دور الفن كإعلام في تحقيق الحريات - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

دور الفن كإعلام في تحقيق الحريات

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 17 فبراير 2022 .

دور الفن كإعلام في تحقيق الحريات

..هيام فؤاد ضمرة..


إنّ واقع الظروف التي فرضتها مرحلة انتشار الفيروس كورونا اقتضتني تلبية الدعوات التي أتلقاها عبر تطبيق (زووم) حتى كانت إحداها في ورشة عمل حول العنوان (دور الإعلام في تمكين المرأة) كون تمكين المرأة التنموي بات ضرورة هامة في العملية التنموية، أمام دورها الحضاري التشاركي في المجتمع، والمرأة المتعلمة التي خرجت مقتحمة مجتمع الذكورة، كان عليها أن تواجه الكثير من التحديات والعوائق في غالبية المواقع في سوق العمل، وعلى وجه الخصوص الإعلام وقد باتت مشاركتها كمرأة إعلامية من متطلبات العمل المهمة .

يلعب الإعلام دورًا محوريًا في شتى مناحي الحياة، فهو السلطة الرابعة المتصدرة على أرض الواقع، ومصدر المعلومة والخبر والثقافة والتحليل، والداعم الحقيقي للقضايا المتداولة، تدعمه جملة من التشريعات تحمي العاملين فيه، والحرية الفكرية في حدود الأمن والسلامة.

حين تبادر لذهني ما حققه المسرح الفرنسي من نجاح منقطع النظير، والمسرح بطبيعة الحال يُشكل جانبًا من الإعلام، من خلال نجاحه في إحداث حالة وعي شعبي، مما أدى بالتالي إلى انطلاق الثورة الفرنسية، والتغيير للحالة الحداثية للحكم، من خلال النظام الديموقراطي والحكم تحت مظلة مجلس يمثل صوت الشعب، وهو بذلك يكون الإعلام قد لعب دورا مهما في إحداث التغير في خطوته الأولى، وأداء الدور الايجابي في التوعية والتثقيف، والدفع نحو الانطلاق الجماهيري باتجاه الحرية وتحقيق العدالة.

وأورد هنا مثالي هذا لاثبات قوة الإعلام في تحقيق الغايات الايجابية في الحياة، وفي التأثير القوي على الأفكار ووجهات النظر وعلى القناعات، وتحقيق مستوى عيش أفضل للمواطن الفرنسي، حين تكون الأدوات الدستورية خادم جيد لتحقيق الحريات.

وما استخدم اليهود كافة مقدراتهم المالية للسيطرة على الإعلام العالمي إلا لكونها تدرك قوة الدفع الهائلة التي يمكن للإعلام تحقيقها، فهو أقوى الوسائل في التأثير على عقل المتلقين والقادر على تغيير أفكارهم وقناعاتهم، كما أنها تدعم حرية التفكير والتعبير عن الرأي، وهي القادرة على تزويد الناس بالمعلومة والخبر والتحليل، والتأثير على الرأي العام، وغسل العقول وتغيير المواقف.

فالمسرحية تشكل رسالة ناقدة للأوضاع السياسية في اسبانيا، ومعارضة لأساليب الحكم التقليدي في استفراد الحاكم الذي هو الملك في اشبيلية آنذاك بالحكم، وإدارة شؤون المملكة، فقصة المسرحية عبرت نفق الفن بأمان وفعلت فعلها بالعقول، فأحدثت الانفجار الذي أدى إلى الثورة الفرنسية آنذاك، ومن ثم تحقيق نظام سياسي جديد يرضى عنه أبناء فرنسا، لندرك ما لدور الإعلام من قوة دفع هادرة نحو التثقيف والتغيير والإصلاح السياسي، وعلى شاكلته تسير بقية الوسائل الإعلامية من سينما وتلفزيون وصحف والسوشيال ميديا في الزمن الحديث، فقد ازدادت الوسائل الإعلامية بازدياد التطور العلمي والحضاري والألكتروني.

مسرحية (زواج فيجارو).. للمؤلف الفرنسي بيير كارون دوبومارشيه (1732-1799م) عن سيرة خيالية بطلها الكونت ألمافيفا الذي تمكن من الفوز بقلب محبوبته الجميلة روزين والزواج منها بمساعدة خادمه فيغارو، الذي كان تخلى عن مهنته بالحلاقة لأجل خدمة سيده، ثم ليقع فيغارو نفسه في غرام خادمة روزين، لتجري المسرحية في قالب فكاهي من صنف كوميديا الدسائس، تعالج نظرية الثورة لمعالجة القضايا العامة، مما جعلها عامل محفز على تسريع حدوث الثورة الفرنسية، لامتلائها بالمعاني المبطنة بالأفكار المحورية في رؤيا التصحيح.

هي مسرحية كلاسيكية من الأدب الفرنسي أطبقت شهرتها الآفاق، ونالت من النجاح قدراً غير مسبوق، وأعملت معانيها في العقول بصورة غير متوقعة مستفزة إياها لمنطقية طرحها، فقد استمرت المسرحية تعرض على خشبة المسرح لمدة عام، ومقاعد المسرح تعج برواده المتلقين، بواقع تسعة وستين عرضاً متوالياً، لأنها حملت في طرحها فكرا حداثيا لامس قلوب وعقول المتلقين من الشعب الفرنسي، وعزفت على أوتار أحلامهم، وحاجتهم التواقة للحرية والمساوة والعدالة، وغذّت عقول الفرنسيين بهذه المصطلحات والمفاهيم، مما ألهب عقل الفرنسين للحصول على هذا النوع من النظام السياسي الذي أملوا فيه تحقيق الحرية والعدالة.. من هنا بدأت محركات العقل في السعي نحو الحصول على معادلات فكرها الحداثي رغم أن القصة كانت تتحدث عن وقائع ليست داخل فرنسا وإنما في إسبانيا

ألهمت موتسارت في تأليف الأوبرا الشهيرة (زواج فيغارو)عام 1786م التي استوحاها من قصة المسرحية نازعاً عنها الصفة السياسية حتى لا تجد معارضة من السياسين لمنع عرضها، وتعتبر هذه الأوبرا من أعظم أعمال موتسارت.

وكانت المسرحية منعت من العرض من الجهات الرسمية لأنها وجدت فيها تهديداً لسلامة النظام السياسي في فرنسا أنذاك، خاصة أنها اعتبرت قصة متممة للجزء الأول المشهور بعنوان (حلاق اشبيلية) لنفس المؤلف.. فأعاد المؤلف كتابتها بتكثيف أحداثها التي تعود لمجريات حصلت في إسبانيا، وفي ذات الوقت راح المؤلف في جانب آخر من نشاطه في خوض حملات إعلامية وتثقيفية، ينظم أمسيات حوارية، ومناقشات تحليلية، ومحاضرات تثقيفية في الصالونات الثقافية حول قصة المسرحية لكسب التأييد الجماهيري لعرض المسرحية، استمرت على مدى زمني طويل دون كلل أو ملل، حتى نجح في مسعاه وحقق مبتغاه بالحصول على الإذن بعرض المسرحية على مسرح مدينة استكهولم بعد سنوات من الكفاح، لكن مع ازالة بعض المشاهد السياسية.

كما نلاحظ مدى قوة الإعلام التثقيفي الموجه، ومدى ما يزرعه بالعقول الجامعة من أثر يترسب في مخزون العقل الباطن، الذي يقف على أهبة الاستعداد جاهزا عند لحظة الضغط على زر الانفعاللذات القضية العامة.

هنا تلعب قدرة المخرج والكاتب على التحكم بالنص حتى لو أزيلت المشاهد السياسية المعترض عليها من النص، لكنهما قادران على تحفيز البصيرة لتدرك المدلول في النص، وتتعاطف معه وتقتنع بالفكرة الضمنية.. فالمسرح من طبيعته أن يغيب بعض المشاهد البصرية، لكنه يستطيع تحديد العلاقة بينه وبين المتلقي من خلال الحوار وحجم التلقي.

ففي توظيف الأسماء بالعمل الفني أتى الإسم فغارو بمعنى المزاج والبهجة والكرم، وأظن أنم المؤلف منحه للبطل عن وعي متقصد، يريد أن يبين علاقة الإسم بالدور المناط وما يعكسه على العمل الفني الثقافي من الجدية والاقناع.

في حال تتبعنا أصول التيار الفكري الذي غزا المسرح الفرنسي والثقافة الفرنسية طيلة القرون التابعة لعصر الثورة، نجد أن أثر مسرحية زواج فغارو ما زال معشعشاً في ذهن الفرنسيين يتداولونه جيلا عن جيل، فالمسرحية عززت حرية التعبير في الثقافة الفرنسية، في الوقت الذي حرضت فيه على الابداع، وأطلقت العنان للفكر بالتمرد على التقليدي المتخلف، والأطر الكلاسيكية المقيدة للتطور، واللجوء إلى القوة الهادرة بالشعب لتحقيق الإصلاح، دون تحمل أساليب المراوغة التي تلجأ إليها الحكومات ومصادر حكمها لمخالفة الإصلاح.

وهي قدرات طليعية كسرت قوالب الجمود، ومَوْضَعت مكانها قوالب حديثة ذات أثر ايجابي بعود على البلد والشعب بقدر من الحريات الايجابية الخارجة عن حلقة الكبت المغلقة والخانقة، رافعة بذلك من القيمة الاقتصادية التي تحل غالبية المشاكل، من خلال ايقاف الهدر الحكومي بإطلاق أيد الفاسدين ليعيثوا بسلامة العمل ومنهج النظام..

سعى إلى ذات المنهج الفنان السوري دريد لحام خلال القرن الماضي، ممتصا بذلك أساليب غضب الشعب من الحالة المتجدة في الوضع السياسي، وترسيخ ثقافة الحرية والعدالة كمذهب يرتكز على اللا وعي الإنساني، أو على العقل الباطن، وهو ما جعل الاعلام يتخذ شبيها لهذا المفهوم للخروج من الفكر العدمي إلى السريالي إلى محاكاة العقل الواعي وفق معايير كلاسيكية لكن تحمل في مضامينها ثورة على التخلف والتقهقر، والانهيارات المتتابعة التي باتت تهاجم غالبية مجتمعات العالم الثالث المتخلف الراهنة، تحت مظلة هشة في وجود أنظمة برجوازية مهملة للمصالح العامة.

كثيرة هي التغييرات التي طالت الفكر وحرضته على العمل في ظلال الوعي حتى بات الاعلام في حاضرنا قوة هادرة تتلاعب بالعقول والأفكار بأشكل متعددة ومظاهر عديدة.


  • 3

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 17 فبراير 2022 .

التعليقات

Dallash منذ 2 سنة
تحليل رائع سلم الفكر وصاحبته
2
hiyam damra
أهلا ومرحبا بك سيدي ماهر باكير.. فلرأي أمثالك في كتاباتي قيمة تقديرية هائلة وغاية مرحب بها وأنت القامة الأدبية والفكرية والهامة العالية.. فلكم أجل التحايا
hiyam damra
أهلا ومرحبا بك سيدي ماهر باكير.. فلرأي أمثالك في كتاباتي قيمة تقديرية هائلة وغاية مرحب بها وأنت القامة الأدبية والفكرية والهامة العالية.. فلكم أجل التحايا وكل الشكر
Dallash
لك كل التحية والتقدير سيدتي رائعة كلماتك .. في كل جملة أجد معنى وأتشرب من إبداعك تشرباً .. حتى ردودك لا تقل روعة عن روعة ما يسمو به فكرك

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا