فتاة .. في قبضة النصيب . - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

فتاة .. في قبضة النصيب .

وراء كل فتاة قصة .. ووراء كل قصة " نصيب " اكتمل أو لم يكتمل ..

  نشر في 07 شتنبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

- عنوسة البنت , شبح العُمر .

يعتبر مصطلح " العنوسة " من أصعب المصطلحات التي تمر على الفتاة , فبعد أن تنتهي من مرحلتها الدراسية تبدأ التساؤلات حول مرحلتها القادمة , ليست في استقلالها المهني والمادي , ليست في تحقيق أحلامها وأهدافها التي لطالما حاربت من أجلها , ولكن في " الجواز " الذي يعتبر الهدف الأول والأخير امام كل فتاة تمر بفترة عمرية معينة , إن تخطتها تكثر حولها التكهنات حول تأخر زواجها , حتى أن الأمر يطول شرفها في كثير من الأحيان وفي مجتمعات عربية تربط تأخره بوجود مشكلة تتعلق بأخلاق الفتاة , والكثير يعتبره وصمة " عار " لا تصلحه الأيام , يجلب للأسرة الضياع والدمار , فتخرج عن الفتاة سيرة غير حسنة , وعنه قد تضطر الأسرة لإصلاح هذا الأمر بإتمام الزيجة مع أي شخص بغض النظر عن شخصه لمجرد سد " أفواه " المجتمع حيال الفتاة , لمجرد التخلص من القيل والقال , ولكن الأمر ما هو إلا " نصيب " , وهو الأمر الذي لم يعترف به البشر ! .

- قصة كل بيت .. قلب الفتاة فيها بطل الحدوتة .

ذات ليلة شتوية بنسمات هادئة لم ترتفع لمرتبة السقيع وتيارات الرياح التي تتفنن بأطراف البشر , أخبرتها والدتها الخبر الأصعب على الإطلاق , الخبر الذي لطالما كانت تفر منه , وكأنه الوحش المُخيف بطل " الحواديت الطفولية " التي كانت تقصها الأم حتى تفر الطفلة خوفًا إلى نوم طويل , دون أن تُزعجها بهُراءات المرحلة وبلا  مجهود يُذكر , أصبح هروبها من هذا الخبر بمثابة الهروب الوحيد الذي لم تدرك أسبابه ! , لا تعلم أين تفر منه وإلى أين تختفي عن أنظار هذا الشبح الفظيع ! , قالتها الأم بنفس تنتفض بالغيظ المخفي , وشق صدرها سيف الحزن العنيف الذي أخذ يسلب منها راحة بالها , وسعادتها لم تعد تشتعل وتتوهج كما أبدعت من قبل ..

" عرفتي ان بنت خالتك هتتخطب الاسبوع اللي جاي ؟ " ..

 " هي لم تقل الخبر بهذه السلاسة والمرونة كما قرأت , بل بكلمات تزداد احتراقًا لتعلن عن اشتعال نيران الأم هي الأخرى حيال أمر ابنتها , فهي تراها في نظر الكون كله : خايبة " .. 

ساد صمت الفتاة للحظات في شرود تام ولم تنطق بحرف واحد , أخذت تسترجع ذكريات ابنة الخالة معها التي دخلت بوابة " العشرينات " لتوها ,  مذ أن كانت رضيعة لا تقوى على تحرير الكلمات من جوفها , كل آمالها أن تجد من يُجاري عقلها البدائي ويعبث معها , يخلع قناع السخط والملل ويستبدله بقناع الرضا عما يفعله , والحقيقة أنه لو يقوى على إعادتها لرحم أمها من جديد فلن يتأخر عن فعل ذلك ! .

تذكرت فترة مُراهقتها , وكم تبدلت من طفلة مُدللة إلى فتاة تتمتع بدلال أكبر عما كانت عليه ! , كانت الأصغر بين أخواتها , ولكنها لطالما كانت الوحيدة في قلب الأم والأب وستظل  حتى الممات , شعرت أن العمر يتسارع وبحق , يتسارع لدرجة أنه قد يجرف في طريقه من لم يستطع استغلاله ! , أدركت أنها على وشك أن تُجرف بتياره هي الأخرى ! , ظلت على شرودها هذا ولم تلتفت للأم , الأم التي كانت تجلس أمامها في وضع استعداد لتنقض عليها فتُلقنها درسًا جديدًا في كيفية الإيقاع بشريك العمر , ظلت ترمقها بنظرات قاسية , حسبت بها أن الفتاة سوف تشعر كم هي مُذنبة في حق نفسها وفي حق الجميع , ولكن الفتاة ظلت صامتة ولم تتفوه بحرف حتى تحررت الكلمات وتراقصت أحبالها الصوتية لتُخرج رد فعلها أخيرًا ..

" باركي ليها وقوليلها إني مبسوطة بالخبر ده , بس مش هقدر أحضر علشان شغلي " ..

" حُجة ومبرر لن يُجدي نفعًا يا فتاة , فالعمل الذي تتحدثين عنه لطالما بغضتيه وودتي أن تستقيلي منه كل لحظة تمر , أيُعقل أن الأم ستتفهم الأمر وتقل لكِ : كان الله في عونك؟! , بهيئتها الغاضبة تلك لا أتوقع إلا بأنها ستنهال عليكِ بكلمات لم تعهديها من قبل و لن تقع على مسامعك مرة أخرى , فكان الله في عونك وبحق " ..

وجدت الأم رد الفتاة فاترًا باردًا يخرج من شخصية لامبالية بالأمور , ساذجة بمسؤوليات الحياة , مسؤوليات الحياة التي تلخصت في مسؤولية واحدة فقط لدى الأم ألا وهي " الزواج ورؤية الأحفاد قبل الممات " , لم تعي أن الفتاة تقع في صراع عنيف يزداد سوءًا وإضطرابًا يوم بعد يوم , لا يعلم أحد عنه وعن مدى قسوته على قلبها الذي لم يغترب عن براءة الطفولة قط , في أرض المعركة , كانت هي المُحارب الوحيد الذي يدافع عنها ! , والحياة بأكملها كانت الطرف الآخر الذي قد تسلح بأكبر الأسلحة والمُعدات والهدف واحد " تدميرها تدمير أبدي " .

تحالف المجتمع ضدها وكأنها مستعمر دخيل على أرضه ! , والغريب أن الأم هي من تمد للمجمتع بأسحلته ضد ابنتها المسكينة ! , الأم التي تمثل مصدر الأمن والأمان والقوة ضد عنف الأيام وضراوتها , تبدلت الآن وأصبحت منبع كل خوف وفقدان ثقة , ولكن وبرغم ذلك كانت الفتاة تُعاند من أجل البقاء حتى آخر لحظة في أرض المعركة , وإن لم تفز بها فهي  على أقل تقدير ستثبت للعالم بأكلمه أنها تحمل روح شجاعة لم تيأس ولم تنسحب , تمسكت بمبدأ " البقاء للأقوى " وإن كانت كل ما تملكه , وبالفعل هي الأقوى بنفسها التي لا تعجز عن الإصرار ولن تعجز أبدًا ..

تركتها الأم مُتغافلة عن رد فعلها الذي لم تستسيغه لحظة , قررت ألا تُحدثها في تلك الأمور من جديد , فقد فقدت الأمل حيال أمرها وإن استمرت فيما تفعله معها حتمًا سينتهي أمرها بذبحة صدرية أو بجلطة! , غادرتها وغادرها الأمل , نفسها تزداد غضبًا وعقلها يضطرب بالفكر والتساؤلات بشأن مستقبلها الذي لم تجد له ملامح حتى الآن , وبرغم مركزها المرموق في عملها , وبرغم حائط غرفتها الذي يكتظ بشهادات وجوائز حصلت عليها كنوع من التقدير عما كافحت لأجله , إلا أن مستقبل ابنتها الحقيقي في نظرها هو " زوجها وأولادها " , أحفادها التي أيقنت بأنها لن تشهد ولادتهم أبدًا إن استمرت ابنتها في الحياة بنفس العقلية العملية وتستمر في إلغاء نبض قلبها ! , ولكنها غادرت وأقسمت ألا تُحدثها من جديد في أي أمر يرتبط بموضوع الإرتباط ..

قضى كلاً منهما ليلته في حيرة عنيفة , وتساؤلات أعنف كادت أن تُفجر رأسهما تفجيرًا , فكر لم يخلد إلى النوم ولن يفعل في تلك الليلة العصيبة المُضطربة , التي كانت تسير على النهج الهادئ ولكن سيناريو الليلة قد تبدل بعد هذا الخبر الذي عصف بهدوء الجميع في غمضة عين .

كم كانت قوية تلك الفتاة ! , كانت تتلقى كل خبر وخبر بنفس هادئة وثغر مُبتسم , لم يكن في حُسبانها أن الحياة ستجد أن هذه الإبتسامة كناية عن القبول والرضا فتفيض عليها بالأخبار التي أخذت تُبدل إبتسامتها , مرة بالصمت ومرة بالإنصراف , لقد تمادت الحياة في نهش سعادتها , ولكنها استمرت في إيمانها ويقينها أنها ستجد من يُشاركها رحلة حياتها يومًا ما , وستجده حينما يدق النصيب بابها وفقط , دون واسطة أو تخلي عن مبدأ أو " خاطبة " , كان هذا الأمر الوحيد الذي يبعث في نفسها الطُمأنينة بعد كل خبر يسلب منها الإتزان .

فلانة اتخطبت " , " فلانة اتجوزت " , كلها أخبار ملأت قلبها بالسعادة التي يُخالطها اشواك الألم , الوحدة التي قذفتها في قبضة الغربة بين البشر , تارة تسخط على حالها وتفيض منها دموع الحسرة , وتارة تعود لهدوء قلبها فتجد أن الأمر كله بيد الله , لن يخرج للنور إلا عندما يأمره الله " كن فيكون ", وبرغم علم الأم بهذه الحقيقة وإيمانها الشديد بكل حرف فيه , إلا أنها كمثل كل أم تود أن تطمئن على ابنتها قبل فوات الآوان , ومع كلمات من الأسرة والجيران والأصدقاء وجدت أن عقل والدتها تم الاستحواذ عليه بأفكار " العنوسة " التي ظلت تُعاني من آثارها منذ زمن ..

- " خلي بالك من بنتك "

- " قوليلها تشد حيلها , كده القطر هيفوتها "

- " متعرفيش ان اللي في سنها اتجوز ومخلف دستة عيال؟! "

- " ليكون فيه حد في حياتها ومخبية عليكي ! "

- " الشغل مش هينفعها لما تكبر وتعجز لوحدها , كلميها ووعيها "

كانت الأم لا تجد في ذلك إلا أنها تستعطفها مرة بكلمات حانية ودموع تجعل القلب يُزلزل في ضلوعه , ومرة أخرى بالمناقشات القاسية التي تتحول لمناظرات بين الأم والابنة في إنتظار من سيفرض وجهة نظره , وفي النهاية لم تُثبت أي وجهة نظر وينصرف الجميع إلى غرفته , فتشتعل حروب فكرية ونفسية من جديد ! ..

انقضت الليلة , وأتى الصباح ليفرش اشعة سمشه التي تحمل الطابع البارد الخفيف , والنسمات التي تبدأ في التصاعد مع كل لحظة , وتركت الفتاة غرفتها وبدأت في تحضير امورها من أجل الإنصراف إلى العمل كعادة كل يوم , وكعادة هذه الظروف لم تكن الأم تستطيع أن تدع ابنتها تنصرف دون أن تُحضر لها فطورها وتأمرها أن تُطمئنها عليها بمجرد وصولها للعمل , هو قلب الأم يا سادة الذي مهما اسشتاط غيظًا من ابنتها يعود ينتفض خوفًا وحبًا عليها , فأومت برأسها أنها ستتصل بها وتناولت فطورها وأغلقت باب الشقة في هدوء كالعادة , ولكن ما حدث أن باب آخر قد فُتح لها , باب لن يُغلق أبدًا ..

وصلت مكتبها وأوفت بوعدها تجاه والدتها , وبعد أن جلست لتبدأ في خوض حربًا جديدة مع " الملفات والإيميلات " , تقدم زميلتها الحسناء التي تبلغ من العمر  25 عامًا , " المُتزوجة والأم لـ 3 أطفال " , لتُخبرها بالخبر المُغير لأحداث كُليًا , ولكنه لم يكن كخبر الأمس الذي قلب حال البيت رأسًا على عقب ..

" ماعرفتيش , المدير الجديد وصل وعاوزنا نروح مكتبه علشان نبدأ الاجتماع بسرعة , شاطر وعنده خطة وهينقلنا في مكان أحسن بجد , مش هتيجي معانا ؟ " ..

قالتها ولم تنتظر الإجابة , فهي على علم أن فتاتنا لن ترفض أي شئ طالما يتعلق بالعمل وسيره بشكله الأمثل , وبالفعل أنجزت كل امورها وانطلقت نحو المكتب الذي اكتظ بكل الموظفين , فجلست بهدوء كالمعتاد في ترقب لهذا الكيان الذي سيخوض معهم مرحلة عملية جديدة ..

وبعد أقل من شهر ..

الأم تتصل بأختها لتُخبرها عن شئ لطالما انتظرته , ألم تُدركوا الآن ما هو الخبر ؟

الخبر الذي سيُعيد فرحة الأم من جديد , الذي يجعلها تتيقن هي الأخرى أن النصيب يأتي بموعده المقدر له , يمحو قسوة الأيام والكلمات .

" بنتي اتخطبت " ..  

نعم لقد جُبرت الفتاة الهادئة ذات النفس الراضية المُبتسمة بمُديرها الجديد , ومن هنا , أتى النصيب في لحظة دون سابق ترتيب له , فأتت معه سعادة الأسرة بأكملها ..



  • 1

   نشر في 07 شتنبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا