في الايام الماضية حظت اقلية الأويغور التركستانية بالإهتمام في وسائل الاعلام المصرية بعد انتشار اخبار عن عزم مصر ترحيل طلاب من الأويغور الي بلادهم . لا تحظي بلدان آسيا الوسطي بأي اهتمام في الاعلام العربي لذا بدا الأمر كقصة جديدة يتعرف عليها الكثيرين للمرة الأولي من خلال الطلبة الأويغور وقد يكون هذا الجانب الايجابي الوحيد في الأمر هو اتاحة الفرصة للحديث عن بلتركستان الشرقية وشعبها .

تركستان هي منطقة شاسعة تقع في آسيا الوسطي وبفعل الحدود الطبيعية قُسمت المنطقة إلي منطقتين يفصل بينهما الجبال فهناك تركستان الشرقية وتركستان الغربية

كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجكستان، وأوزبكستان، وتركمانستان بلدان حصلت علي استقلالها في تسعينات القرن الماضي بعد ان كانت تابعة للإتحاد السوفيتي وهي البلدان المكونة لتركستان الغربية أما تركستان الشرقية فهو اقليم يتقلب بين الزمان ما بين الاستقلال تارة والحكم الذاتي تارة اخري وعاصمته التاريخية قشغر ولكنه منذ 1949 يعتبر أحد مقاطعات جمهورية الصين الشعبية .

تشكل منطقة اسيا الوسطي جزءاً من البلدان الأكثر ثراءً في العالم من حيث تنوع الأعراق والأجناس فآسيا الوسطى أرض جمعت بين الشرق والغرب، وبين مختلف الأديان والثقافات . فالشعوب تنتمي لأكثر من مائة مجموعة عرقية ولغوية ما يعني أن هذه المنطقة شديدة الثراء في الأعراق المختلفة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الكازاخ والأوزبك والتركمان والأويغور والطاجيك والقيرغيز والعرب والفرس والروس واليهود والألمان والدونغان والتتار والقاراقلباك والأفغان والمنغول والتنكت وكثيرون غيرهم.

الأويغور أحد المكونات الإجتماعية لآسيا الوسطي وسكنوا تركستان الشرقية -شينجيانغ- منذ قدم الزمان التي خضعت للحكم الصيني منذ مايقرب من 68 عاماً .

الهوية والإندماج

عادات وتقاليد , بنية معمارية , أكلات شعبية تنبع من التراث الثقافي للأويغور تحاول السلطات الصينية إخفاء تلك الهوية المميزة للسكان وإستبدالها بأبراج شاهقة وخطط توطين عرقية وتقسيمات حداثية سياسة حظر الأويغور من صيام شهر رمضان بالإضافة إلى حظر للحجاب بين النساء وإطلاق اللحى بين الرجال ، تظهر مدى حماسة الدولة في التعامل مع الإسلام كدين بين الأويغور لذلك أصبح الأويغور أكثر تحفظا دينيا مما كانوا عليه من قبل يتجهون نحو السلفية بدلا من الشكل التقليدي الصوفي واسع النفوذ علي سكان اسيا الوسطي فقبل بضعة عقود النساء الأويغور كانوا يرتدون الأزياء التقليدية الملونة وقد تم استبدال هذه على نحو متزايد بالعباءات السوداء وليس هذا مجرد تغير في سلوك ظاهري فقط بل أن هناك اتجاه نحو الدين بشكل متزايد من أجل "الخلاص" من معاناتهم في ظل الحكم الصيني - كما أن السياسات الدينية القمعية قد حققت عكس أهدافها المنشودة . وخلال الاعوام ال 60 الماضية، فر عشرات الالاف من الاويغور من القمع والعنف السياسى فى الداخل، بحثا عن ملجأ فى الغرب. وقد استرعت هذه الهجرة الجماعية انتباه المجتمع العالمي بصورة متزايدة في السنوات الأخيرة في حين أن أكبر المجتمعات الأويغورية خارج الصين تقع في دول آسيا الوسطى من كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان بينما تتوزع الهجرات مابين أفغانستان وكشمير والسعودية وتايلند وفيتنام فيما كان علي الباقون الاستفادة من سياسات التهدئة للصين باستخدام التنمية للقضاء على الفقر بين الاويغور ولكنها أيضا بذلت الكثير من اجل إثراء الطائفة الصينية هان وهى الاغلبية العرقية فى الصين. وقد شجع ذلك المزيد من الهجرة الصينية هان الى شينجيانغ، مما وسع الفجوة الاقتصادية بين المجموعتين. وهذا بدوره وضع الأويغور تحت ضغط ديموغرافي أكثر ليتحول نسبة الأويغور من 88 % إلي مايقارب 60 % لذلك كانت كل الامور مواتية لظهور المقاومة خاصة مع العسكرة المتزايدة لقوات الشرطة الصينية للتعامل مع المعارضة الأويغورية .منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، تم قمع أي أفكار للاستقلال، وخاصة في المناطق الحدودية مثل التبت ومنغوليا وتركستان الشرقية. وقد تم تشجيع الأويغور على التفكير بأنفسهم كأحد العرقيات بين الكثيرين في الصين، وجميعهم يساهمون في الأمة. ولكن إختلاف اللغة والثقافة وقصور المجال العام علي الأغلبية الصينية (هان) كان حائل علي الإندماج بل باعثا ودافعا للتفكير في الإنفصال.

أويغوري مسلم

قد يكون من السهل أن نرجع حملات القمع التي يتعرض لها الأويغور إلي كونهم مسلمين استنادا إلى سياسة الدولة الصينية الرامية إلى قمع المشاعر الدينية بشكل عام . والواقع أن هذه هي الطريقة التي يدافع بها الحزب الشيوعي عن السياسة التي يتبعها فهو يدعي أنه يسعي لأن يلتزم الأويغور ببساطة باتباع نفس القواعد التي تنطبق على الجميع لذلك يري في الممارسات الاسلامية خروجا علي النظام العام ويسعي لسحقها بمطالبة أعضاء الحزب الشيوعي من الأويغور بأن يكونوا ملحدين وأن يحرموا التعليم الديني للقاصرين. ولكن في حين أن الجماعات الدينية غالبا ما يتقلص دورها بإحكام في الصين، فإن القيود المفروضة على الأويغور هي أكثر تشددا بكثير من أي جماعة أخري. انها ليست تعليمات بمنع أعضاء الحزب من الصيام، ولكن جميع العاملين في الحكومة. انها ليس القُصر وحدهم الذين أُجبروا على تناول الطعام في نهار رمضان ولكن طلاب الجامعات أيضا. انه ليس دين في حد ذاته الذي يقلق بكين أكثر، ولكن الدين المحتمل يقدم للمقاومة وخاصة بين شعب مستقل شرس يجلس على منطقة حدودية استراتيجية حاسمة. والقيود المفروضة على الأويغور لا تطبق عموما على أعضاء الديانات الأخرى، ولا سيما تلك التي ينظر إليها على أنها صينية محلية، مثل البوذية تدير الأديرة البوذية المدارس بانتظام، والمعابد في بكين تملأ كل مكان . وربما الأبرز أنه لا تطبق القيود على معظم المسلمين الآخرين في الصين خارج تركستان ، فمثلا القيود المفروضة على الصيام في رمضان أو غيرها من الممارسات الدينية الإسلامية لا تلاقي معارضات مع الحكومة في باقي أنحاء الصين . لا شيء يشبه حملة القمع ضد الأويغور. وبالنسبة للسلطات الصينية، فإن إجبار الأيغور على إنكار تقاليدهم الخاصة يخدم أغراضا متعددة أمرا يشبه إجبار المسيحيين أن يدوسوا علي الصليب في اليابان أو إجبار إليزابيث الأولي للكاثوليك أن يصلوا في كنائس بروتستانتية هو أمر إخضاع سياسي فهو أمر يؤكد مباشرة سلطة بكين على الحياة اليومية في تركستان فهو يجعل المنشقين والمسلحين المحتملين أن يخضعوا للسلطات و الخوف من ان يتم اعتقالهم . ويزيد من سطوة السرد الرسمي على الشباب الأويغوري على وجه الخصوص للقبول بالأمر الواقع والتسليم للحكم الصيني ببسط نفوذه علي أرضهم .

قضايا العقد الفائت في زمن الإرهاب

الحزب الإسلامي التركستاني

في السنوات الماضية، نادرا ما تكون الشرطة الصينية مجهزة ببنادق. في هذه الأيام إطلاق النار على الأويغور أصبحت ممارسة شديدة الاعتيادية .يجدر الاشارة أن الاويغور هم مجموعة تركية مسلمة بالأساس ولإعتبارات قومية وعرقية يري الأويغور أنفسهم عرقا متميزا لا يقبل سيطرة الصين على وطنهم. لذلك برزت حركات مقاومة علي مدار العقود الماضية لكن سرعان ماتم تصنيفها من الحكومة الصينية بانها حركات ارهابية. إن معرفة الحقيقة بشأن مثل هذه الحوادث التي توصف بالإرهابية في هذه الحالة أمر صعب وباستثناء النسخة الحكومية من الأحداث يكون الموضوع في حدود وسائط الإعلام المحلية ولا يمكن للصحفيين الأجانب ممارسة عملهم بحرية في المنطقة لنقل صورة مغايرة عن الرواية الرسمية . علي كل حال يبرز الحزب التركستاني الإسلامي كأحد الحركات المقاومة المؤيدة للاستقلال وتدعم إنشاء ولاية اسلامية في تركستان وهو الأمر الذي سرعان ماقامت الصين بمحاصرته . سار حسن محسوم مؤسس الحزب علي خطي المجموعات الاسلامية المسلحة في المنطقة التي كانت جهودها تلقي استحسانا عالميا للحد من النفوذ الروسي في التسعينات لكن الرجل خاض المعركة متأخرا فأنضم إلي ساحة تغيرت معاييرها فأبطال الأمس الذين تلقوا دعما عالميا أصبحوا إرهابيوا اليوم , أتهمت بكين حسن محسوم أن لديه إتصال بتنظيم االقاعدة سعت الصين كثيراً لضم الحزب لقائمة الإرهاب حتى تبنت الأمم المتحدة قرارا بذلك عام 2002 . وضٌيق عليه الخناق حتي تم قتله علي يد القوات الباكستانية عام 2003 . لم تنتهي القصة بمقتل حسن محسوم فظهر الحزب التركستاني الشرقي بصورة أخري أستخدمتها بكين لتأكيد مزاعمها ظهر الحزب بشكل أكثر تطورا في سوريا ليدب الحذر في بكين .

المجلس العالمي للأويغور

برز اسم ربيعة قدير في منتصف التسعينات من القرن الماضي بعد أن أصبحت ضمن أغني عشرة أقطاب تجارية في الصين الأمر الذي جعل حكومة الصين تجعلها ضمن الوفد الصيني للمرأة في بكين 1995 لكن الحكومة تراجعت عن اختيارها في أية مهمة رسمية وضيقت على تحركاتها، ثم سحبت منها جواز السفر؛ لمنعها من التوجه لأمريكا بعد حصولها على تأشيرة للاستمرار في أعمالها هناك. بعد تأزم الموقف بين ربيعة والحكومة الصينية عرضت الحكومة على ربيعة أن تتبرأ من زوجها، وتعلن انفصالها عنه مقابل منحها مناصب في الدولة لكنها رفضت، وبدأ المؤتمر الشعبي الصيني ينتقد ربيعة بقسوة علنًا بسبب تحرك زوجها المعارض إلي أن تم إتهامها لنشاطها المعارض دوليا بتهمة تسريب أسرار الدولة لدول أجنبية كان (صديق راضي) زوج ربيعة قدير يعمل استاذا جامعيا إلى جانب تدريسه الأدب في إقليمه وهو بالإضافة إلى ذلك كاتب مرموق مهتم بحقوق الأقلية الأويغورية . هرب زوجها إلى الولايات المتحدة طالبًا حق اللجوء السياسي في بداية عام 1996 بعد أن سُجن سياسيًّا بسبب أنشطته وحركته، خاصة تعليقاته الإذاعية عن أوضاع تركستان . تلقت عائلة ربيعة وصديق الكثير من العقبات في حياتهم فوضع بعض أبنائهم تحت الاقامة الإجبارية وأٌتهمت ربيعة التي تعيش في أمريكا بالتحريض لإثارة الشغب والإرهاب في إقليم تركستان . أي عنف يحدث في اللإقليم يلقي باللوم علي المجلس العالمي للأويغور التي تتزعمه ربيعة ويلعب دورا محوريا في القضية التركستانية لعلاقاته الواسعة في الدول الأوربية وخاصة في ألمانيا ونفوذه لدي منظمات حقوق الإنسان العالمية .

علي الرغم من إخلاف المسار بين حسن محسوم وربيعة قدير إلا أن التهم واحدة إتهامات بالإرهاب وإتصال عالمي بالحركات الإسلامية إلي أن الأمر لبكين لا يخلو من فرصة ممتازة لاستغلال مساحة شاسعة من الأرض يسكنها عشرات الملايين من البشر غنية بثروات طبيعية تعتبرها الصين منطقة استراتيجية وتسعي لتوطين 200 مليون شخص بها . لذلك مهما كلف الأمر بكين لن تضيع مثل تلك الفرصة للسيطرة علي إقليم بهذا الحجم والثروات خاصة والظروف العالمية مواتية . إنشغال عربي وإسلامي بقضايا الشرق الأوسط والحذر الشديد من تقديم الدعم الذي كانوا يقدمونه بحكم الإمتداد الديني فالتضامن الذي قدمته الحكومات والشعوب الإسلامية والعربية في التسعينات تحاول أن تتنصل منه الأن وسط مخاوف مع الوصم بالإرهاب كما أن التضامن الأممي كما يخرج علينا الكثيرين من العرب ليخبرونا أنه أمرا ذو صبغة بدوية قبلية وهم بالأمس القريب طالبونا بمقاطعة مباريات كأس العالم تضامنا مع العمال في البرازيل ومابين إشكاليات خطاب التضامن وسرديات المظلومين وظالميهم يعيش عشرات الملايين من الأويغور في تركستان وقد سلبت أوطانهم متمسكين بهوايتهم الثقافية والعرقية وسط إتهامات بالإرهاب وتنكيل ومطارادات للأسر طامحين في إستعادة تاريخ أجدادهم من الترك .

.