إفريقيا هي المستقبل. من يسيطر عليها سيقود العالم. وهذه الحقيقة لم تعد خافية على أحد. فكل ما يحتاجه بناء المستقبل من عناصر الأرض النادرة والمعادن النفيسة والمصادر الجديدة للطاقة موجود في باطنها وفوق ظرها. فقط لهذا السبب دون غيره تتنافس الدول الكبيرة على إفريقيا. لا أحد يهمه تطور دولها ولا أن يسود الأمن أرجائها ولا أن تعم الرفاهية شعوبها، فهذه مجرد ذرائع لا تختلف عن ذريعة نشر الحضارة التي جاء بها الغرب في القرن التاسع عشر وبعده.
إن سألت أي واحد ممن تركوا ديارهم في دول جنوب الصحراء وجعلوا من طريق أولاد زيان في الدار البيضاء مأواً لهم، عن الدافع إلى هجرة وطنهم، سيحدثك عن الفقر والتخلف والبطالة والجفاف وغياب الأمن وغير ذلك من المشاكل المزمنة في القارة السمراء، قبل أن يوضح أن هذه المعضلات ما هي إلا نتيجة لما تعرضت له ومازالت الثروات الإفريقية من نهب وسطو من طرف الأوروبيين.
هذا الشعور الذي يكبر مع كبر مشاكل القارة، جعل مهمة دخول قوى جديدة إلى إفريقيا أكثر سهولة، خاصة وأنها اعتمدت سياسة مغايرة، في مظهرها واعدة؛ فجمهورية الصين الشعبية مثلاً، التي أصبح تأثيرها الاقتصادي يتعاظم بنحو تصاعدي في إفريقيا، لم تدخل بالقوة، بل من باب مبادرات اقتصادية بحتة، تبدو جذابة ومثمرة للجانبين، تساير التطور التقني وتلبي الحاجيات الآنية والمستقبلية، ودون شروط سياسية قد تٌعتبر تدخلاً في سياستها الداخلية.
والملاحظ أن حدود مناطق النفوذ الذي أقامته القوى الغربية تتلاشى أمام رغبة بيكين في العثور على موطئ قدم لها في القارة الإفريقية. فلم تعد منطقة المغرب العربي مثلاً، كما كان من قبل منطقة خالصة لنفوذ غربي بقيادة أمريكية - فرنسية – إسبانية - إيطالية، بل باتت الصين المنافس على الريادة في أفق السيطرة المطلقة. وأصبحت الشركات الصينية تزاحم نظيرتها الأوروبية، وخاصة الفرنسية، التي لم تعد مرحب بها، وذلك بسبب ارتفاع تكلفة خدماتها وسلعها، مما يؤثر سلباً على جيوب المواطنين. وفي المقابل تعرض الشركات الصينية، المسنودة مادياً ومعنوياً من بكين، خدمات وسلع بتكلفة أقل بكثير وبجودة إن لم تتفوق على نظيرتها الأوروبية لا تقل عنها. فدخول شركة هواوي مثلا، السوق المغربية جعلت ثمن صفقات إقامة منشآت الاتصالات الحديثة وصيانتها تنخفض بنسبة كبيرة لدرجة لم تعد تغري الشركات الأوروبية. ونفس الشيء ينطبق على المجالات الأخرى المدنية منها والحربية، ليس فقط في المغرب العربي ولكن في كل إفريقيا. وهذا بطبيعة الحال، لا يتماشى ورغبة الغرب في الحفاظ على مصالحه في مستعمراته السابقة، مما جعل أحد ساستها يحذر من التوسع الصيني في إفريقيا.
يعتبر نائب رئيسة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا باسكال أليزارد، أن مشروع الصين الجديد "مبادرة الحزام والطريق" ما هو إلا شكل جديد من التوسع الصيني في إفريقيا، والذي سيؤدي في النهاية إلى السيطرة التامة لبيكين على جميع المجالات، الاقتصادية والعسكرية والسياسية. فمن خلال مشاركتها في إقامة المشاريع المهيكلة والبنى التحتية، وتوفير الموارد المالية لإخراج هذه المشاريع للوجود، طبقاً لاتفاقيات ثنائية مع دول عدد من الدول الافريقية، دون إشراك أطراف أخرى، تعمل بيكين على تقويض وضعية الدول الأوروبية وعلاقتها مع الدول الإفريقية، وتمنح لنفسها وضعاً قوياً يجعلها فوق قانون المنافسة في علاقتها التجارية والاقتصادية مع الدول الإفريقية.
تعتبر إقامة البنى التحتية، وخاصة الموانئ على السواحل الإفريقية بتمويلات وشروط صينية، أحد أهم البوابات التي تساعدها على غزو الأسواق الافريقية والسيطرة عليها، سواء أسواق تصريف منتجاتها أو أسواق الحصول على المواد المحلية التي هي في حاجة إليها. بيكين، من خلال تزويد عدد من الدول الإفريقية بأسلحة، بأثمان رمزية، ومعدات وتكنولوجيا ذات الاستعمال المزدوج، ومن خلال تدريب الكوادر العسكرية، تعمل الصين على إمالة هذه الدول لجانبها، وتحصل على معاملة تفضيلية، وأحقية شركاتها بالفوز بالمناقصات الخاصة بالمشاريع الكبرى لهذه الدول. وهذه السياسة ستؤدي إلى زيادة نفوذ بيكين وتقوية حضورها في كل المجالات، وبالتالي السيطرة المطلقة الاقتصادية العسكرية، ومن يسيطر على إفريقيا بثرواتها ومؤهلاتها البشرية سيقود العالم.
-
محمد الكناويصحافي متهتم بالشأن الروسي ودول الاتحاد السوفييتي سابقا.