لا تكن كبشا.. (وهم الأمان الوظيفي)
نشر في 04 يناير 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
حولت هذا المقال إلى كتاب إلكتروني، بنفس العنوان: "لا تكن كبشا (نهاية الأمان الوظيفي وآمال ريادة الأعمال)". هذا الكتيب المجاني سيعطيك الدفعة الأولى لتتحرك وتتغير لتبدأ رحلتك الريادية، وتحلق عاليا في سماء النجاح.
كان مرعوبا في البداية، يوم فطمه المزارع عن أمه، وهو لم يكمل شهره الرابع بعد، ونقله من المرعى المفتوح إلى حظيرة مغلقة. لكنه سرعان ما تأقلم في هذا المكان البديع المكتظ بالحملان في مثل عمره. مضت أشهر وهو لا يفعل شيئا إلا اللعب والأكل. لا يحتاج هنا إلى عناء الذهاب إلى المرعى والبحث عن الكلأ. المزارع يقدم لهم أشهى الحبوب وأطيب الأعشاب وأطراها.
لقد صار الآن كبشا سمينا راضيا عن نفسه هانئا مرتاح البال، يستمتع مع أقرانه بالحديث عن الأيام الوردية القادمة وكيف أن المزارع يحسن العناية بهم ويقدم لهم يوميا ما يحتاجون من طعام وشراب. هذا أمر سيستمر إلى الأبد. كان يحادث نفسه بذلك، إلى أن جاء يوم سمع فيه هدير الشاحنات في الخارج ورأى أشخاصا أغرابا ينقلون رفاقه حملا إلى الشاحنات.
حاول التملص منهم وثغى كثيرا. جرى وركل وقفز، لكن لا مفر. وجد نفسه مكدسا في الشاحنة، ثم وجد نفسه في مكان غريب فيه كثير من الضجيج وأناس يحيطون به ويفحصونه، ثم وجد نفسه وحيدا في بيت ما، ثم وجد نفسه ملقى على الأرض وسكين حادة تقترب من نحره، ثم…
انتهى حلم هذا الكبش الذي كان يعتقد واهما أنه سيبقى للأبد في المزرعة والطعام يأتيه يوميا، دائما في نفس الوقت!
هل هذه قصة خيالية؟ كلا. بالنسبة لأنور هي ليست مجرد قصة خيالية من عالم الحيوان.
كان أنور سعيدا يوم حصل على وظيفته، كمبرمج، بمجرد تخرجه من الكلية. أمضى في عمله ثمان سنوات كاملة، يعمل عشر ساعات يوميا، ستة أيام في الأسبوع، وكثيرا ما يسهر الليالي لإكمال الأعمال المتأخرة التي لا تنتهي. إشترى سيارة مستعملة، وشقة صغيرة سيبقى طيلة عمره يدفع أقساط رهنها البنكي. تزوج وأنجب طفلين.
لا شك أن الوظيفة مملة رتيبة كئيبة مجهدة، لكنه سعيد براتبه الشهري الذي يزيد سنة بعد سنة، والمكافآت التي يحصل عليها أحيانا مقابل عمله أيام العطل وحتى وقت متأخر ليلا.
لكنه مثل الكبش كان مخدوعا. فكما أن الكبش كان يعيش وهم ”الحياة الرغدة الأبدية“ كان أنور يعيش وهم ”الأمان الوظيفي“ وبأنه سيبقى في وظيفته إلى أن يصل سن التقاعد فيحصل على معاش جيد يعيش به بعد أن يكون قد أكمل أقساط قرض السكن. كان واهما، فبعد ثمان سنوات من العمل المتفاني، جاء صباحا ليجد رسالة من قسم الموارد البشرية يخبرونه أنهم مضطرون للإستغناء عن خدماته، في إطار حملة تخفيظ للعمالة بسبب تناقص إيرادات الشركة!
بعد ثمان سنوات من الكد في العمل وجد نفسه في الشارع، لديه طفلان صغيران ورهن عقاري ثقيل على كتفيه. ليس لديه حتى الخبرة المطلوبة للعثور على وظيفة جديدة، فسنواته الثمان من الخبرة لم تكن فعليا سوى سنة واحدة مكررة ثمان مرات، بسبب وظيفته المملة الرتيبة التي لم تكن تتطور، فما كان يقوم به خلال سنته الأولى إستمر يقوم به طيلة السنوات الثمان. إنه الآن عاطل تماما، ودون أمل. لم يستعد يوما لمثل هذا اليوم. إنه رخو ولين. إنه هش.
تبين لنا قصة الكبش الخيالية وقصة أنور كيف أنه يسيطر علينا وهم أننا نعيش في عالم آمن قابل للتنبؤ؛ إذا درست بجد لخمسة عشر عاما، أو أكثر، ستتخرج وأنت مؤهل تماما للحصول على وظيفة أحلامك، وحين تحصل عليها ستبقى فيها إلى سن التقاعد تترقى السلم الوظيفي بثبات، بشكل آلي قابل للتنبؤ، وفي كل مرحلة ستحصل على العائد الذي تتوقعه نظير عملك.
الصدمة تأتي سريعا لمن توظف مباشرة بعد تخرجه، حين يجد أن ما درسه لا يخول له التميز في وظيفته ويجد أن وظيفته غير مضمونة إلى الأبد… وتأتي الصدمة سريعا جدا للآخرين الذين اصطفوا أفواجا في إنتظار وظيفة لا تأتي أبدا.
الحياة لم تعد بسيطة كما كانت، وحلم ”إكمال الدراسة، الحصول فورا على وظيفة ثم الزواج“ صار محض وهم، لا يمكن تحقيقه بسهولة، وحتى إن تحقق لم تعد ثمة أي ضمانة على إستمراره وألا يتحول إلى كابوس فجأة. نسبة البطالة مرتفعة للغاية، في العالم المتقدم كما في الدول النامية، وعدد الخريجين الذين لا يجدون أي وظيفة في تزايد مستمر. السبب أحيانا نقص مناصب الشغل، لكن في حالات أكثر نقص الكفاءات بسبب عدم ملائمة ما يتم تدريسه في الجامعات مع متطلبات السوق، وعدم قدرة الخريجين على التعلم الذاتي ومواكبة الجديد. بصيغة أخرى: الهشاشة.
لوحة الغلاف، للفنان: محمد التويني.
التعليقات
ففي الدول التي تدعم الموظف الحكومي وتمنحه أمتيازات جيدة ولديها مجموعة قوانين تحمي حقوقه .. يكون الخيار الوظيفي أفضل ...
اما الدول التي لاتدعم الموظف ولاتوفر له احتياجاته على الاقل ويضطر للعمل بعد الدوام ، فالخيار الوظيفي غير محبذ
العمل الحر افضل من ناحية زيادة المهارات لكثافة الجهد الذي يبذله الفرد وتنوعة واضطراره للتطور ليواكب سوق العمل
والعمل الوظيفي سواء الحكومي والشركات الخاصة افضل في الدول التي تمتلك امتيازات للموظف / او الشركات الكبرى التي غير مرتبطة بدولة