كنت أحب قراءة المنشورات التي يتحدث فيها الأصدقاء عن تجاربهم ودروسهم الحياتية وإنجازاتهم، ومشاعرهم أيضاً بعد اتمامهم عام جديد.
وفي ذات الوقت كنت أعجب لجرأتهم وحيويتهم في وصف المواقف بانسيابية سواء كانت سلبية أم إيجابية. أتذكر أيضاً رغبتي الدائمة آنذاك في فعل ذلك، لكن لم يكن لدي الجرأة الكافية كنت كمن يحتاج لدفعة أو توصية من أحد، وفعلا هذا ما حدث بعد سنوات طويلة، إذ طُلب مني المشاركة في إحدى المدونات التي أكتب فيها، بتدوين الدروس المستفادة في نهاية العام الماضي.
ترددت أول الأمر وقلت لنفسي: ماذا لدي لأقوله؟ وأسئلة كثيرة روادتني، لكنني إتخذت قرارا بالكتابة، فهذه فرصة أن تبوح بشكل شرعي لما مررت به، لكنني في ذات الوقت لا أميل إلى البوح بشكل مباشر عن أحداث حياتي، لهذا كرهت نفسي قليلاً بعد هذه التجربة، وشعرت إيذاءها بالندم.
حقيقة أنا أحسد كل من يستطيع تحرير أفكاره وتجاربه، فمثلا منذ أيام مضت أكملت عامي الواحد والثلاثين. فكرت... هل علي كتابة شيء ما بمناسبة وصولي العقد الرابع؟! ثم تذكرت صديق منذ عامين ربما، كتب شيئاً ما لنفس المناسبة، لكن أنا تجاوزتها ولم أكتب حرفاً واحداً. حسنا، سواء كنت في التاسعة والعشرين من العمر أو الواحد والثلاثين فما زلت لا أرى أي فرق أو اختلاف. إنه مجرد عام زاد عليّ، مجرد رقم. فما الفرق بين أمس واليوم مثلاً؟ ستقولون: لا شيء. هكذا هو الحال مع العمر، لكنه ليس ذات الحال مع التجارب والمواقف، سوى إنهما يتكدسان بداخلنا حد الاختناق.
أكبر لعنة أراها تخرب حياة المرء وتدمره ببطء هي الكتمان، حتى بعد أن تحرر إحدى مصابك وتتنفس بعدها بعمق، ستكتشف لاحقاً إنك خدعت نفسك، وإنك لم تكتب سوى جزءًا صغيراً بالكاد سيلمحه القارئ الناقد، فكل حروفك تلك التي قضيت الليل كله تكتب فيها بألم وحسرة ما هي إلا قشور، بضعة شظايا منشطرة في زوايا الغرفة، ليس لذكرها أي قيمة لأنها بعيدة أصلا كل البعد عن خطاك المعرضة للجرح.
ثم تأتي اللعنة القاضية وهي الحذف، فحتى عندما تترك العنان لروحك المتشققة لتكتب، ستفيق على لطمة ستشطر نفسك لنصفين. نصف يؤيد ذلك الهراء والرثاء اللذان اتخذت منهما مخرجا - فأنت بحاجة لنشر هذا النحيب لترتاح نفسك بعدها - ونصف سيعارض بشدة حيث سيفضح عن ثمالة رثة؛ وبكل ما أؤتيت من حزم وقسوة ستجد يديك تحذف كل ما كتبته بدموعك وحزنك وكتمانك، كأن كل هؤلاء لا قيمة لهم؛ فما يهم حقا - كما رسخها المجتمع في أذهاننا - هو نظرة الآخرين لنا. ونحن نريدها نظرة عادية بل ومملة ليتركونا وشأننا، ليتركونا لوحدتنا ولكآبتنا، ليتركونا للسكون الذي قارب على الإنجاب منا، ثم يتركونا للنسيان كما نفعل مع كتاباتنا السيئة.
حقا لو نسونا لنشرنا كل الهذيان وكل الصراخ الذي يجثم علينا بعد منتصف الليل. لكن أظنكم لا توافقونني الرأي بشكل كلي، أنا أيضاً لا أوافق لكنني أتمنى مجيء هذه اللحظة التي أعرف جيداً إنها لن تأتي أبداً.
-
Walaa Atallahكاتبة ومدونة مصرية.
التعليقات
فقط حال الإنسان
لا يمكن أن يمر به غير ذاته التي تألمت. توجعت وتلهبت ومرت بأنفاس انينه
اختلف كل الرأي مع من يقول انني أحس المك ومشاعرك لا اتفق معه ابدا
ولكن هنا انتي حقا ربما تشرحين حال الكثير من بني عقدك
تحياتي ولملم الله شتاتنا جمعيا وهون علينا مصاعبا هو وحده أعلم بها
تحياتي لكلماتك
وصدقا اضفت فتحا لجرح لم يندمل
تحياتي لكِ، وهنيئًا بتجاربكِ، حلوها ومُرها...