الأطفال المضطربين والعنف الإجرامي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الأطفال المضطربين والعنف الإجرامي

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 17 يناير 2019 .

الأطفال المضطربين والعنف الاجرامي..

هيام فؤاد ضمرة..

كنت أطالع صورة شاب صغير بعمر الرابعة عشرة في خبر منشور كان فقد اتزانه في لحظة تفلت جنوني وارتكب جريمة بشعة بحق زملائه بالمدرسة، وتبدو ملامحه المستكينة الجميلة كأنما هو الشاب الملاك لا تشي ملامحه بمثل هذه النتيجة الرهيبة، وأتساءل.. كيف لهذا الطفل الجميل المبتسم أن تحول إلى هذا الكم الهائل من العنف الاجرامي؟

هل ملامح الوجوه تشي بما يمكن أن يُصبحَ عليه الطفل العنيف؟

وهل هناك مؤشرات سلوكية مسبقة يمكن البناء عليها في عملية التنبؤ بإجرام المجرمين؟

والسؤال المهم أمام الرقم المهول ل21 حادثة عنف ارتكبها أطفال في عام واحد.. لماذا أمريكا بصفة خاصة يتحول أطفالها للإجرام؟.. هل للبيئة العامة دخل في تسهيل ارتكاب الأطفال للجرائم القاتلة؟ هل هؤلاء الأطفال يولدون بأمراض نفسية قهرية تودي بهم للعنف؟ أم أن هؤلاء الأطفال يعانون صراعا مع أزمات عقلية غير اعتيادية تولد معهم؟ وبأي الوسائل يتوجب على الأهل أن يتعاملوا مع إبن تظهر عليه بوادر السلوك العنيف؟

غالبا الأم لا تتقبل فكرة التنبوء بأن ولدها ممكن أن يتحول في لحظة قهرية متفلتة إلى الإجرام رغم استخدامها عبارات الخوف منه ومن ثورته، وتفضل أن تستخدم طرقها الرحيمة في استيعابه والتعامل معه، وترفض أخذه إلى الطبيب النفسي وإعطاؤه الأدوية النفسية، وتتنكر لنصائح من حولها حول ما يجب عمله مع حالة ابنها، وتبتعد عن مراقبة ما يقوم به سراً مع نفسه خوفاً من انفجاره عليها وعلى أفراد أسرتها الآخرين.

ويؤكد الأطباء النفسيين أنّ المرض العقلي وحده لا يؤد إلى أعمال القتل والاجرام العنيف، وإن كنت لست مع هذا الرأي حيث مرتكب الجرائم العنيفة يتعرض لعمليات فيُحلل المشاهد بعكس حقيقتها، ويَسمع داخل رأسه أصوات تُناديه وتلّح عليه ارتكاب ما ارتكب، وبالتالي فهو مُساق بلا تحكم لمشكلة عقلية داخلية عميقة ومتداعية، مما يجعله يمر بأوقات ليست بالقصيرة والفكرة تسيطر على دماغه بقوة، تدفعه لأن يخطط لها كما وأن عقله واعي للخطة بحذافيرها، ففي حادثة قتل بها طالب عشرة من زملاء صفه إضافة لمدرسين قادهما سوء حظهما إلى براثن المواجهة، عثر رجال التحقيق الجنائي بعد الجريمة في سرداب منزلة الذي كان يقضي به الساعات الطوال على جدول بيانات ضخم يحوي حوالي 500 جريمة قتل جماعي بالسلاح، مما يدل على أن لولا توفر السلاح وسهولة الحصول عليه، وسهولة استخدامه واخفائه لحين الاستخدام، وانشغاله التام بالتحضير والتخطيط بأريحية خارجة عن الرقابة، وسيطرة المرض على عقله وتداعيات حالته النفسية الداخلية أمام العمليات الكيماوية غير السوية داخل دماغه، وافتقاده للعلاج الذهاني المضاد.. جميع هذه الأمور كانت بمثابة المحفز لإعداد مقادير وصفة العملية الاجرامية في مطبخ تخطيطاته.

بكل صراحة مسكينة الأسرة التي لديها طفل مصاب بالثنائية القطبية أو أي مرض عقلي يجعله عنيفاً ومؤذياً، لأنها ستجد نفسها على شفا الإنهيار حين تفشل كل وسائلها في تهدئته في تلك اللحظة التي تتملكه فيها الثورة، فقد قابلت مواقف لأهالي كانوا في تلك اللحظة يتمنون الموت لهم أو لإبنهم تخلصاً من هكذا مواقف، وأصعب الحالات أنهم يلجأوون بكل خجل وكثير تحسس إلى المداراة والطبطبة منعا للفضيحة كما يصورونها لأنفسهم، ولأن الطفل العنيف غير بعيد عن الذكاء فإنه سرعان ما يُدرك أن في شعور ذويه هذا فرصته للتمادي للضغط أكثر عليهم وإرهابهم للتلذذ بحالة نجاحه بهكذا فعل.

والغريب أنّ هؤلاء المرضى يرتكبون جرائمهم بأعصاب باردة وكأنهم يمارسون لعبة على الأجهزة الالكترونية ويقتلون صورا وهمية، والدارسون لم يمنحونا نتائج دراساتهم عليهم فيما بعد ارتكاب جرائهم، حتى نتعرف إن كان يواتيهم شعور الندم بعد ذلك أم لا.

فالأطفال الذين يعانون حالات مرضية تأخذهم نحو ميول سيكوباتية معرضون للتأزم في مرحلة المراهقة، المرحلة التي تشتد بها مؤثرات النمو الجسدي والنضوج الفكري، وبسبب عدم وجود التناسب بين شقي الحالتين يصابون بحالة متأزمة من الاضطراب، خاصة إذا ما طالعوا أفلاما للعنف وطالعوا قصصاً في الأنماط العنيفة من الناس، فهم شديدي التأثر ولديهم القدرة على التقليد، لتشكل حالتهم مُعضلة حقيقية تواجه الدارسين وأولياء الأمور على حد سواء.

المشكلة الحقيقية تكمن حين لا تبدو على الشخص أي ملامح تدل على ما سوف يُقدم على ارتكابه، فالبعض منهم هادئين كتومين غير متجاوبي التواصل بعلاقات اجتماعية أو أسرية، أو لا يملكون الصداقات الخاصة، ويعيشون بتوحد مع الذات يبنون آمالهم على الأحلام والأوهام لتعويض هذه العلاقات، والمعروف أنّ الأسرة هي خط الدفاع الأول، فإذا تغيب دورها وتغيبت ملاحظاتها على الأبناء، بات الطفل كالمعلق بخيط في مهب الريح يتأرجح في الهواء إلى أن يسقط بلا حصانة سقطته المريعة.

صديقة لابنتي تعيش في كندا وتعمل شرطية في سلك الأمن والتحقيق، أوقفها ذووها عن العمل بعد أن تعرضت مرتين للاصابة بالرصاص رغم ارتدائها الدائم لواقي الرصاص ولهذا اصاباتها كانت خارج حدود الخطر والحمدالله.

حدثتني عن حادثة دهشت لفظاعتها، حين بلَّغت أم عن اختفاء طفلها ابن العام وثماني أشهر، حين كان يلعب مع أشقائه في حديقة المنزل، فانطلق الأمن يبحث في الجوار والمستشفيات ومكاتب الدفن، وأطلقت الكلاب في غابات الجوار، وبالطبع تم البحث في أنحاء البيت، والبيوت المجاورة، ورصدت حركة أصحب السوابق، وتم تعميم صور الطفل، ولم يعثر له على أثر.

بعد مرور ثلاثة أشهر؛ وصدف أنّ شرطيا مرَّ مصادفة على منزل الأم وبرفقته كلب أثر مُدرب ليأخذ من الأم بعض البيانات، فتفلت الكلب من الشرطي بصورة غير طبيعية وجرى باتجاه منطقة في الحديقة معتنى بها وبنباتاتها بشكل جيد، وراح الكلب ينبش بأظفاره بشكل مثير، مما جعل الشرطي يستنجد بقوة أمنية على الفور، فحضرت القوة ونبشوا تلك المنطقة ليستخرجوا جثة الطفل المُبَلّغ عن اختفائه ورأسه مهشم، وقد دفن بعناية فائقة ورحيمة يؤكد أنّ الأم فعلاً من دفنته، فانهارت الأم واشترطت لتقديم اعترافها أنها القاتلة أنْ يُمنح أبناءها البقية إلى شقيقتها لتشرف هي على تربيتهم ويسمح لهم بزيارتها بين الفينة والأخرى، لكن ظلت مسألة الدفن المعتنى به، والقبر المعتنى أيضاً به تجعل في الأمر سراً لم ينكشف بعد.

كان الأطفال في رعاية شرطية في أحد المكاتب حتى انتهاء الاجراءات المتبعة في مثل هذه الحالات، فأحضرت لهم بعض الشيبس والعصائر، إلا أنّ الطفل الأكبر وعمره ست سنوات راح يضرب هذه الأشياء بالقلم الذي تناوله عن المكتب بعصبية مثيرة للانتباه وهو يشد على أسنانه ويخرج صوتاً عصبياً، مما جعل الشرطية تطلب مساعدة أحد زملائها الذي سارع إلى فصل الطفل عن إخوته، واستدرجه بهدوء حتى اعترف الطفل بأنه كان مضطراً لضرب أخيه الصغير بحديدة على رأسه ليسكته عن الصراخ، والأم أمام مصابها الفظيع اختارت التستر عليه لتقيه تدمير مستقبله ولألا يؤخذ أطفالها الباقين منها ويعرضوا للتبني.

هناك أسباب كثيرة ومتعددة بل ومتداخلة بشكل معقد، تؤدي بالطفل لأن يتصرف بعنف، يعاني الطفل من ضغوط يسببها الكبار في كثير من الأحيان، ويكون عنفه ردود أفعال لهذه الضغوط، والتدليل الزائد واحاطته بالحماية والرعاية الزائدة، وتحقيق رغباته أمام اصراره وهياجه، تأثر الطفل من البيئة التي يعيش بها، وأحيانا يمارس العنف من باب الغيرة، والإحباط من كثرة التأنيب والتعزير والتوبيخ والعقاب الجسدي أشد أسباب العنف لدى الأطفال

على الوالدين استيعاب حاجة أبنائهم للحوار والمفاوضات محل العقاب والصراخ والتأنيب، وعدم تعريضهم للمواقف المحبطة وانعكاس ضغوط الآباء وعصبيات الأمهات وعدم تعريض الأبناء لجو البيت المشحون بالتوتر فهذه الأمور تشكل خطراً على الأطفال وتنحو بهم نحو العنف

فالأطفال العصبيين غالباً ما يعتدل سلوكهم في مرحلة النضوج، وإن رافقتهم في بعض الأحيان جزء من عصبيتهم، إنما هناك من الأطفال القساة غير العاطفيين أصحاب ميول واضح للعنف في أغلب الأوقات، ينمو عنفهم معهم وتتملكهم الكراهية لشخص ما بعينه أو لبني البشر بالعموم، هذا إذا لم يجدوا علاجاً نفسيا ناجحاً تخفف من حدة تفكيره السالب.


  • 1

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 17 يناير 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا