معظمنا شاجر إخوته حينما كان صغيرا و هذا أمر ليس بالغريب، لكن الأم دائما كانت تقول لك " لا تستأسد على إخوتك، فحينما تخرج تصبح قطة أليفة " هذه الجملة بالضبط، أنا متيقن أن أيا من حكام العرب لم يسمعها، لذا تراهم غلاظا على شعوبهم كتاكيت أمام العدو الحقيقي. لذلك لازلنا نشاهد هاته المهازل المتواصلة بعد أن ظننا أن عصرها قد انتهى فما السر وراء كل هذا التشبث بالسلطة؟ و إلى متى سيستمر الفساد؟

شكلت ثورة الربيع العربي 17 ديسمبر 2010، حدثا مهما و حاسما في تاريخ الدول العربية، فبعد أن حرق " البوعزيزي نفسه " قامت الثورة في تونس ضد النظام الفاسد؛ مما أدى إلى سقوط نظام " بن علي " لكي تتأجت الثورة بعدها و تندلع كالنار في الهشيم؛ و نتيجة لذلك تم خلع "مبارك" كرئيس لجمهورية مصر، و إسقاط نظام "القذافي" في ليبيا، و معه نظام "صالح" في اليمن. من الواضح أن  هناك أسبابا قوية أدت إلى هذه الانتفاضة العظيمة. الفساد السياسي كان أهم هذه الأسباب، زد عليه سوء الأوضاع المعيشية، و ارتفاع نسبة الأمية و الفقر و  و البطالة. علاوة على تسلط  الحكام و جورهم و دوافع عديدة أدت إلى رفع أشهر شعار آنذاك "الشعب يريد إسقاط النظام" لدرجة أن الأطفال الصغار كانوا ينطقون به دون أن يعرفوا معناه. طبعا كانت لهذه الموقعة نتائج أخرى فالمغرب بعد أن استشعر خطورة الأمر؟ أصدر دستورا جديدا. دول أخرى لم تسلم من نتائج هذه الهوشة. فقد  نشبت حروب أهلية في كل من سوريا، اليمن، و ليبيا. كما خلفت هذه الفورة خسائر جسيمة على جميع المستويات، كان أسوءها عدد القتلى، و الجرحى الكبير.  مع أن هذه  الثورة لعبت دورا كبيرا في استرداد كرامة المواطنين و التخفيف من الفساد إلا أنها لم تكن الحل النهائي.

كباقي الأطفال، يجلس فوق مقعده محدقا بعينيه نحو السبورة، فجأة ينفجر القسم بمن فيه، و تنهمر القنابل و الرصاصات كأنها الودق. هذا لأن "بشار" رفض التنازل عن منصبه، و سمح للأرض التي أنبتته بأن تكون ميدان للوغى. ليموت عدد لا يحصى من الأبرياء، و يهجر آخرون إلى مخيمات لا ترقى إلى مستوى الإنسانية. فصار الأمر كأن البشر أصبحوا مجرد ألعاب، و دمى يتخلص منها الساسة وقتما شاؤوا. القصة لا تنتهي هنا، طبعا هنالك ما هو أخزى من هذا فقد تدخلت روسيا و الولايات المتحدة و دول أخرى في هذا النزاع. و أصبحت أرض الشام الطيبة، محطة لتجريب الأسلحة الجديدة. فماذا بعد؟ ماذا إن لم يرحم الإنسان أخاه؟ إذن لعله بات واجبا أن نفرق بين الإنسان و البشري.

أول الزائرين،  بعدما انقطعت العيادات هو "البشير" ففي 16 ديسمبر 2018 زف الرئيس السوداني -  الذي دام حكمه 29 عاما  - بشراه إلى دمشق، ليلقى "الأسد" في استقباله. البشير أراد أن يسل رحمه فقط، لكن أرحماه الحقيقين هم الذين تركهم في السودان، ليشعلوا الثورة ضده تحت شعار "ارحل يا البشير". و كالعادة "البشير" لا يروق له الرحيل فأين المفر؟

الجشع من أهم الأسباب التي تلحم مؤخرات الرؤساء بكراسيهم. فهم يستمتعون بما لذ و طاب، و يمتعون الجهات الخارجية التي تحميهم. الحكام العرب من أغنى الرجال في العالم لهذا فإنهم يحبون التربع على العرش،  و يكرهون أن ينغص متعتهم أي أحد، و هم في أتم الاستعداد للقضاء على كل من يحاول إسقاطهم و إن كانت شعوبهم. أنى لهم أن يدركوا العدو الحقيقي؟ و أنى للإنسانية أن تعود؟