تعددت وتنوعت أغراض الشعر العربي باختلاف الميدان الذي قيل الشعر فيه ولإن عرفت القصيدة العربية بعد الإسلام تغييرات عديدة في هيكلها البنوي فإن الأغراض الشعرية القائمة في الجاهلية بقيت قائمة بل وأضيفت إليها أغراض أخرى فرضتها طبيعة كل عصر من العصور التي تلت انتشار الإسلام كما أن الأغراض المعروفة في الجاهلية انتقلت من كونها أغراض مجموعة في قصيدة واحدة تلي البكاء على الأطلال إلى أغراض قائمة بذاتها مثل الغزل والهجاء فقد أصبحا غرضين مستقلين وخذ نقائض جرير والفرزدق مثالا ومن أهم الأغراض الشعرية التي عرفها العرب أيضا شعر الفخر والحماسة

يقوم شعر الفخر والحماسة على ثناء الشاعر على قومه وذكر مآثرهم وبطولاتهم وعظمتهم وجبروتهم وكرمهم وبطشهم أو يثني فيه على نفسه ويحتفي بها ويذكر مناقبها وميزاتها ويصل في الحالين حد المبالغة وإن اشهر قصيدة فخر على الإطلاق معلقة عمرو بن كلثوم التي كان نصف عدد أبياتها أو أكثر في مدح قومه بني تغلب والثناء عليهم وهي لا تخلو من المبالغات ولعل أشهر بيت فيها الذي جاء فيه

إذا بلغ لنا الفطام لنا صبي *** تخر له الجبابر ساجدينا

أما في هذا المقال فسنستعرض أبرز وأبلغ ما قيل في الفخر بالنفس في مختلف العصور بداية من العصر الجاهلي حتى العصر العباسي

أبلغ ما قيل في الفخر بالنفس في الجاهلية 

أبيات عنترة بن شداد 

 عنترة بن شداد من أبرز من كتب في الفخر بالنفس في الجاهلية ومما قاله أبياته  التي جاء فيها

حِصاني كانَ دَلّالَ المَنايا *** فَخاضَ غُبارَها وَشَرى وَباعَا

وَسَيفي كانَ في الهَيجا طَبيباً *** يُداوي رَأسَ مَن يَشكو الصُداعا

أَنا العَبدُ الَّذي خُبِّرتَ عَنهُ *** وَقَد عايَنتَني فَدَعِ السَماعا

وَلَو أَرسَلتُ رُمحي مَع جَبانٍ *** لَكانَ بِهَيبَتي يَلقى السِباعا

مَلَأتُ الأَرضَ خَوفاً مِن حُسامي *** وَخَصمي لَم يَجِد فيها اِتِّساعا

إِذا الأَبطالُ فَرَّت خَوفَ بَأسي *** تَرى الأَقطارَ باعاً أَو ذِراعا

وقد قيلت الأبيات لتخليد ما صنعه عنترة بخصومه مع قومه في يوم المصانع وهو يوم دارت في معركة بين قوم عنترة وخصومهم في موقع بحمير في اليمن يسمى المصانع فخلد عنترة بلاءه في الحرب بأبيات يفخر فيها بنفسه ويباهي فيها ببلائه

ونذكر أيضا قوله

وَسَلي الفَوارِسَ يُخبِروكِ بِهِمَّتي *** وَمَواقِفي في الحَربِ حينَ أَطاها

وَأَزيدُها مِن نارِ حَربي شُعلَةً *** وَأُثيرُها حَتّى تَدورَ رَحاها

وَأَكُرُّ فيهِم في لَهيبِ شُعاعِها *** وَأَكونُ أَوَّلَ واقِدٍ بِصَلاها

وَأَكونُ أَوَّلَ ضارِبٍ بِمُهَنَّدٍ *** يَفري الجَماجِمَ لا يُريدُ سِواها

وَأَكونُ أَوَّلَ فارِسٍ يَغشى الوَغى *** فَأَقودُ أَوَّلَ فارِسٍ يَغشاها

وَالخَيلُ تَعلَمُ وَالفَوارِسُ أَنَّني *** شَيخُ الحُروبِ وَكَهلُها وَفَتاها

وقد قال الأبيات في قصيدة خاصة بمحبوبته عبلة وفيها يدعوها إلى أن تسأل عنه كيف تعرف من هو في الحروب و يذكر حاله في الحروب ويفتخر به

الفخر في العصر الأموي

نذكر في هذا العصر مثالين الأول للشاعر العرجي والثاني لعمر ابن أبي ربيعة

وقد قال العرجي

أَضاعُوني وَأَيَّ فَتىً أَضاعُوا *** لِيَومِ كَريهَةٍ وَسِدادِ ثَغرِ

واستفهامه هنا غرضه السخرية والتحسر على من سجنون وخذلوه وعظم خسارتهم بالتفريط فيه وقد قال القصيدة وهو في السجن وفيها يشكو ما لاقاه في السجن من عذاب وتنكيل فقد سجنه والي مكة بعد أن قال شعرا في أخته وزوجه وأمه

أما قول عمر بن أبي ربيعة

قُلنَ يَستَرضينَها مُنيَتُنا *** لَو أَتانا اليَومَ في سِرٍّ عُمَر

بَينَما يَذكُرنَني أَبصَرنَني *** دونَ قَيدِ المَيلِ يَعدو بي الأَغَر

قالَتِ الكُبرى أَتَعرِفنَ الفَتى *** قالَتِ الوُسطى نَعَم هَذا عُمَر

قالَتِ الصُغرى وَقَد تَيَّمتُها *** قَد عَرَفناهُ وَهَل يَخفى القَمَر

ورد بيت عمر في حوار ينقله عن نسوة تحدثن عنه وأشادت فيه أصغرهن بوسامته وشبهته بالقمر وافتخر فيه عمر بجماله وعمر له ديوان لم يحو إلا قصائد الغزل ولم يكتب في غرض سواه وقد تحول بيت عمر إلى مثل يضرب ويستحضر في مواضع كثيرة بعيدة كل البعد عن السياق الذي قيل فيه

الفخر في العصر العباسي

أبيات المتنبي

أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إِلى أَدَبي *** وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ

أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها *** وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ

فَالخَيلُ وَاللَيلُ وَالبَيداءُ تَعرِفُني *** وَالسَيفُ وَالرُمحُ وَالقِرطاسُ وَالقَلَمُ

كَم تَطلُبونَ لَنا عَيباً فَيُعجِزُكُم *** وَيَكرَهُ اللَهُ ما تَأتونَ وَالكَرَمُ

ما أَبعَدَ العَيبَ وَالنُقصانَ عَن شَرَفي *** أَنا الثُرَيّا وَذانِ الشَيبُ وَالهَرَمُ

قال المتنبي أبياته في مجلس سيف الدولة الحمداني وهي أشهر من نار على علم وأكثر أبيات الفخر شهرة وانتشارا بعدها ساءت العلاقة بين المتنبي وسيف الدولة الحمداني وتوجه المتنبي إلى مصر ومكث في حضرة ملكها كافور الإخشيدي وساءت العلاقة بينهما لاحقا فسجن المتنبي ثم فر من السجن وكتب قصيدة هجا فيها كافور

بيت أبي فراس الحمداني

سَيَذكُرُني قَومي إِذا جَدَّ جِدُّهُم *** وَفي اللَيلَةِ الظَلماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ

قال أبو فراس الحمداني هذا البيت وهو أسير عند الروم والبيت ورد في قصيدة من مجموعة قصائد لأبي فراس الحمداني تعرف بروميات أبي فراس كتبها في فترة سجنه عند الروم وهو من أشهر أبيات الفخر وأكثرها استخداما وقد أصبح مثلا يضرب للدلالة على عظم مكانة الأشخاص الذين يقصدون به عند استحضاره

يمكن اعتبار بيت العرجي وبيت أبي فراس الحمداني نموذجين عن شعر السجون وأدب السجون في الأدب العربي قديما