عندما تجتمع العائلة أو مجموعة أصدقاء، فمن البديهي أن يشاهدوا التلفاز كنوع من أنواع التسلية و الترفيه،ولكن يشعر كل منا عند مشاهدته التلفاز بأنه يعيش في القرن الخامس و العشرين و ليس الواحد و العشرين.
فالقنوات التلفزيونية في أيامنا هذه، لا تنفك عن بث أخبار المشاهير و الساسة و الإعلاميين و الفنانين و المغنين و الرؤساء و الملوك و الأمراء، كما تنتج لنا برامج الرقص و الغناء و برامج المسابقات ذات الأسئلة التافهة و برامج الحوارات و اللقاءات بمحتوى يبعث على الغثيان. فعدسات القنوات أصبحت تُوجّه نحو كل من يلبس الحرير و ينام على الوثير، دون أن تكنَّ لمعيشة غالبية المجتمع أدنى اعتبار. ليشعر بعد ذلك المشاهد بأنه يعيش في المدينة الفاضلة التي يغلب على قاطنيها الثراء، في الدولة، التي تتشكل نواتها من الفولاذ، الدولة التي لا تقهر بآليّاتها السابقة لعصرها و بأسلحتها الفتاكة، وبجنود متعطشين للقتال والدفاع و الهجوم و النصر، تلك الدولة التي تتوهم بأن شوارعها وحدائقها أصبحت أشبه بالجنة، وسكانها يعيشون في القصور و الفلل، لنعتقد بعد ذلك بأن تعداد هذه الدولة 7 مليارات نسمة وقد أصبح كوكب الأرض ضيق و يحتاجون إلى كوكب آخر.
وهنا نطفئ التلفاز بعد أن امتلأت قلوبنا بالأكاذيب و شبعت عقولنا من الاستخفاف بها. فالواقع مغاير لما هو عليه في الشاشات، الحقيقة هي أن تلك المدينة الفاضلة تدعى "المدينة المروّعة" وتلك الدولة هي العائدة من المرض إلى الاحتضار، فشبابنا يملئون الشوارع بعد معاناة البحث عن عمل، وأطفالنا تملأ المستشفيات و العيادات لمعاناتهم من سوء التغذية، وإخوتنا في الدين والدم و اللغة يصارعون الموت للفوز بالحياة الكريمة و التغلب على الطغاة، دون أن نقدم لهم أدنى مساعدة بآليّاتنا "السابقة لعصرها" و جنودنا "البواسل" ، لتبقى المعاناة دائمة، و تبقى المشاكل دون حلول، و تبقى الشعوب تتمنى أن تعيش مثلما يعيش أهل التلفاز.
-
غزوان فرحان نواياشاعر || مؤلف || كاتب || قارئ || أخصائي صحة نفسية والعلاج النفسي