أدرك الشيطان سعادة آدم في الجنة، فوسوس له بوهم الخلود. وكلكم يعلم ما جرى بعد ذلك. نزل آدم ليطرح ذريته في الأرض، ولتبدأ مجددا رحلة البحث عن السعادة في أوهام شتى، بعضها يعرضه الشيطان، والبعض الآخر يزينه لك قريب أو صديق، وما تبقى يدلك عليه مدرب التنمية الذاتية.
يحاول الآخرون إقناعك بأن الحرية هي كل شيء. عش حرا ولا تخضع لقيم ولا لقوانين، فهي في الأصل قيود تحد من قدرتك على الانطلاق، والعيش بسعادة. وهذه في أصلها كذبة ووهم زائف، لأن الحرية تصبح عبئا عليك مادمت تفتقر للمواهب التي تمكنك من تحقيق أي شيء. لا معنى للحرية عندما يكون الشخص عديم الفاعلية، يقول إيريك هوفر في كتابه"المؤمن الصادق".
يحاول الآخرون إقناعك بأن الحياة صراع. حلبة ملاكمة لن تعيشها إلا بإسالة الدماء، وإظهار القوة، والفتك بالضعفاء الذين يضيقون عليك الطريق، ويشغلون مقاعد في الأتوبيس، ويقفون صفا طويلا أمام شباك السينما. وهذه كذبة ثانية ووهم زائف، لأن الرغبة في العيش لا تتفق مع إرادة السيطرة، ومهمة الإنسان الحقيقية هي تحسين الوجود وترقيته ما أمكن، والسعي إلى تلاقي الذوات الميالة إلى الاجتماع وتكوين الجماعة. كأن السعادة ليست أخذا بقدر ما هي عطاء متبادل، ولا يمكن أن يتحقق العطاء إن كانت نظرتك للآخر مشوبة بالتذمر، والشك، وتفضيل الحوار بالأيدي وطلقات الرصاص.
يحاول الآخرون إقناعك بضرورة أن تكون أمامك خيارات متعددة، في الدراسة، والعمل، والزواج، وشراء سيارة. وهذه في أصلها كذبة ثالثة ووهم زائف، لأن قوة الإنسان وسعادته لا تبدأ إلا حين تنعدم لديه الخيارات. تطيب له الحياة فقط حين يشعر بأن لاشيء لديه ليخسره.
إن الفرق بين الفدائي والجندي يتجسد في إيمان الأول بخيار واحد يمنحه طاقة كبيرة، في حين يشعر الثاني باضطراب سببه الحيرة بين تنفيذ الأوامر وإنقاذ نفسه، ناهيك عن شعوره المستمر بأن ما يدافع عنه غير مقنع بالشكل الكافي ليذهب ضحية حسابات الآخرين وأطماعهم.
يحاول الآخرون إقناعك بأنك خُلقت لتتمتع، وتغرف من بحر الملذات بالشكل الذي يرضيك، كأن هذه الدنيا طنجرة كل ما فيها طبيخ. وهذه في أصلها كذبة رابعة ووهم زائف، لأنك خُلقت أساسا لإجراء سلسلة اختبارات، تعيدك إلى منصبك السالف، وتعيد لك كافة ممتلكاتك التي تم تجريدك منها بمقتضى قرار إلهي، عقابا على وسوسة الآخرين.
إذن فالمفروض أنك أمام مهمة، وعليك النهوض بها لاسترجاع حقوقك. ومَن كان هذا هو إدراكه للوجود فمن الغفلة أن ينفق أيامه في طلب المتعة واللذة. صحيح أنها وقود حياته، وإحدى مُلطفات الجو التي تُشعره بالنشوة والراحة. لكنه يعلم أنها وسائل ولوازم وليست غايات أو مطلبا، يسعى خلفه أحياء ينتظرون دورهم في طابور الموتى.
سعادتك بيدك، وجنتك بيدك، أما الآخرون فهم مطبات الطريق، تخفف من سيرك، وتعرقل خطواتك، ولعل إحدى أمانيها ألا تصل !
-
حميد بن خيبشكاتب شغوف
التعليقات
الاستاذ محمد خلوقي