أحلام فتى ثورى على المعاش - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أحلام فتى ثورى على المعاش

  نشر في 18 أبريل 2016 .

    عشقت الأحلام منذ صغري خصوصا الأحلام المبهجة السعيدة، مرت سنوات الطفولة سريعة ، وأقبلت أيام الشباب.زادت رغبتى فى الحلم ، حلمت بأشياء أكثر من رائعة لا أعرف سببا واضحا لشغفى بتلك الأحلام ؛ ربما لأنى أحب الأمل وأعشق التفاؤل ،أو قد تكون محاولة منى للهروب من واقع بائس يعيشه أبناء جيل كامل.لا أخفيكم سرا أن اليأس كان ينتابنى أحيانا لكنى لم أستسلم يوما ، وظللت أحلم. لم تكن أحلامى كلها أنانية ، فكما حلمت لنفسي حلمت لوطني ، حلمت بشوارع نظيفة ، ووظائف مرموقة ومجتمع متقدم وراق، ودولة قوية وأبية ،ترفض الظلم،وتقيم العدل . حلمت بصوت يسمعنى ، ويد تشجعنى ، حلمت ألا أعيش كالملايين التى عاشت وماتت تحت ظلم محتل أو استبداد حاكم أو تسلط مملوك عشقت الحرية عشقى للحياة. ذهبت فى زيارة لأحد الأصدقاء طرقت الباب فتح لي صديقي بترحاب شديد ، ثم فأجانى بقوله : زين العابدين هرب. لم أشعر بنفسي إلا وأنا أحتضنه ، شعرت بسعادة غامرة ، فالمدعو بـ "زين العابدين" كان القرين والمماثل لمبارك ، وكان أحدهما يتلمس خطى الآخر فى القهر والتسلط والتوريث تمنيت أن يلقى القرين مصير قرينه؛ لعل الحلم يعبر الخيال إلى الواقع. اشتدت وتيرة الأحداث فى مصر،وبدأ البعض يشعل النيران فى نفسه معبرا عن يأس واحتقان أصابا أبناء المحروسة ، لم يكن هذه المرة بسبب المحتل الغاصب، بل بسسب بعض بنى جلدتنا ممن تسموا بأسمائنا وانتسبوا إلى ديننا وزعموا أنهم من وطننا . اشتعلت نيران الثورة فى مصر نيران أشعلتها سنوات الفقر والجهل والمرض الذى أنهك جسد المحروسة. بدأت أسال نفسي هل يمكن لأحلامك أيها الفتى أن تتحقق ؟! . لحظات الاعتصام فى الميدان لحظات لن تنسى ، ولن يعرفها إلا من عايشها وتذوقها ، شعور غريب ينتاب كل من فى الميدان فالمشاعرمختلطة بين الأمل والخوف والسعادة والتحدى والإصرار والترقب الجميع يتكاتف ، الكل متعاون ، الكل يأمل أن يتحقق الحلم، لقد زالت الفوارق الإجتماعية وغابت التعصبات الفكرية وحضرت روح الصفاء والمحبة إنها روح كانت كفيلة بأن تصنع المعجزات وأن تبنى وطنا من العدم عمل دؤوب فى الميدان مجموعة للحراسة وأخرى للنظافة وهذا يجلس يقرأ ورده القرآنى ، وآخر يرسم لوحة فنية ، وثالث ينشد الشعر ، ورابع يردد أغانى الشيخ إمام ،وما زلت أذكر تلك السيدة المسنة وهى توزع " السندوتشات " على المعتصمين وكأنها مصر تحن على أبنائها فرحة بعودتهم إليها بعد غياب طويل .

مرت ثماثية عشر يوما كأنها حلم بالفعل تعالت فيها صرخاتنا فى الميادين معبرة عن جيل ظمآن يريد أن يرتوى بتحقيق أحلامه ورغباته.اكتشفت أن ملايين الشباب كان لديهم الحلم نفسه

تنحى الفرعون.تنفسنا الصعداء ، تراقص النخيل فرحا على ضفاف النيل ، تبسمت مصر التى عاشت عقودا حزينة كانت تضحك الجميع لكنها لم تسعد يوما ، كانت فرحة طاغية كفرحة الأم الرؤوم بنجاة ابنها الوحيد من الموت فى تلك اللحظة شعرت بأن حلمى دبت فيه الحياة وأنه أصبح أقرب ما يكون إلى الواقع. بدأنا نلمس أحلامنا ، شعرنا بدفئها وحرارتها كتبناها فى الشوارع،ورسمناها على الحوائط . آن لنا أن ننتشى ، وآن لنا أن نفرح فما هى إلا سنوات وستصبح أحلامنا حقيقة . لم تكتمل سنوات ثلاث إلا وأفقنا على... كابوس لقد تحول الحلم إلى كابوس مرعب ومخيف بل لم يعد حلما مرعبا وإنما أصبح واقعا ملونا بالدماء. فارقتنى أحلامى فمجرد تذكرها يؤلمنى ، قررت التقاعد والتوقف عن الأحلام والتعايش مع الواقع البائس . جلست أتناول الشاي على قهوة تطل على ميدان فسيح . نظرت حولي وجدت كثيرين ممن كسا الشيب رؤوسهم تتعالى ضحكاتهم وكأن شيئا لم يكن ! بدأت أرتشف الشاى وقعت عيناي على حائط فى الميدان مكتوب عليه باللون الأحمر"يا من قتلتم فينا كل شئ حتى أحلامنا فلم نعد نراها شكرا لكم".وبينما أنا أتأمل العبارة المكتوبة على الحائط إذ بيد تربط على كتفى ، إنه أحد أصدقاء الميدان يحمل مجموعة من الأوراق ، تعانقنا وبكينا ، فقد تذكرنا أيام الميدان أيام الألم والأمل ، سألته عن تلك الأوراق التى يحملها فأجابني بصوت هذيل: أوراق السفر فقد وجدت فرصة عمل فى دولة خليجية ، قاطعته: أنت دائما كنت ضد فكرة السفر أو أن نترك الوطن فقال: يا صاحبي لم أترك الوطن ، لكن الوطن تركنا . تركته يمضى.جالت فى نفسي أسئلة كثيرة ، لم أعرف لها جوابا ... هل أخطأنا عندما أردنا للشجرة أن تثمر وللنبتة أن تخرج وللزهرة أن تتفتح ،هل أخطأنا عندما أردنا لليل أن ينجلي وللفجر أن يطلع وللشمس أن تشرق أم أننا زرعنا أحلامنا فى أرض جرداء لا تنبت إلا الأشواك . أخيرا.. قررت السفر ، وغادرت أبحث عن وطن.



   نشر في 18 أبريل 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا