منذ أكثر من ثلاثة أيام والرأي العام والإعلام كثر حديثه عن عملية "إنزال" عسكرية قامت بها القوات الإميركية في قضاء الحويجة جنوب غربق كركوك في يوم الخميس الماضي, حيث قامت قوة خاصة تابعة للقوات الإميركية بالتعاون مع القوات كردية (البيشمركة), بتنفيذ العملية تم على اثرها تحرير أكثر من (60) معتقل لدى تنظيم الدولة. قبل أن نوضح حقيقة هذه العملية لابد أن نستعرض ردود الفعل وتصرحيات الجهات ذات الصلة بالعملية.
أميركياً
أعلنت أميركا عن تفاصيل العملية في بيان ألقاه المتحدث بأسم "البنتاغون "يوم الخميس الماضي حيث أكد فيه بأن قوات أمريكية خاصة شاركت في إنقاذ حوالي (70) رهينة كانوا متحجزين لدى تنظيم الدولة أدت العملية الى مقتل عسكري أميركي وأعتقال خمسة عناصر من التنظيم, كما أضاف المتحدث بأن العملية تم تنفيذها بناءاً على طلب الحكومة في إقليم كدرستان, ليختم بيانه مرجحاً تكرار مثل هكذا عمليات.
داعشياً
أما تنظيم الدولة أصدر بيان مختصر أعترف فيه بحصول العملية مع تأكيده على فشلها, لكن "الغريب" في البيان أشار بأنعدام وجود أسرى كرد في السجن المذكور, فهل ياترى محاولة أستخفاف وحرب نفسية مقصودة أم هي حقيقة وصراحة من التنظيم بأن السجن لايوجد فيه أسرى؟, كما أصدر التنظيم شريط فديو بعد نشره موقفه اليومي حول تفاصيل العملية عبر وكالة "اعماق" التابعه له يظهر فيه أثار العملية في"المنطقة" ويحتوي على مشاهد عدد من الجثث المتفحمة نتيجة القصف, وبقايا مخلفات طبية وعسكرية أميركية, من جانب أخر صرح مؤيدين للتنظيم وبعض المهتمين في شأنه بأن "العملية" كانت ذات هدف أكبر وهذا التصريحات أجدها في غاية المبالغة والسبب يتضح في نهاية المقالة.
شيعياً
في الحقيقة ردود الفعل الشيعية تعتبر الأكثر حجماً والأكثر سخرية, حيث على مستوى الحكومة صرحت "وزاة الدفاع" بعدم علمها بتفاصيل العملية, لتأتي بعدها تصرحيات السياسين مشتلعة مع النائبة "حنان الفتلاوي" التي أستنكرت صمت وتجاهل الحكومة مطالبه رئيسها "العبادي" بكشف تفاصيل العملية, وعلى صعيد نفسه أعلن "مقتدى الصدر" في بيان له أستنكر هذه "العملية" معتبرها "تعدَ" على الحكومة العراقية, داعياً الحكومة الى منع هكذا تدخلات مؤكداً أنها ممنوعة ومرفوضة. ولم تنتهي الى هنا ردود الافعال الشيعية, حيث فضلاً عن تصريح وهجوم "أبومهدي المنهدس" على ولي عرشة أميركا وسبب وجوده السعودية, جاء تصريح لـ ميليشا "حزب الله" يكاد يحقق الصدارة في عالم "النكت السياسية" حيث صرحت هذه الميليشا "بأن العملية التي قامت بها القوات الاميركي في الحويجة بأنها أستعراضية تهدف لتغطية التواطئ الأميركي مع تنظيم الدولة ولصرف الانظار عن أنتصارات الحشد الشيعي.
سنياً
أما سنياً جاءت ردود الفعل معاكسة لردود الفعل الشيعيه ومناقضة لها بشكل كبير, حيث أصدر أئتلاف "متحدون" بيان أشاد عملية الانزال معتبراً هدفها أنساني, أعرب فيه الائتلاف نصاً "عن شكره وتقديره للويالات المتحدة الاميركية على ما قدمته من تضحية من أجل إنقاذ عراقيين يواجهون الموت, كما أكد البيان على تقديره تضحية الضابط الاميركي الذي دفع حياته ثمناً؛ لأنقاذ مجموعة من البيشمركة الذين حوصروا أثناء العملية"، مبيناً-البيان- أن "القوة الأميركية لم تكن مكلفة بالتدخل المباشر، وكان تدخل الضابط مبادرة شخصية هدفها إنقاذ زملاء سلاح من البيشمركة", على الصعيد الفردي للساسة السنة في الحضيرة السياسية. أصدر "سليم الجبوري" بياناً ثمن فيه العملية عاداً العملية ضربة موجعة للأرهابين داعياً الى تكرارها.
كردياً
لايخفى حجم المبالغة الكريية حول هذه العملية كأنها أنتصار من "كاوا" على الملك الشرير "الضحاك" في أسطورة "نيروز", حيث عملت الحكومة الكردية على الإهتمام بالعملية وخاصة الإعلام الكردي لدرجة أن الإعلام الكردي أنفرد بنشر فديو مجريات العملية والاقتحام.
مع حجم المبالغة الكبير هناك تناقض أكبر تصل الى حد السخرية, حيث الحكومة الكردية بقدر ما أكدت على أشتراك ودور البيشمركة في العملية, نفت وجود أسرى من البيشمركة مع الأسرى الذين تم تحريرهم. قبل أن أنهي هذه النقطة أو تذكير "القارئ" بما صرح به "البنتاغون" أن العملية جاءت بناءاً على طلب كردي, وأضيف تصريح جاء في بداية الانباء عن العملية صرحت به مصادر كردية أبرزها "شاد كلالي" مسؤول لجنة مخمور لتنظيمات الاتحاد الوطني الكوردستاني في تصريح صحفي جاء في تقرير نشرته العربي 21 "بأن الانزال الجوي أسفر عن تحرير مجموعة كبيرة من الأسرى، وبحسب المعلومات الأولية، فإن بين الأسرى عناصر من قوات بيشمركة كوردستان"
حقيقة العملية
عندما نركز في تصرحيات وردود الفعل الثلاثية (أميركا, داعش, الكرد) يظهر لنا هدف وحقيقة هذه العملية التي أثارت الجدل, ولهذا لابد من أن تفنيد ردود الافعال لهذا الثلاثي, نبدأ بالاميركية جاءت بشكل هادئ أهم ما جاء فيها بيان "البنتاغون" بأن العملية حصلت بطلب كردي.
أما تنظيم الدولة أعترف العملية هو الأخر بشكل بارد نوعاً ما كأن العملية لم تعني له الكثير, لكن ردود فعل مؤيديه والباحثين في مجاله, جاءت تحليلاتهم وأقوالهم عن "العملية" بأنها لغرض تحرير شخصيات مهمة منهم من أوصل مستوى هذه الشخصيات الى أنهم أنهم ضباط موساد, وحتى القول الأخر بأن أحد قيادات التنظيم كان متواجد في السجن هذا القول هو مستعبد الاخر الا اللهم القيادي كان هو "البغدادي"!
في الحقيقة هذا الإدعاءات يراد به حرب نفسيه أعلامية لكن في الحقيقة هو العكس لو تعمنا فيها وخاصة الإول؛ لأن التنظيم أذكى من أن يضع سجناء بهكذا أهمية في "سجن" يقع في منطقة أعلن قبل أسبوع عن أنطلاق عمليات تحريرها من قبل الحكومة في بغداد, كما أن التنظيم ليس بذلك الغبي؛ لكي يضع هؤلاء "السجناء" المهمين مع سجناء بتهم تقليدية, لذا العملية بعيده أجدها عما يروج مناصرو التنظيم والباحثين في مجاله, كما أن محاولتهم في تبريرها بهكذا الشكل المبالغ يعكسا نتائج سلبيه عليه وليس حرب نفسية وأنتصار له.
أما كردياً هنا الربط والمربط ومفتاح تفسير القضية, في البداية الاقليم على لسان "مسؤول" في الاتحاد الوطني الكوردستاني كما وضحنا صرح, "بأن العملية أسفرت عن تحرير مجموعة كبيرة من الأسرى الكرد" ثم بعد هذا تخرج لنا أدارة الإقليم مع تأكيد من أميركي, تنفي وجود رهائن كرد مع الذين تم تحريرهم وسبب هذا النفي قد يتسائل "قارئ" الجواب هو حتى تحقق "كدرستان" نصراً مزدوجاً, الأول أن لاتظهر بأنها ضعيفة وأن هناك عدد كبير من جنودها أسرى, وبنفس الوقت تحقق نصراً داخليا الى شعبها واهتمام الاعلام الكردي يدعم هذا التفسير.
كما معلوم أن تنظيم "الدولة الاسلامية" منذ مدة وهو يركز على أقليم كدرستان, حيث أعدم العشرات من البيشمركة, فضلاً عن تعمده في أصدار أصدارت افلام دعائية باللغة الكردية تحتوي على رسائل منها تهديد ومنها مطالبات ومنها مشاهد أعدام أسرى كرد...الخ
حيث كثرة التركيز من قبل التنظيم أتجاه الاقليم والعدد الكبير الذي قتله من "البيشمركة" فضلاً عما أسر-التنظيم ويأسر من جنود البيشمركة ومن جانب أخر رسائله الدعائية, تسببت هذه العوامل بأتخفاض كبير في المعنويات داخل الاقليم سواء شعباً أو حكومة, وكما أدت الى الخلافات كذلك سواء شعباً من مطالبات ذوي الأسرى للحكومة بفك أسر أبنائهم أو حكومة من خلافات سياسية هذا ما ولد ضغط كبير على حكومة الاقليم دفعها لطلب العون من "الإدارة الاميركية" للقيام بهكذا "عملية" من شأنها تحدث فارقاً وتنهي من حدة الخلافات وترفع المعنويات, وما يؤكد قولنا الإصدار الأخير لـ "تنظيم الدولة" في مدينة "الموصل" الذي تم فيه أعدام العشرات بتهمة التواصل مع "الاسايش الكردية" ضد تنظيم الدولة, اذ هناك مساعي كردية مستمرة ضد تنظيم الدولة في عقر داره (الموصل) وهذا ما يستفز التنظيم ويكون سبب في "دموية" أصدارته مع المتعاونين مع الحكومة سواء الكردية أو العراقية في مناطق سيطرته.
خلاصة القول بأن حقيقة عملية "أنزال" الحويجة ليس بذلك الترويج على الصعيدين, هي بأختصار عملية جاءت لأنقاذ الواقع الكردي ومحاولة رفع المنعويات وفك اسر جنود من "البيشمركة" وحتى أن لم يكن هناك أسرى كرد أو لم يجد أسرى في الحويجة وهذا أمر مستبعد, فأن الاقليم "الكردي" و "الحكومة الاميركية" حققت بهذه العملية أنتصار "أعلامي" وخاصة الكرد وما أهتمام الاعلام الكردي وتروجيه الا دليل واضح.
-
العم حماديالعم حمادي كاتب ساخر ومحلل سياسي جاد, أكتب في الواقع السني العراقي وهمومه, من ليس معني بالشأن السني العراقي لايفهم ماذا أكتب, والمصاب بداء الانتماء لايسعد بما أكتب.