لكن شيئاً ما يبقى! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

لكن شيئاً ما يبقى!

  نشر في 09 ديسمبر 2021  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

من أهم ما يواجهه العالم في الوقت الراهن هو القوالب الجاهزة التي يحاول الجميع أن يحشر نفسه فيها.. بغض النظر ان كانت تناسب مقاسه..

يبدو لك و للوهلة الأولى ان لا احد يريد أن يشبه نفسه .. او يكون نفسه..

و انا افهم هذا فإن تكون نفسك في عالم يرفض الإختلاف بطبيعته هو امر معقد وصعب.. ممكن أن يطول و يستهلك وقتك و جهدك و حياتك و ربما لن يجدي نفعا و لن يحقق احلامك المادية و المعنوية و لن يصفق لك الجمهور الذي يتابع خطواتك في النهاية ..

انا افهم ان يتغير الانسان و يتكيف وفق ظروفه و حياته.. ففي النهاية الحياة ليست مثالية و الخيارات مفتوحة و تزداد انفتاحا و اتساعا كل يوم .. و في بعض الأحيان يصبح هذا التحول و التغير ضروريا و ملحا و مسألة حياة او موت..

انا اتفهم ان تتغير مرحلتك العمرية.. او ظروفك المادية.. او الاجتماعية..  فتجد نفسك مجبرا على مجاراة بعض هذه التغيرات او كلها بما يتناسب مع وضعك و حياتك ..و في اغلب الأحيان تكون هذه التغيرات عقلانية، منطقية، إيجابية و ناضجة..مبررة و مقبولة.

و من الطبيعي انك عندما تتقدم في العمر .. يزداد فهمك و يتفتح وعيك و تتسع مساحات التفهم و الادراك في عقلك.. لكن شيئاً ما منك يبقى.. مُثلك.. مبادئك.. شخصيتك.. تربيتك.. ميولك..

لابد أن شيئا ما يبقى ..

انت لا تتغير بالكامل و تصبح إنسانا مختلفا الا اذا كنت إنسانا غير طبيعي بشكل ما.. و ربما انت بحاجة للعلاج..

لنفترض انك مررت بتجربة قاسية .. لم يستوعبها عقلك الانساني .. و لم يستطع ان يتحملها وعيك.. و كأي صدمة من المنطقي ان تصهرك و تذيبك و تبخر حقيقتك الأولى و تخلق بعدها انسان اخر لا يمت للأول بصلة..

و من الطبيعي بل من الضروري ان تتغير بعدها حتى تتمكن من الاستمرار.. و من البديهي ان تتغير وجهتك.. و ان تبحث عن طريق اخر تسير فيه.. و ان تحتاج لخطوة جديدة تسرع انطلاقتك.. و ان تجد اساسا جديدا تبني عليه حياتك ..

لكن في مرحلة ما بعد ذلك.. انت ايضا ستبحث عن الثبات بعد ان تلم شتاتك.. و تحدد وجهتك .. 

و لهذه القصص امثلة كثيرة  شهدناها تحدث في الحياة للكثير من الناس و كان التعاطف معهم اكبر كثيرا من الحكم عليهم ..

كل هذه الصراعات و التحولات اتفهمها بشدة و انادي بها و بالتاكيد انا لا احكم عليها باي شكل من الاشكال..

لكن ان تتغير توجهات انسان عاقل ناضج بالغ يعيش حياتاً عادية نسبياً  و تتلون قناعته الشخصية و مواقفه و مبادئه التي تشكل وجدانه باستمرار وفق مصلحته الحالية.. و يتعامل مع الحياة كمرتزق، هو ما كنت افشل دائما في فهمه او احترامه..

و عندما حاولت ان افهم .. اكتشفت ما يسمى ب "الشخصيات الحربائية" .. و هي شخصيات تعاني من ما يسمى  تأثير الحرباء  Chameleon Effect ..و هو عرض جانبي ل "اضطراب الشخصية الحدية"  borderline personality disorder.. و هو كما نعلم جميعا مرض نفسي يحتاج للعلاج .. 

الشخصية الحربائية شخصية ليست سوية،  لكنها مريضة كامنة و اكتشاف ذلك امر صعب حتى على امهر المختصين لانها شخصية عنيدة غير متعاونة و في الغالب تبدو عادية و طبيعية و لاتميل للعنف و هي بالطبع غير مدركة لمرضها و بالتالي لن تعترف به بسهولة ..

و لانها تبدو طبيعية بالنسبة لمجتمع يحارب الإختلاف و يصدر القوالب المتشابهة و يشجع المصالح و المكاسب و المنافسة بين افراده و يفشل في الانتصار للمبادئ و القيم فيصبح من المستحيل تشخيص هذه الشخصيات ..مما يتيح لهذه الشخصيات المريضة ان تندمج مع الاصحاء و تشعرهم بالنقص و الفشل و الخسارة فيما تتظاهر هي  بالكمال و تتباهى بالفوز و باحراز النجاحات المتتالية..

و عليك انت ان تميز هذه الشخصيات و ترصد سلوكها كي لا يتأثر تقييمك لنفسك او في اسوء الاحوال سلوكك..

من الصفات المشتركة التي تجمع هذه الشخصيات و التي يمكن تمييزها بسهولة..التذاكي لضمان النجاح.. الشخصيات الحربائية لصوص شرعيون .. يفضلون سهولة الاستقرار في قوالب مجانية جاهزة من دون الضرورة الى خلق قوالب جديدة خاصة و تجربة النجاح او الفشل..

حب نرجسي للذات.. جميع الشخصيات الحربائية شخصيات مولعة بحب نفسها و ترى في اي موقف عادي تهديد لحياتها و مكانتها و لذا من الضروري اتخاذ احتياطات لازمة للبقاء في المقدمة.. مهما كلف الامر..

التفاخر.. الشخصيات الحربائية تتلون لانها تريد أن تحظى بالقبول و تتفاخر لانها تشعر بالضآلة و الدونية و تعاني من انعدام الثقة في نفسها و فقدان الشعور بالامان تجاه سلوكها و قدراتها، لذا فانها تتوق لرؤية نظرات الفخر و الاعجاب و ربما الغيرة في عيون الآخرين 

نقص .. الشخصيات الحربائية تعاني من حرمان ما في جانب من جوانب الحياة.. نقص معين هدد وجودهم في مرحلة بعينها و ترك بداخلهم فجوة عميقة بلا نهاية، نقص قديم افرز شعوراً مجنوناً بالجوع و الخواء و اخذ يحركه الطمع  باستمرار، محاولاً ملئه بالمكاسب اي كان نوعها..

لكن المفارقة الغريبة ان كل مرة تمتلئ فيها هذه الفجوة بالمكاسب فان شعور هذه الشخصيات بالنهم و الفراغ يتسع اكثر و اكثر حتى يبتلعهم في النهاية..

التعصب.. الشخصيات الحربائية شخصيات متعصبة  لارائها الانية بشكل مرضي .. طالما كانت هذه الفكرة مثمرة و مربحة بالنسبة اليهم.. فهم اشد معتنقيها ايمانا بها..ثم يتغير كل ذلك فجاة أن وجدوا فكرة آخرى تخدم مصالحهم اكثر.. فتجدهم يتمسكون بالفكرة الجديدة بجنون و يحولون جهودهم لمحاربة نسخهم القديمة بشراسه..

اما عن امثلة الشخصيات الحربائية.. فالامثلة كثيرة جدا .. و لا يمكن ان احصرها في بضعة اسماء..

لكن ما أود اخبارك به فعلا .. انت و اي انسان عادي اخر يشعر بانه متواضع و مهمش و ضعيف لانه يكتفي بنفسه .. و ياتي صوته من راسه.. و  يعاني من شخصية واضحة المعالم لا تتلون كالحرباء.. 

اريد ان اخبرك انه مهما كان تصورك عن نفسك غريبا و مجنونا و بشعا.. فانت انسان سوي و هذا في حد ذاته معجزة الهية عليك ان تشعر بالامتنان تجاهها في كل لحظة.. و انت ناجح ان نجحت في فهم نفسك.. و قوي ان تمكنت من الاحتفاظ بمبادئك.. و غني بتجاربك التي مهما تغيرت لم تغيرك بل ظللت ثابتا في وجهها كالجبل تواجه الريح..

و انك مذهل..ان تعرضت للخيانة و ظل قلبك كبيرا بالوفاء..

و عظيم..ان داهمك الفقر و ظلت نفسك غنية بالكرامه..

و مبهر ان تغير العالم حولك و سرت معه متشحا بمبادئك..

و مدهش انك تتنفس الأكاذيب في كل لحظة و ما زلت محتفظا بصدقك ..

اريد ان اخبرك كم احترم امثالك و اشعر بالفخر ..

لأنك لا تغير جلدك وكلماتك كلما اقتضت المصلحة..

اريد ان احييك..

لان المصالح لم تغير وجهتك.. ولم تزعزع الاختبارات ايمانك..

و اريد ان اشكرك..

لأنك تقف بوجهك الحقيقي بشجاعة في أكبر حفلة تنكرية يشهدها العالم اليوم.


  • 1

   نشر في 09 ديسمبر 2021  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا