه فهو في النهاية أشبه بأسطورة سيزيف للعبثي الكبير ألبير كامو، حيث حكمت الآلهة على سيزيف بأن يدحرج بلا انقطاع إلى قمة الجبل صخرة تعود لتهوي إلى الأسفل بسبب ثقلها. ويظل هكذا في عقابة الأبدي والسرمدي.
ونجد عند برديائف وهو فيلسوف روسي يرى أن العدمية هي ظاهرة روسية بإمتياز، وإنها تختلف إختلافاً كلياً عن العدمية الأوروبية، إذ أن عدمية الروس موجودة في أعماق التربة الكامنة تحت الحركات الإجتماعية على الرغم من انها في حد ذاتها ليست حركة إجتماعية. فالعدمية الروسية تنكر الله والنفس والروح والأفكار والمعايير والقيم العليا وعلى الرغم من إنكارها إلا أنها تعد في صميمها ظاهرة دينية! فقد نمت على التربة الروحية للأرثوذكسية، كما أنها تشكل زهداً ولكنه زهد بأسم تحقيق الرفاهية لمستقبل الجنس البشري، فهي زهد لكن ليس باسم الله: بدون العناية الإلهية.
فالعدمية الروسية كانت بمثابة انسحاب من العالم الراقد في الشر والخطيئة وانفصال تام عن الأسرة وعن كل حياة مستقرة ثابتة الدعائم مع النظر للدولة والقانون والأخلاق على كونهم إثم لأن كل هذه الأشياء ليست إلا أدوات لإستعباد الإنسان.
ولسوف أستعرض بعض النصوص للمحبب لقلبي إميل سيوران من كتابه ”المياة كلها بلون الغرق“ والذي لجأ إلى الشذرات بدلاً من الإسهاب والإسترسال المطول ..
_ لا أحيا إلا لأن في وسعي الموت متى شئت. لولا فكرة الانتحار لقتلتُ نفسي منذ البداية.
_ لا ينتحر إلا المتفائلون، المتفائلون الذين لم يعودوا قادرين على الإستمرار فى التفاؤل. أما الآخرون، فلماذا يكون لهم مبرّر للموت وهم لا يملكون مبرّراً للحياة؟
_ سر تكيفى مع الحياة؟
أنى أغير اليأس كما أغير القميص.
_ كلما ازدادت لا مبالاتى بالبشر تضاعفت قدرتهم على التأثير فىّ، و مهما احتقرتهم فإنى لا أستطيع الإقتراب منهم إلا متلعثماً !
_ مخافة أن نتعذب، نبذل قصارى جهدنا كى نلغي الواقع، و ما أن نفلح فى ذلك حتى يتحول هذا الإلغاء نفسه إلى مصدر عذاب.
_ المزعج في اليأس أنه بديهي وموثق وذو أسباب وجيهة: إنه ريبورتاج. والآن أمعِنوا النظر في الأمل. تأملوا سخاءه في الغش، رسوخه في التدجيل، رفضه للأحداث: إنه تيه وخيال. وفي هذا التيه تكمن الحياة ومن هذا الخيال تتغذى.
_ ثمة راهب وجزار يتشاجران داخل كل رغبة.
_ الواقع يصيبني بالربو.
_ أفضل طريقة للابتعاد عن الآخرين تتمثل في أن ندعوهم إلى الاحتفال بهزائمنا بعد ذلك نحن على يقين من أننا سنكرههم إلى آخر رمق في حياتنا.
-
محمد شريفقد أُعدم مثل سقراط أو أُصلب كالحلاج. من يدري ! أنا مزيج من التصوف والعدم ..
التعليقات
وبالإضافة لما إقتبسته من المحبب لقلبك إميل سيوران
فهي ليس لها أصل ولا يمكننا أن نصفها سوى بالجهل المطلق .