(مخــــــتــــــوم بالشــــــمــــــع الأحــــمـــر) رســـالـــة من مغردٍ ملتزم و مُقاطِع الى طبيب شجاع: " لا تسرق مني الأمل يا صديقي، أفبعد موت ثلاثين ألف شخص في غزة، تقول لي انهم بشرٌ مثلنا ويحبون الحياة؟! " - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

(مخــــــتــــــوم بالشــــــمــــــع الأحــــمـــر) رســـالـــة من مغردٍ ملتزم و مُقاطِع الى طبيب شجاع: " لا تسرق مني الأمل يا صديقي، أفبعد موت ثلاثين ألف شخص في غزة، تقول لي انهم بشرٌ مثلنا ويحبون الحياة؟! "

الموضوع: حرب غزة (الجزء الثاني) – نسخة منصة X

  نشر في 23 مارس 2024  وآخر تعديل بتاريخ 23 مارس 2024 .

في سلسلة الرسائل المختومة بالشمع الأحمر، توجه شخصية مهمة رسالة خيالية تماما، و سرية للغاية الى شخصية أخرى، بخصوص موضوع حيوي و طارئ لا يقبل التأجيل، إلا أنني و لحسن الحظ عثرت على نسخة من الرسالة، و لأنكم أصدقائي، فقد قررت مشاركتكم بمحتوياتها، شرط ان تكتموا السر ...



المُرسِل: مغرد مُلتزم و مُقاطِع و غيّور على دينه و أرضه.

المُرسَل إليه: الطبيب الشجاع.

الموضوع: تصريحاتكم الأخيرة على إحدى المنصات الشبابية.


عزيزي " الطبيب الشجاع "، لقد تابعت باهتمام كبير مقابلتك الأخيرة على إحدى المنصات الرقمية اليافعة، و لا أعرف بالضبط كيف أصف مشاعري المتناقضة تجاه الموضوع. لقد كنت فخوراً بك للغاية عندما أعلنت عن ذهابك الى غزة لنصرة أهلنا هناك، كطبيبٍ شاب مسلم تقوم بواجبك تجاه الله و القضية. لقد فرحت بك و بشجاعتك، و تغنيت بإقدامك و عزمك، و لم أوفر جهداً في دعمك و التغريد عنك و عن مناقبك، رغم أني لا أعرفك في الحقيقة و لم أسمع عنك قبل هذه الحرب اللعينة. لقد أرغى الصهاينة و أزبدوا في دمائنا، احتلوا أرضنا و انتهكوا مقدساتنا، فكان لابد من أن نقف صفاً واحداً في وجههم، كُلٌ بما يستطيع تقديمه. لكني صُدِمت صدمة عظيمة، أعمت بصيرتي و شَلّتْ جوارحي، عندما سمعت كلامك في تلك المقابلة. كيف سمحت لنفسك بقول ذلك الكلام يا عزيزي؟ كيف سمحت لنفسك بالانخراط في أوحال السياسة و قذارات الحروب؟ ألا تعلم أننا لا نتحدث عن هذه الأمور؟ نحن لم ننتظر منك ان تراقب و تفكر و تستنتج و تعطي آرائك التي استنبطتها من أرض الواقع، بل انتظرنا منك دعماً قويا شديداً نرميه في وجه أولئك الصهاينة الأنجاس. هذا ليس وقت التحليل و التمحيص و النقد، فنحن في وسط معركة وجودية للحفاظ على أرضنا، و كان حري بك يا صديقي ان تفهم ذلك جيداً. ما الذي تظن ان الناس ستفهمه من تصريحاتك؟ ألا ترى الناس و هم واقفون مع المقاومة على قلب رجل واحد و نحن نحقق انتصاراتنا على العدو واحداً تلو الآخر؟ أعرف ان الأمور لا تبدو وردية دوماً، و أن صور جثث الأطفال المقطعة كل يوم لا توحي بذلك الانتصار الكبير، و ان القصف الوحشي العشوائي الذي أتى تماماً على كل شيء لا يعطي انطباعاً بتحقيقنا النتائج المرجوة، و أعرف كذلك ان تجويع و تشريد أكثر من مليوني انسان يباتون كل يوم في العراء بلا كهرباء و لا ماء و لا حتى تصريفٍ صحي يليق بالبشر على مرأىً و مسمعٍ من العالم كله لا تعكس حقيقة تفوقنا و قوتنا. أعرف ذلك كله، و لكني أؤكد لك ان انتصارنا العظيم قادم يا صديقي. لا تتردد للحظة في تصديق ذلك. كل حرب لها تكلفة. كل نصرٍ له شهداء. يجب علينا الإيمان بذلك و لو خالفتنا كل المعطيات و الاحصائيات، ففي هذه الأمور، يجب علينا الإيمان و التصديق دون ان ننهك عقولنا و نفوسنا بكل تلك الأرقام المخادعة الجوفاء التي وفرها الأعداء للاستهلاك الاعلامي، فالمنطق له حدود لا يتخطاها، و المبادئ الأخلاقية عن تحريم استهداف المدنيين و البنى التحتية و قواعد الاشتباك و قيمة الحياة البشرية كلها أفكار مطاطة مائعة لا و لن تنطلي علينا. هناك طريقة واحدةٌ فقط لتحرير أرضنا، و ان كان ثمنها ثلاثون ألف قتيل مدني، أكثر من ثلثيهم من النساء و الأطفال، فما العمل اذاً؟. لعل هؤلاء القتلى لم يختاروا مصيرهم، ربما كان كل ما يطلبونه هو حياة كريمة يسترون بها أنفسهم ليشاهدوا أطفالهم و هم يكبرون دون أن يُطحنوا وسط الحسابات المعقدة للقوى العظمى التي تحكم هذا العالم. ربما كان هذا صحيحاً، لكننا متيقنون بأن لحظتنا ستحين، و أن نصرنا مبين، فقط انتظر الوقت المناسب و سترى كيف سيخضع لنا العالم. كان حرياً بك يا صديقي ان تشد على أيادي المقاتلين و تقوّي عزيمتهم. كان أولى بك ان تصف بطولاتهم و تتغنى بتضحياتهم. فهم ما احتموا تحت الأرض الا و قد كانوا مستعدين تماماً لما هو قادم، فهم يعرفون ما يفعلونه جيداً، و لن يستطيعوا بالطبع إخفاء مليوني انسان معهم تحت الأرض، فلم يكن هناك مفر من بعض التنازلات. هل رأيت حذق مقاتلينا و فطنتهم؟ فبعد المطالبة بتحرير الأرض كاملة من هذا الاحتلال الجاثم على قلوبنا جميعاً، أصبحوا الآن يساومون على وقف للقتال و تحرير بعض الأسرى، فهم أذكياء يعرفون كيف يطوعون العدو لإرادتهم و كيف يأخذون منه ما يريدون حينما يريدون. لا تقل لي يا طبيبي العزيز ان " بعضاً " من الأهالي الذين قابلتهم هناك يحسون بالحسرة و الندم بعد ان شاهدوا للتو القنابل الصهيونية تمزق أطفالهم الى أشلاء. لا تسرق مني هذا الأمل، أفبعد مقتل أكثر من ثلاثين ألف مدني في غزة، تقول لي انه يوجد هناك بشر مثلنا يحبون الحياة؟ و أنهم لا يريدون ان يقدموا فلذات أكبادهم كقرابين جاهزة لتحقيق نصرٍ وُلِدَ ميتا حتى قبل ان يبصر النور؟

أعرف ما يجول في ذهنك الآن، و جوابي على سؤالك الأول هو نعم بالتأكيد، فأطفالي أنا موجودون جميعاً حولي يرفلون في صحة جيدة و لله الحمد، لم أفقد أحداً منهم في انفجار او معركة، يعيشون حياة هانئةً في بيوت واسعة مكيفة و مجهزة بكل وسائل الراحة، في بلاد آمنة و مستقرة. أما سؤالك الثاني، فأعتبره اهانةً منك و لكنني سأتجاوزها، و اجابتي واضحة: لا! لا أفهم كيف تتوقع مني أن أوافق على التضحية بنفسي في هذا الصراع، من سيهتم بعائلتي حينها؟ أنا أقاوم بما أوتيت من قوة. أغرد و أعلق ضد كل منشورات الصهاينة طوال اليوم، من كل الأطياف و الأجناس. أُقاطع البيبسي و الكولا و ماكدونالدز و ستاربكس، و لو استطعت لتخليت عن هاتفي الآيفون ١٥، لكن هذا الشيء اللعين يكلف قرابة الفٍ و ثلاثمائة دولار، لا قِبَلَ لي يا أخي بتوفيرها الآن. أعلم ان عتاة الصهاينة يدعمون كيانهم الطفيلي هذا بمليارات الدولارات كل عام، لكن الموضوع يتعلق بالمبدأ أولاً و أخيراً. أما وسائل التواصل الاجتماعي، و التي أعلم انها تكسب عن طريقي أموالاً طائلة دون أن أدفع شيئاً، فهي شر لا بد منه، فنحن لا نملك منصات تواصل تستطيع إيصال صوتنا الى العالم، فدعنا نستمتع ببعض الحرية التي توفرها منصة X (تويتر سابقا)، الأمريكية المنشأ و المكسب، و التي أعرف أنك تعرف أنني أعرف انها تدفع المليارات كضرائب يذهب جزء لا بأس منها لتمويل آلة الحرب الصهيونية، لكن ذلك خيارنا الوحيد. ان مجرد ذكر اسم فلسطين على تطبيقات ذلك الصهيوني العتيد "زوكربيرج" قد يؤدي بك الى ما لا تحمد عقباه. و قبل ان تسترسل في أسألتك عزيزي "الدختر" فسأجيبك أنا عنها تباعاً، فأما الكهرباء فيستحيل ان أعيش بدونها و لو لساعة، و أما مياه الشرب فلا حياة لنا في غيابها، و أما الصرف الصحي فهو أهم شيء في أي مسكن بشري. أعلم لم تسألني عن حاجتي لمقومات الحياة الأساسية هذه، و أعلم أيضا انها كانت شحيحة للغاية قبل أحداث أكتوبر، و انعدمت تماما بعدها. هي ظروف مستحيلة فرضها هذا العالم علينا، فلا ترهقنا أنت أيضا بأسئلة وجودية منهكة لا نملك اجاباتها. نحن نعاني أصلا بما فيه الكفاية، و جاءت أحداث غزة لتزيدنا غصةً و همّاً، و ها أنت الآن تأتي لتجهز على ما تبقى من معنوياتنا. نحن نحتاج الآن الى بطلٍ جديد يحرر أراضينا المحتلة، و بما أن صلاح الدين قد مات قبل ثمانمائة عام، فان الخيارات المطروحة أمامنا محدودة يا عزيزي... محدودة للغاية. الآن و بعد خمسة أشهر من القصف و التنكيل و التدمير، لا أستطيع تخيل ان كل أولئك الأطفال قد قتلوا في سبيل الوصول الى تسوية ما. نحن نريد ان يكون موتهم في سبيل انتصارٍ تاريخي عظيم، نحن نحتاج الى ذلك. لا نريدهم بشراً طبيعيين مثل أطفالنا يلعبون و يركضون و يكبرون و لعلهم يوما ما يعيشون في عالم أفضل و أعدل من هذا اللي عشنا فيه نحن، بل كان يجب عليهم ان يحترقوا وقوداً لأحلامنا القديمة و أمجادنا الضائعة. كل الخيارات صعبة هنا، و لا توجد إجابات صحيحة واضحة. هل تستحق عملية تحرير أي شيء مُقَدَسٍ في هذا العالم روح طفلٍ بريءٍ واحد؟

سؤال صعب. لكن الإجابة بالتأكيد ستكون أسهل كثيراً عندما يكون هذا الطفل ليس ابني!!



تحياتي ...






   نشر في 23 مارس 2024  وآخر تعديل بتاريخ 23 مارس 2024 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا