يوميات قط... "قصة قصيرة" - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

يوميات قط... "قصة قصيرة"

نحن تماماً مثل البشر، لدينا من الأحاسيس والاحتياجات الكثير.. لكننا فقط لا نستطيع النطق بها، ولا نجيد إستخدام وسائل التواصل الغريبة التي أحسبها حولت مسار مشاعركم وعواطفكم إلى هذا الأفق الضبابي الغامض..!

  نشر في 19 شتنبر 2023  وآخر تعديل بتاريخ 19 شتنبر 2023 .


يوميات قط... 


بقلم/ محمد أحمد فؤاد


إسمي "فركوش".. أنا مثلكم، لم أختر إسمي، ولا أعرف إن كنت أحب هذا الإسم أم لا..؟ ولكن لسبب أو لآخر، تم منحي إياه بواسطة أسرة لم أخترها أيضاً، لكنها أبدت من الإهتمام والترفق بحالي ما يستحق القبول والإمتنان.. على ما يبدو أن رفاهية الإختيار ليست من مفردات حياتي، تماماً كما هو الحال لدي الكثيرين ممن يتواجدون على هذا الكوكب بشكل إضطراري أو عن غير رغبة.. ساقتني الأقدار إلى عتبات بيت تلك الأسرة، وكنت منهك من فرط المشاحنات والأزمات والمكائد التي تحيط بي وتطاردني، كوني كائن شائت الأقدار أن يكون مشرداً بلا مأوى، مثلي كمثل الملايين ممن يعيشون في تلك البلاد خارج هامش الإنسانية الذي أحسبه يكتنف فقط فئة محدودة جداً تسمونها " النخبة".. عند تلك العتبات أنزلت بعض الأحمال عن كاهلي، ووجدت من أهل البيت الجود، ببعض الطعام والشراب والرعاية التي لم تتوافر لي بهذا القدر منذ بداياتي، التي بالطبع لم تكن اختيارية..!

أود أن أنبهكم أن يومياتي تلك، لم تُكتب بيدي، أو حتى بموافقة كتابية أو شفهية مني، فأنا أنتمي للطائفة العجماء من المخلوقات كما ترون. لكن ربما رأى صاحبي من توجهاتي وإهتماماتي وإنفعالاتي وحماقاتي وفضولي، ما يكفي لإحداث معجزة قد تنتهي بي ككائن ناطق.. ولأن ليس كل النطق كلام، ربما جاء قلمه هنا ليسرد مشاعر واحاسيس أبلغ بمراحل مما عرفتموه من فنون الكلام... لا أعرف بالتحديد كم عمري، وربما لدهشتكم، إحتار البيطري المتخصص في تحديد هويتي بين ذكر أو أنثى.. الحقيقة أنني نفسي لا أعرف..! فأنا لا أميل لأي كائن من بني جنسي، بالرغم من أن علاقات الفصيل الذي أنتمي له تأتي في نطاق العلاقات الطبيعية والحقيقية، ومثلكم تحكمنا بعض الإنفعالات والغرائز والأهواء، لكن ليس لنا عالم إفتراضي نستطيع أن نلجأ إليه كما تفعلون.. والواقع أن كلما اقترب أي من بني جنسي إلى دائرة نفوذي، أضطر لإفتعال معركة شرسة دامية، تنتهي دائماً بهزيمته وانسحابه مدحوراً، ذكراً كان أم أنثى.. ففي عالمنا، لا مكان للمستغلين والمحتالين والنصابين، وأنا لا أطيق هؤلاء، ولا أخشى مواجهة أي كائن منهم متطفل أو إنتهازي يريد تهديد ما جادت لي به الأقدار من عيش وملاذ وأشخاص يبدو من سلوكهم أنهم يهتمون بشأني ويرقون لحالي..!

يثير بني البشر فضولي دائماً.. فبعضهم مرح ومضياف وودود، لكن في المقابل، هناك من الفوضويين الكثير، ممن يحاولون التخلص من همومهم العضوية على حسابي وحساب أقراني من المخلوقات العجماء، يتطاهرون باللطف، ويظنون أن كل ما يتركون من مخلفات يصلح لنا كطعام أو قوت ويطالبوننا في المقابل بالحمد والشكر.. وكوني كائن ضعفت لديه حواس القنص والصيد بفعل حياة المدينة المزعجة والمرعبة معاً، ربما اضطررت كثيراً للقبول بالنبش في فضلات هؤلاء الفوضويون المنثورة على الطرقات بشكل همجي لا يتناسب مع ما تبوح به غرائزي الحيوانية من فضائل، تلك التي ربما ورثتها بالفطرة عن أجدادي، لكنها أخذت في التلاشي شيئاً فشيئاً، وحلت محلها روح الإستسهال والمكر أحياناً. بعض أو كل الفضلات العضوية يضر بصحتي، بالرغم من إن فضولي، وربما رمقي وجوعي يجعلوا منها طعاماً مستساغاً اضطرارياً، إلى أن يكتشف صاحبي حماقتي ويهرع بي إلى البيطري كي يصف لي دواء وراء دواء، ومقويات وعقاقير أتجرعها بكثير من الملل والتململ وعدم الرغبة، بالرغم من كونها السبيل الوحيد لإستمراري حياً في تلك الغابات الوحشية التي تسمى مدناً متحضرة..

أسكن في بناية متعددة الطوابق، بها تقطن أنماط متعددة من البشر ذوي طبائع متباينة، ربما لا أطرب لهم كثيراً، ولكني اعتدت على عدم الإكتراث طالما لا تجمعني بهم أي مصالح.. قام أصحابي بتجهيز كل سبل الراحة لي على عتباتهم، بشرط ألا أعيش معهم داخل منزلهم، ربما لديهم من الأسباب ما يبرر عدم قدرتهم على استضافتي، وهي أسباب أجهلها.. لكنهم بلا شك يحاولون توفير كل احتياجاتي بشكل مريح، وربما أتاح لي هذا الأمر شئ من الحرية المفقودة في تلك المدينة المحزونة.. أقصد حرية التجول والسير في الطرقات وإنتقاء أصدقائي أو أعدائي، والتواصل مع الجميع دون قيد أو شرط، والتعبير عن ما يجول بخاطري بكل السبل الممكنة.. ربما تولدت تلك الحرية من رحم جهل الإنسان في العموم بحقيقتها.. أما أنا، فأمارسها منذ نعومة أظافري، ربما دون أن ينتبه أحد بسبب كوني مخلوق أعجم، لا توجد لديه نصوص قانونية أو دستورية أو فقهية تتحكم في قراراته أو إهتماماته...

البعض من بني البشر يتصورون أنهم أسياد هذا العالم، ولهذا يتعاملون معنا كمخلوقات عجماء بشئ من الفوقية والطبقية، ولدهشتي أجدهم يمارسونها أيضاً بين بعضهم البعض.. وتجدهم يتخيرون البعض من بني جنسي، ويشتروهم بالمال كي يحتفظوا بهم كدمي أو أدوات تسلية أو سبايا في أقفاص داخل بيوتهم، دونما اهتمام بمشاعرنا وحقوقنا وتوجهاتنا.. يرانا هؤلاء كما الجماد من التحف والمقتنيات أو التذكارات، وقليلاً ما يلتفتون إلى احتياجاتنا الأساسية من عطف وحرية في الإختيار والإنتقاء.. نحن تماماً مثل البشر، لدينا من الأحاسيس والاحتياجات الكثير.. لكننا فقط لا نستطيع النطق بها، ولا نجيد إستخدام وسائل التواصل الغريبة التي أحسبها حولت مسار مشاعركم وعواطفكم إلى هذا الأفق الضبابي الغامض، الذي لا تكادوا تفرقوا فيه بين السعادة والتعاسة، والخير والشر، والثمين والغث..!

سأترككم الأن، لكن قبل أن أغادركم، ربما وددت أن أسدي لكم نصيحة تأتي من واقع تجربتي المضنية في عالمكم الملعون.. أعلم أني سأفنى يوماً ما، ولن يعرف بفنائي أو يحزن له سوى عدد قليل من بني الإنسان أو بني جنسي، فأنا لم أسعى يوماً للإنتشار أو الشهرة ولم أحسب لهذا حساباً.. تلك الرفاهية لم تكن يوماً لي ولم أسع إليها قط.. أما أنتم، فتبقى سيرتكم لأنكم مكلفون، وأعمالكم يتم رصدها وتسجيلها في السماء بواسطة الملائكة، وعلى الأرض بواسطة الأجهزة الرقابية.. لذا أتمنى عليكم أن تتحروا الدقة والإنصاف والأمانة في كل ما تفعلون تجاهي وتجاه أنفسكم، وتجاه بني جنسي، وتجاه الطبيعة في العموم.. تلك التي أحسبها أوشكت على الفناء من فرط جرائمكم في حقها، بعد أن كانت يوماً ما جنة الله على هذا الكوكب الذي خصصه لي ولكم على السواء..!  



  • mohamed A. Fouad
    محمد أحمد فؤاد.. كاتب حر مؤمن بحرية الفكر والمعتقد والتوجه دون أدنى إنتماء حزبي أو سياسي.. مهتم بشأن الإنسان المصري أولاً..!
   نشر في 19 شتنبر 2023  وآخر تعديل بتاريخ 19 شتنبر 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا