أما الفصل الثاني فقد خصصته الباحثة لمياء شفيق للتعريف بالكتاب و يتضمن ثمانية مباحث:

- أدرجت في المبحث الأول: تحقيق عنوان الكتاب و نسبته إلى مؤلفه، حيث قامت في هذا المبحث بتحليل العنوان من خلال لفظتي " التنقيب" و " الغريب" ، كما أشارت إلى أدلة نسبة الكتاب إلى صاحبه محمد بن عبد الله بن محمد بن ظفر الصقلي المكي.- اهتمت في المبحث الثاني بتحديد دوافع ابن ظفر التي دعته إلى تأليف مصنفه، فقد أشار في مقدمته إلى أن تشجيع الإمام أبي القاسم مخلوف بن يحيى بن عمر التميمي، كان حافزا له في الاهتمام بشرح مقامات الحريري.

-تطرقت في المبحث الثالث إلى موضوع الكتاب، حيث ركزت على حركة شروح المقامات في الشرق والغرب الإسلامي ما قبل و بعد القرن الخامس الهجري، فأدرجت الباحثة قائمة بشروح مقامات الحريري بحسب تواريخ وفاة أصحابها، و أشارت إلى المخطوط، و المطبوع والمرقون منها. فقد اهتم العلماء بالشرح الأدبي، و رأووا فيه حقلا خصبا لتطوير مهاراتهم و قدراتهم اللغوية و الأدبية و الثقافية بصفة عامة، فانصب اهتمامهم على مجموعة من المصنفات التي استأثرت باهتمام الناس؛ فكانت مقامات الحريري ضمن لائحة أهم المصنفات الأدبية المستغلة في الدرس الأدبي التي صنعها عبد الله المرابط الترغي في كتابه " فهارس علماء المغرب"، حيث تقوم معها حلقات الدرس، فيتم أخذها حفظا وبحثا وتحقيقا، و تدقيقا و إعرابا، و أكثر هذه المصنفات وَضع عليها الشيوخ شروحا و طررا و تعاليق.(فهارس علماء المغرب 473)

  أشارت في المبحث الرابــــــع إلى مادة الكتاب، حيث تناولت أهم القضايا التي تطرق لها ابن ظفر في طيات شرحه، و التي برع فيها بأسلوب متميز أبان فيه عن حنكته، و كان من ذلك: قضايا بلاغية و لغوية، و قضايا عروضية، و قضايا نحوية و صرفية، و قضايا تفسيرية، وقضايا فقهية، و قضايا كلامية و فلسفية، كما أشرت إلى أن هناك قضايا أخرى مثل القضايا الطبية، و القضايا التاريخية التي لم أتطرق إليها، أرجو أن تكون موضوع بحوث مستقبلية.

- المبحث الخامس: منهجه في التأليف، اهتم ابن ظفر بوضع مقدمة مبينا فيها منهجه الذي اتبعه في شرح مقامات الحريري، لهذا حرصت الباحثة في هذا المبحث على تتبع النقط التي سطرها لشرحه و ما مدى التزامه بها، فحصرتها في إحدى عشرة نقطة هي: 1- الغريب، 2- تمييز الأمثال، 3- تقييد التصحيف، 4- تخصيص التعيين بما يستغنى عنه بأشكاله، 5- لم يستوعب و لا قارب ما يصلح أن يكون تفسيرا لتفسير مظان الشاهد، 6- الاشتراك اللغوي، 7- لم يظهر مآخذ الاستعارة إلا لضرورة، 8- مواضع التفسير، 9- التكرار لزيادة أو تقرير، 10- المباعدة بين فصول المفسور إيثارا لحظ الدراسة، 11- شرح الشواهد، و أدرجت كيفية توظيفه للشواهد ومنهجيته في التعامل معها، فقد استعان إمامنا الجليل ابن ظفر بالقرآن الكريم و الحديث النبوي الشريف والأشعار و الأرجاز، و الأمثال، و أقوال العلماء و فصحاء العرب، التي تمثل أصولا لغوية لم تمتد إليها تأثيرات الأمم الأخرى فحافظت على نقائها .

لهذا رأيت أن أقف أمام هذه الشواهد لأتتبع أولى خطوات شرحه و منهجه في توظيف تلك العلوم. و ختمت المبحث بمنهجه في التعامل مع الموارد التي أخذ عنها، و التي بلغ بها ابن ظفر غاية جهده في نسبة الأقوال والآراء إلى أصحابها، فميزت بين نوعين من النقل: النقل عن الأعلام، و النقل عن الكتب.

- خصصت المبحث السادس للحديث عن لغة الكتاب و أسلوبه، فقد تميز ابن ظفر بقدرة فائقة على المزاوجة بين طريقتين في الكتابة، الأولى وصفية تعليمية حيث اعتمد فيها أسلوب الفلنقة، و الثانية نقدية تحليلية، وكانت لغة الشرح أنيقة، و بعيدة عن الحوشي من الألفاظ، فقد كان هدفه تقريب ألفاظ المقامات و معانيها إلى الأفهام، بشرح غريبها و توضيح المشكل من معانيها.

كما وظف أسلوب السجع في مقدمته و في آواخر شرحه للمقامات من خلال الأدعية التي كان يختم بها شرحه لكل مقامة، و استعمل التضمين في تأليفه بتوظيف الأمثال وأشعار العرب.

- المبحث السابع: أهمية الكتاب و قيمته؛ يشكل الـمُؤَّلف موضوع الدراسة صورة من صور النشاط الأدبي في الغرب الإسلامي خلال القرن السادس الهجري، فالكتاب يندرج ضمن الشروح الأدبية العامة ذات المنحى اللغوي و البلاغي و الأدبي، سعى فيه ابن ظفر إلى ما يعم نفعه. و تتجلى لنا أهمية هذا الشرح عن باقي الشروح في جملة أمور هي:

_ اختلاف الهدف الذي من أجله ألف الكتاب، فإن كانت جل الشروح تتصف بالطابع التعليمي؛ فلأن المقصد الأسمى من ذلك كان إفادة طلبة العلم، أما شرح ابن ظفر فقد جمع بين الطابع التعليمي و الطابع النقدي، ولعل السر في تميز شرح ابن ظفر هنا هو أن الكتاب ألف لشخص كان يهتم بالعلم و العلماء و هو أبو القاسم مخلوف بن يحيى التميمي.  كشف ابن ظفر عن حس منهجي عال فاق به من تقدمه، ذلك بأنه حرص على التزام خطة الشرح التي أعلن عنها في خطبة كتابه.

_ للكتاب قيمة تاريخية مهمة؛ فهو من الشروح الأولى في الغرب الإسلامي التي تعرضت بالدرس و التحليل لمقامات الحريري، فحفظ لنا جملة صالحة من الآراء التي سمعها مباشرة عن شيوخ عاصرهم أو أخذ عنهم، ثم إن ابن ظفر لم يقف عند هذا بل كثيرا ما كان يشفع ذلك بعرض رأيه في هذه الآراء و مناقشتها، و لعل في هذا ما يقفنا على درجة النشاط العلمي في القرن السادس الهجري.

_ يبرز لنا كتاب " التنقيب على ما في المقامات من الغريب" جانبا مهما من ثقافة ابن ظفر الأدبية و النقدية التي كانت متنوعة و متميزة، ذلك بأن كتاب " التنقيب" يجلي لنا مجموعة من الموارد العلمية التي لم تجر لها ذكر تلك الكتب التي ترجمت لابن ظفر، و لعل هذا مما يساعد في بناء ترجمة وافية شافية لحياة الرجل العلمية.

- قامت الباحثة في المبحث الثامن بوصف نسخ المخطوط و منهج التحقيق و الدراسة، فأدرجت نسخ المخطوط المعتمدة و غير المعتمدة، و أشارت إلى أسباب اختيار النسخ المعتمدة، فاستوى المنهج في تحقيق هذا الكتاب المخطوط على جملة من الخطوات العلمية و هي:

1- بعد جمع النسخ التي توفرت لدي من الخزانة الحسنية بالرباط و خزانة ابن يوسف بمراكش، و الزاوية الحمزية بالراشيدية، ضبطت متن النسخة الحمزية، و هي التي رمزت لها بـــ (ز)، و التزمت الباحثة بقراءة النص مرات عديدة للاقتراب منه و الاستئناس به و ذلك من أجل تقويمه و ضبطه ضبطا صحيحا على قدر المستطاع من خلال مقابلته بباقي النسخ الأخرى.

الأطروحة قيد التصحيح

نوقشت الأطروحة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب و العلوم الإنسانية ظهر المهراز -فاس

تحت إشراف الأستاذ الدكتور عبد الرحيم الرحموني من إ