قال تعالى : وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَ على كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ سورة الحج (27)

.

لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

.

عبادك وإماؤك في طريقهم إليك قد سمعوا أذان الحج فأقبلوا ملبين مهللين مكبرين، تطوف أجسادهم حول كعبتك، وتحلّق أرواحهم حول جنتك، في قلوبهم من الخضوع ما تلين له جبال مكة، وفي محاجرهم من الدموع ما تفيض به أبارها .

تجردوا من دنياهم فجاؤوا عراة من زينتها منصرفين عن مشاغلها يرتدون الإحرام ويخلعون الآثام، ويحملون الآمال ويصدحون بالنوايا، بأكفٍ ضارعة بالخشوع وأصواتٍ مبللة بالخشية، تنوء بهم وبحاجاتهم قلوبهم المنكسرة وأرواحهم الخاضعة، وتشرأب أعناقهم وابتهالاتهم لأن يُبرّ حجهم ويُشكر سعيهم .

.

جاءوا من مشارق الأرض ومغاربها، ومن أقصاها وأدناها، وأفقرها وأغناها، اختلفت بهم الجنسيات واللهجات، والبيئات والحَيوات، والفئات والطبقات، وجمعهم صعيدٌ واحد بمقصد وحيد؛ ألا وهو أداء ركن إسلامهم الخامس والأخير، حج بيت الله الحرام بعد أن استطاعوه وسُبُلَه، وأطاعتهم أحوالهم وظروفهم إليه، ليكتمل إسلامهم، ويبقى بعد ذلك رجاؤهم أن يمنّ عليهم ربهم بالقبول والمغفرة والرضا والجنة، وأن تُغسل قلوبهم و ذنوبهم في سيل ذلك البياض الذي تفيض به المشاعر المقدسة مما توشحوه، وما ساروا عليه وإليه، وأن تُقضى حاجاتهم وتُعطى مسائلهم ليعودوا بعد ذلك بطهر المهد الأبيض الذي لم تصبه لوثة الدنيا بعد .

.

.

إنها رحلة العودة إلى الله، والعودة من جديد، بصحيفة طفل وقلب عابدٍ تائب.

.

وعلى صُعُدٍ أخرى ترتجُّ الأرض بقلوبٍ متضرعة لمن حجوا بأرواحهم فقط بعد أن حالت الدنيا بظروفها ومشاغلها بينهم وبين تلك البقاع الطاهرة المقدسة، فطال بقاؤهم أمام شاشات التلفاز وإزاء الأجهزة المحمولة، يزاحمون الوفود بأعينهم، ويعجون ويثجون من مجالسهم، ملبين مكبرين ومهللين والمشاعر حيث المشاعر، تصل إليها أرواحهم قبل أن تطأها أفواج الحجيج، ويعلقون على جدرانها وأركانها أدعيتهم ودموعهم من بعيد، وهم يمنون أنفسهم بحجٍ قريب .

.

ما أعظم هذه الأيام وما أعظم هذه الشرائع والشعائر التي تقرب العبد من ربه وتذكره بمبدأ خلقه ومنتهاه وغايته وعاقبته،

.

نسأل الله أن يوفق حجاج بيته لأداء مناسكهم وأن يمن علينا وعليهم بالعفو والمغفرة والقبول والرضا، وكل عام وأنتم بخير وإلى الله أقرب