عَدلٌ وَإنصاف، مِن رَبِّ الكَونِ والأَلطاف
نشر في 05 نونبر 2017 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
هَل تَعلَمُ أخي الحَبيب، أنَّ رَبُّ العالَمينَ تَبارَكَ وَتَعالى قَد وَزَّعَ بينَنَا الأرزاق بِالعَدل لا بِالتساوي؟ فَلَو وَزَّعها فَأَعطى النَّصيب ذاتَهُ لِكُلِّ شَخصٍ لصارَ الجَشَعُ والطَّمَعُ وَحُبُّ التَّمَلُّكِ مَرَضًا مُنتَشِرًا بَينَ الجَميع، كُلُّ يَطمَحُ لامتِلاكِ المَزيدِ والمَزيد، غَيرَ مُبالٍ بِحُقوقِ غيرِه، لَكِنَّ الله جَلَّ وَعَلا بِحِكمَتِهِ الإلهيةِ قَد قسَّمَ بينَ الناسِ أَعمارَهُم وآجالَهُم وأموالَهُم، فَجَعَلَ فيها مَن رَزَقَهُ المال، ومَن رَزَقَهُ البَنين، ومَن رَزَقَهُ الصِّحّة، ومِنهُم مَن حَرَمَهُ اللهُ مِنها، وقِسمٌ رزَقَهُمُ الله جلَّ وعَلا "القَناعة"، وَاللهِ إنَّ مَن قَنَّعَهُ اللهُ بِما آتاه سَيَجِدُ اللَّذَّة والحلاوَةَ في قَليلِ الرِّزقِ، والبَرَكَةَ في شُحِّ الدَّهر.
أَلَم تَنظُر إلى حالِ ذَلِكَ الصَّبي الَّذي يَعيشُ مَعَ أُمِّهِ في بَيتٍ مِن أربَعَةِ جُدرانٍ وبابٍ واحِدٍ دُونَ سَقف! فَلا تَحمِلُ الأُمُّ هَمًّا إلّا شِدَّةَ الشِّتاء، فإذا ما أَقبَلَ المَطَرُ واشتَدْ، انطَلَقَ الصَّبِيُّ بِفِطرَتِهِ لِذلِكَ الصَّدرِ الحَنونِ يَحتَمي بِهِ مِن البَردِ والبَلَل، فَلا يَجِدُ في ثيابِ أمِّهِ البالِيةِ إلّا خِرقَةً مُبَلَّلَةً لا تَزيدُهُ إلَّا قَرًّا، فتَقومُ أُمُّهُ فتَقتَلِعُ بابَ المَنزِلِ وتَضَعُهُ فَوقَها وابنَها كي يَحتَمِيا مِن زَخّاتِ المَطَر، فَيَنطِقُ ذَلكَ الصَّبِيُّ بِأَلَم، وَيُسَطِّرُ حُروفًا مِن ذَهّب أَودَعتُها في قَلبي قَبلَ أسطُري، يقول لِأُمِّه (تُرى .. ما حالُ أولئك الفُقَراءِ الَّذينَ لا يَجِدونَ بابًا يَحتَمونَ فيهِ مِنَ المَطَر؟!).
أيُّها الصَّبي، لَو فَكَّرتَ بأغنياءِ القَومِ وَقَد تَلَحَّفوا بأغطِيَتِهِمُ الحَريريةِ يَحتمونَ مِمَّا يَدفَعُهُ عَنكَ "باب"، تُرى لَو أدرَكتَ أنَّ القَومَ يَعلَمونَ حالَك، وَلَيسَ فيهِم مَن يَمُدُّ يَدَه بِالخَيرِ إلّا مَن رَحِمَ رَبّي، تُرى ماذا كُنتَ فاعِلًا؟
في أُمُورِ الدُّنيا ومَلَذّاتِها وخيراتِها، دائِمًا قارِن نَفسَكَ بِمَن هُوَ أدنى مِنك، لِتَشعُرَ بِجَزيلِ نِعمَةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ عَليك، أمَا في أَمورِ الدّين، فَقارِن نَفسَكَ بالذين يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ والعَشِيِّ يُريدُونَ وَجهَه، حاوِل أن تَصِلَ إلى مراتِبِهِم ومَنازِلِهم عِندَ مَليكِهم، هُمُ القَومُ الَّذينَ رَبِحَت تِجارَتُهُم مَعَ الله، فَماذا أَعدَدتَ أَنت؟
-
قاسِم أَحمَد غَزالأضغاثُ أقلام..