إلى غابرييل 4.. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

إلى غابرييل 4..

رسالة أخرى..

  نشر في 19 يونيو 2023 .

أيار 2023

يستحضرني قول درويش هذا المساء..

أقول لك:

لا شيء يثبت أني أُحبك غير الكتابة

أُعانق فيك الذين أحبوا ولم يفصحوا بعد عن حُبِّهم، أُعانقُ فيك تفاصيل عمر توقَّفَ في لحظةٍ لا تشيخُ.

غابرييل 

ما الشيء الذي يمكنني أن أناديك به أو أضيفه قبل إسمك و أنتِ لستِ بجانبي، و ربما لم يعد لإسمي معنا محدد بقواميسك.

هذا المساء مجنون و متطرف إلى حد بعيد آخر أيام مايو و مازالت الغيوم تزاحم الشمس و تحجبها رغم كل المحاولات.

تماما مثلما تحاولين حجبي بكل فكرة تقودكِ عند منعطفات أيام تشاركناها.

الأمطار بالخارج لا تريد أن تتوقف، الرياح قوية تعبث بمعالم الأشجار و تمارس سطوتها على كل شارع بالمدينة.

جالس بغرفة الإنتظار تلك أراقب حركة الزائرين من المرضى، هذا شيخ كبير، و تلك إمرأة مسنة يرافقها إبنها و الكثير من الحالات التي تحاول كل مرة أن توقظ كتلة الأفكار النائمة بعقلي و تحرك فيّ ذلك الإحساس الغريب بالعجز و فقدان العزيمة.

أنظر إلى ذلك الشيخ الذي يقابلني، يسحب العجز بخطواته المتباطئة و إنحناءة ظهره التي تشي به رغم كل محاولات الإنكار التي يبديها.

أحدق الى تجاعيد وجهه، قصص جمة تلك التي تحملها نظراته السارحة، و حكايا و خيبات عدة لم يبح بها بعد.

ربما مات كل شيء بداخله و لم يعد للحديث عن ماضيه جدوى، مثلما لم يعد للحديث عن قصتنا من فائدة.

لقد كان ذلكَ الشيخ أنا ذات يوم، بشعريّ الليلي و عينايا البندقيتان و ملامحي الطفولية و ضحكتي المسموعة، كان أنا ذات يوم بعنادي و غموضي، بصمتي و عزلتي.

هي هكذا الأيام نتداولها بيننا، سأجدني يوما ما عند عتبات مستشفا للقلب أو للعظام أو للعيون، أو للمجانين ربما .

كل شيء وارد مع حياة لعوب تمتهن التلاعب بنا و إغراءنا بكل ما هو زائل.

كانت زيارتي لطبيب القلب هذا المساء زيارة مفاجئة، لم اخطط لها من قبل، كنت حينها بصدد تجديد وصفة طبية لجدتي..

إنتظرت طويلا حتى جاء دوري، قالت الموظفة بالإستقبال:

ماذا لديك؟

?la visite médicale

و هل كان يبدو علي أني أعاني مرضا بالقلب حتى احتاج إلى فحص طبي؟

ربما لم يكن ذلك صحيحا من جهة، و لكني من ناحية أخرى كنت مريضا و شيء ما بقلبي كان ما يزال يؤلمني و يعبث بمشاعري.

ما تزالين هناك يا غابرييل رغم كل جلسات الشفاء، ومحاولاتيّ المتكررة للتعافي، للبدء من جديد و وضع نقطة بآخر السطر بقصتنا.

النقطة التي عجزت على وضعها طوال سنوات.

كان كل شيء يشي بي، صمتت لبرهة و لا أنكرُ أنكِ كنتِ حاضرة بذلك السؤال، فكرتُ بكِ وبإجابة مناسبة أزيل بها إرتباكي و حيرتي.

كنت حينها في صراع مع الحقيقة و الوهم، مع التكذيب و التصديق.

قلتُ لها رغما عني و عن التحاليل و الطب .

أنا لا أعاني أي مرض بالقلب.

فلماذا لا أتقبل هته الحقيقة، و أُصِّر على مرضي الوهمي بكِ ؟

هل كنتِ وهما بحياتي أم حقيقة؟

لم نلتقي يوما، لا هي العيون و لا الأيدي تعانقت، لم تجمعنا فرصة أو طاولة قدر، فما الشيء الحقيقي الذي تشاركناه حتى استطعتِ أن تترسخي بداخلي على ذلك النحو الكبير.

ما الشيء الذي أذاب كل تلك المسافات بيننا و جعلنا قريبين و بعيدين بنفس الوقت؟ حبيبين و غريبين، بريئين ومدانين؟

مثل زهرة تفرعتِ بجذورك داخل قلبي و إخترقتِ الجدران كلها، فلماذا ذبلتِ بتلك الصورة ؟

 غابرييل حياتي

ما يزال كل شيء بداخلي حيا، مازلتِ تنبضين بداخلي في خط مواز لنبضات قلبي.

بربكِ قولي لي:

كيف أمكنكِ الإستسلام و كل شيء من حولنا كان يدعو للوقوف، للمقاومة و التشبث أكثر؟

كيف سمحتُ لكِ بفعلها؟

لا أدري حقا...

كل شيء مر بسرعة علينا، بعدما إتفقتْ الأيام و عقارب ساعة الحائط على سحقنا تحت ثقلها.

الكثير من الأسئلة تلتهمني دون أن أجد أجوبة مقنعة أوقف بها زحفها الدائم بعقلي.

أسئلة لم يعد لها من داع، تشبه رسائلنا المتأخرة .

أخذتُ الوصفة بعد دقائق من الإنتظار، ثم غادرتُ تاركا قلبي هناك فوق الطاولة بعدما إستأْصَلَتْه أسئلتكِ المتكررة و حضوركِ المفاجيء .

تجاوزت العتبة مغادرا المكان، أحسستُ أني تركتكِ بتلك العيادة، فلم يعد بمقدوري حملكِ أكثر.

أتعبني كل شيء هنا، كل شيء يا غابرييل.

آرثر


  • 2

  • Abdelghani moussaoui
    أنا الذي لم يتعلم بعد الوقوف مجددا، واقع في خيبتي
   نشر في 19 يونيو 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا