مقهى الدار الآخرة..!
" قصة قصيرة جداً عن أطول رحلة عرفها الإنسان " بقلم/ محمد أحمد فؤاد
نشر في 18 يناير 2019 وآخر تعديل بتاريخ 11 نونبر 2022 .
هناك وصلنا.. حيث تتراكم النهايات الصغرى والكبرى، وتتجاور الأشياء وتتلاصق وتتساوى وتذوب بشكل مذهل، لا معنى لأي شئ هناك.. ضيق المكان يبعث على دهشة مفرطة بقدر إتساعه لهذا الكم من الأوهام والأمور والأشخاص والذكريات.. وكأنه مخزن كبير تختلط فيه مخلفات الماضي ومتعلقاته، ولا يبدو له مخرج إلا مسار ضيق محسوم، لكنه بلا نهاية...
المكان مكتظ، والجميع يتزاحم كي لا ينفصل عن المسار النهائي، اللحظات معدودة، والومضات متسارعة وحائرة.. لا مجال للتفكير أو المراجعة أو المقارنة أو المقارعة، ولا مفر من مواجهة ظن بعضهم أنها لن تأتي.. الجميع عراة بلا أدنى غطاء، وكل خالي الوفاض، فقط يحمل بيده حافظة من البلاستيك الأسود الرخيص تكاد تفوح منها رائحة الرماد المحترق.. أنها التذكار الذي تحصل عليه كل منهم من تراهات الدنيا التي يبدو أنها فنت فجأة على عكس توقعات الجميع..!
حراك غريب، لكنه منتظم.. الكل يظهر ويختفي، يعلو ويهبط، يسمو وينحدر، يصيح ويهمس.. أقف إلى جانب المكان على حافة شديدة الإنحدار لا يبين أثر لنهايتها.. وصلت للتو وكأني على موعد مع الحقيقة الموعودة.. لكن لدهشتي لم أجد أي شئ مما قال به من أشبعونا صياحاً بأنهم عالمون بكل جوانبها وخباياها وأسرارها، وأن بدونهم لا نفوذ إلى الأقطاب التالية ولا إلى القمم الأسمى.. أراهم جميعاً يقفون الأن في حيرة وهم يحملون نفس تلك الحافظات السوداء الرخيصة.. ترى هل يتوقعون مصير مخالف.. أم تراهم يحلمون بالوعد..؟
تجولت ببصري في المدى، فلم أجد إلا إنتشار العدم.. ومن خلال هذا الضجيج الصامت في لحظة سكون تبينت صوت تنفسه المنتظم، حتماً لم أخطأه لما له من وقع دوي رهيب وصدى سرمدي لا يختلط بشئ أخر.. إنه إنتظام لم نعرفه نحن من سكنوا الأرض التي خربت، إنه نظام غير هذا الذي الفناه وإعتدناه..
هناك حيث النهايات الأمر مختلف.. إنك وصلت للتو تحت أعتاب صاحب الأمر ومدبر الأقدار.. فأنظر ماذا حملت معك..!
-
mohamed A. Fouadمحمد أحمد فؤاد.. كاتب حر مؤمن بحرية الفكر والمعتقد والتوجه دون أدنى إنتماء حزبي أو سياسي.. مهتم بشأن الإنسان المصري أولاً..!