((لا شيء في هذه الحياة يستحِـق الإهتمام ؛ كان الأمر فيما مضى مجرد شك لكنني اقتنعت بعد ذلك بقناعةٍ كامِـلـة ، و أيقَنت فجأة بذلك يقيناً لا محيدَ عنه.. بغتة شعرت أنني لستُ مَعنيَّـاً سواء وُجِدَ هذا العالَـم أو لم يوجَـد))..يلخص دويستوفيسكي بعبقريته النادرة في هذه الرواية مأساة الإنسان الكبرى في هذا الوجود. كيف السبيل إلى العيش وسط هذا الركام من الألم والمعاناة والعبث في هذه الحياة. لقد استسلم بطله الذي لايحمل اسم كدلالة على عدم انتمائه لمن حوله لمشاعر الكآبة والإحباط.لم يعد يغضبه إطلاق صفة الرجل المضحك عليه بل أصبح يتفاخر بها. هم يسخرون منه لأنه مختلف عنهم وبات منفصلا عن عالمهم. عندما لم يعد يتحمل لعنة الوعي قرر أن يزيل هذا العالم بقرار منه. سيختفي العالم بإنتحاره.امسك المسدس واستعد لوضع حد لحياته حينها عاوده طيف طفلة قابلته في الشارع وسألته المساعدة لأمها التي تحتضر لكنه صرخ في وجهها، ما الجدوى من مساعدتها اذا كنت ساضع حد لحياتي بعد قليل. غفا أثناء الاسترسال في افكاره وراوده حلم بأنه أطلق النار ومات. بعد دفنه فتح التابوت وطار بعيدا في الفضاء وأثناء تحليقه رأي كوكبا جميلا أحس بالحب تجاهه. إنها ذات الأرض لكن قبل أن يكتشف الإنسان الكذب والسرقة والقتل والخيانة. يعيش فيها الناس في اليوتوبيا كما تمناها الفلاسفة الأولون. لكن مع وجوده بينهم سرعان ماتعلمو منه كل صفات الأنانية والغدر والإحتيال. استيقظ من حلمه الذي كشف الحجاب عن بصيرته. لقد قرر أن يتناسى فكرة الإنتحار وسينهض ليبحث عن الطفلة التي طلبت مساعدته. سوف يقضي بقية حياته مبشرا بالحقيقة التي تمثلت له في الحلم. حب أخيك كما تحب نفسك، سيمضي بقية حياته محاولا جعل الأرض مكانا أفضل. أتقن دويستوفيسكي في رواية بسيطة لاتتجاوز عشرين صفحة بلورة قيمة العطاء ومعنى الحياة. هذه الحياة لن تصبح جنة وهؤلاء البشر لن يتخلو عن صفات الجشع في يوم ما لكن هذا لايعني العيش بطريقة سلبية. مد يدك خضراء ما استطعت وابذل مافي وسعك لجعل مشهدك القصير في فيلم الحياة ذا معنى. كما قيل نحن هنا الآن بفضل مافعله الخيرون من أسلافنا فحب أخيك كما تحب نفسك.
-
Mohammed alawadhطبيب من السودان مهتم بالثقافة