لم نعد نرى هذه الأيام فيديوهات الذبح ، والحرق ، التي كانت تبت بشكل مكثف إبان الربيع العربي ، والتي تبرز بربرية المنفذين وهمجيتهم. وتصور المشاهد بطريقة سينمائية عالية الجودة الفظائع التي كان يقترفها منتسبو "داعش" في حق ضحاياهم المفترضين. ولا نعلم حقا لما خفت وتيرة هذه الأفلام ، هل لإنها أوصلت الرسائل التي كان منفذوها ومخططوها يرغبون في إيصالها؟ ، أم أن تلك المشاهد بدأت تعطي نتائج سلبية لم تكن في حسبان المخططين .؟
في الجهة الأخرى استمرت التفجيرات الإرهابية ، في عقر أوروبا ، والغريب في الأمر أن هذه التفجيرات واكبت الربيع العربي والثورات المضادة له ، وواكبت خصوصا موجة النزوح الهائلة من سوريا والبلدان العربية المنكوبة ، هذه الموجة عرفت في بدايتها تعاطفا كبيرا من الرأي العام الأوربي حتي أن ألمانيا قررت استضافة الملايين منهم ومنحهم فرصة للعيش بكرامة ...
وبغتة ...
انفجرت فرنسا ، واتهم لاجئون من سوريا بتنفيذ الهجوم ، وبالصدفة وجد جواز سفر سوري مع احد المنتحرين ، وفي رأس السنة وقعت حوادث تحرش جنسي كبيرة في ألمانيا اتهم فيها مغاربيون وأخيرا وليسا آخرا اهتزت بلجيكا لمرتين تحت وقع تفجيرات كبيرة وصلت حتى مطار بروكسل ؟ وخلفت ضحايا بالعشرات .
وبين ليلة وضحاها انقلب التعاطف مع اللاجئين إلي كره وعنصرية تماما كما وقع مع الشعوب العربية التي ثارت من اجل الديموقراطية والحرية والعدالة فتم وصمها بالعنف والإرهاب وأعادوها إلى بيت الطاعة مؤقتا...
وفي مجمل هذه الأحداث كانت هناك ماركة مسجلة واحدة تتبنى وتتوعد بالمزيد هي داعش.
داعش هذه التي صنعت في ليل ، واستمدت كل أسباب القوة والجبروت في غفلة ، ونفخ فيها بشكل مريب وكأنها المارد العملاق ، وحتى زعيمها أبو بكر البغدادي الذي يدعي أنه خليفة المسلمين ، لم يظهر إلا لِماما في خطبة الجمعة ، مع أن الأمر جلل ، ويحتاج للظهور دوما للشّرح و التّوضيح ولوكان مهددا من الجن ، أليس هو خليفة المسلمين ؟ فكيف بخليفة لا يعرفه عموم الناس ولا يعرفون فصله ولا أصله ، وله في رسول الله صلى الله عليه وسلم إسوة حسنة ، ألم يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم الناس ويخالطهم ، ألم يشرح ويفسر وهو الذي كان مهددا من كل محيطه ،وشارك في المعارك كما شارك في بناء المجتمع الإسلامي وشهد أعداءه على صدقه وبسالته قبل الأصدقاء،
فأين البغدادي من هذا؟؟
وهل يبايع الناس أميرا مجهولا فقط لأنه قطع الرؤوس وفتحت أمامه مدن بشكل غريب............
تلقف العلمانيون المهزومون وغيرهم ، بعد ثورات الربيع العربي ، هدية داعش بكل فرحة ، وتخلوا عن شعاراتهم البراقة من أجل حرية التعبير وحرية الاختيار ، والاحتكام لصناديق الاقتراع كحكم واحد ووحيد لتداول الحكم ، وذلك بعد هزيمتهم التاريخية في الانتخابات التي جرت في البلدان الثائرة ، لفائدة أحزاب التيار الإسلامي السياسي التي صوتت لها الشعوب من اجل الإصلاح ومحاسبة الفاسدين...وظهرت صورتهم الحقيقية التي يزدرون فيها الشعوب ويعتبرون أنفسهم النخبة التي لا يمكن أن تتنازل عن امتيازاتها فركبوا الدبابات مع العسكر ، وصافحوا الحكام السارقين الفاسدين ، وبالأحرى تنازلوا للدولة العميقة عن شرفهم ومروؤتهم وعن مبادئهم إن كانت لهم مبادئ ، ورضوا أن يكونوا مجرد كومبارس من اجل المحافظة على خصوصياتهم والأدهى من ذلك أن بعضهم لعب دور" العاهرات" من اجل القضاء على خصومهم من التيار الإسلامي المؤمن بالديموقراطية ، والذي هزمهم شر هزيمة .
وشمتوا منهم لما ألقي بهم في السجون وانتهكت أعراضهم ، ومن هنا اطلقوا العنان لأقلامهم وأفواههم من اجل تغيير المجتمع بالغصب حتي يتوافق مع كاتالوجهم السياسي ، فدعوا إلى حذف بعض الآيات من المقرر الدراسي لأنها تدعو للإرهاب على حد زعمهم ، وحاربوا الحجاب والنقاب ، ودعوا إلى المثلية الجنسية ، والى الإلحاد كحريات فردية ، وكأنهم لا يكيدون لداعش بل لعموم المسلمين الذين صوتوا بغير رغبتهم ، وكأنهم يحاربون الإسلام وليس الإرهاب وهنا بيت القصيد ، داعش في مواجهة فاحش ...
فماذا تختار؟؟؟؟؟
إن معظم الشعوب الإسلامية ، شعوب مسالمة ووسطية "قال الله تعالى وجعلناكم أمة وسطا" صدق الله العظيم ، وهي يوميا تلتقي منذ قرون بأفواج السياح والوافدين الغربيين الزائرين لبلدانهم ، فلم نسمع يوما ما أنهم ذبحوهم أو أحرقوهم ، أو مارسوا معهم الرذيلة على قارعة الطريق أو أمام الملأ . بل كانوا يكرمون وفادتهم ويتاجرون معهم ، بل ويعقدون الزيجات معهم في إطار من الاحترام والتقدير ، مصداقا لقوله تعالى "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم " صدق الله العظيم .
ولهذه الشعوب الحق في تقرير مصيرها والحكم بما يرتضيه إيمانها ودينها ، ولها الحق في الحفاظ على ثرواتها وإقامة دولة العدل والحرية ومحاسبة المفسدين والفاسدين ، وانتزاع حقوقها رغما عن الدولة العميقة( وهي تسمية مهذبة لسارقي الحكم والمفسدين السياسيين والاقتصاديين والاستخباراتيين وأعوانهم من كل المشارب) وعن قوى الغرب المنافقة ، ورغما عن النخبة المنكوبة ، ولها الحق في أن تعلن بأن دين الإسلام الوسطي نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي واجتماعي قائم ، يحق لها تطبيقه في بلدانها كما تشاء ، وان تصدر قيمه بالتي هي أحسن للعالم أجمع بعيدا عن أهوال داعش و مهاوي فاحش .
-
abou yahyaانسان مسلم عربي حر ، يعشق الكتابة بلغة الضاد