القراءة بين العزوف والإقبال! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

القراءة بين العزوف والإقبال!

  نشر في 03 أبريل 2018  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

1. اعترافات قارئ:

تعودت في كل لحظة أختلي فيها إلى نفسي أن ألتقيَ خُفيةً بإحدى الكلمات، من خلال قصاصة إعلامية أو كتابة سردية أو نص فلسفي أو عمل أدبي أو ديوان شعري أو دراسة نقدية... وكثيرا ما كانت تسحرني بعض الكلمات فأقفو خطواتها دون وعي مني، لأجد نفسي أحيانا أدلي بآرائي ووجهات نظري في مونولوج داخلي حول قضايا سياسية أو أنشطة رياضية أو فعاليات ثقافية أو تظاهرات فنية، وأسافر أحيانا أخرى إلى عوالم الأبطال الحكائية في صراعاتها الأبدية وحواراتها الإشكالية، وتجدني أحيانا منخرطا في جدال فلسفي أو حوار أدبي أو قراءة شعرية أو نقاش نقدي، يقلقني تارة ويسعدني أخرى. وقد تجدني أحيانا تائها في أزقة الكلمة دون أن تقوى بوصلتي على توجيهي الوجهة الصحيحة نحو محطة النزول. كان هذا في الزمن الجميل الذي كانت فيه الرغبة في قراءة كتاب كالرغبة في مشاهدة فيلم سينمائي بإحدى القاعات، أو الرغبة في تناول وجبة شهية طال الزمن بينك وبينها. وكانت عناوين الكتب المعروضة على واجهات المكتبات، تضاهي عناوين الأفلام السينمائية المعروضة على أبواب القاعات، بل وتنافس الأطباق الشهية المعروضة على واجهات المطاعم والأكلات الخفيفة، وكانت الكتابة لايخوضها إلا الراسخون في العلم الذين لا يرضون أن تنعتهم الأقلام الناقدة بما يطيح من مكانتهم، وكانت القراءة في هذا الزمن أيضا قيمة نبيلة، والثقافة رمزا للرقي الاجتماعي، وكان الغش في الامتحانات عيبا بين الزملاء...

2. متاهات في أزقة الكلمة:

انسقت ذات مرة، في الآونة الأخيرة من هذا الزمن الباهت الذي فقد كل ملمح من ملامحه، وراء كلمة استهوتني من خلال تموقعها داخل عنوان لمؤلف كبير معروض في واجهة إحدى المكتبات، فقلت لعلها تلبي انتظاراتي...اقتنيت الكتاب إيمانا مني بأن العنوان هو" لافتة دلالية ذات طاقات مكتنزة، ومدخل أولي لابد منه لقراءة النص"، وانخرطت مباشرة في قراءته دون انتظار، بحثا عما تحثني عليه رغبتي في الاطلاع والبحث. تابعت قراءتي كلمة كلمة.. الأسطر تتوالى، والصفحات تطوى واحدة تلو الأخرى. لم أجد ما يشبع نهمي، أوقفت القراءة متهما نفسي بسوء الاختيار. ظلت تلك الكلمة تستفزني وتغويني، فقلت لعل الإجابة آتية بعد حين!! غلبتني الرغبة في الاستمرار والمتابعة، وألحت علي إلحاحا كبيرا، فاستأنفت القراءة من جديد في انتظار ما قد تسعدني به نهاية الكتاب.

ها قد أوشكت على النهاية دون أن تتبدى لي بشائر الإجابة المنتظرة... وانتهت بي القراءة ولم أحظ بجواب!!

قررت بعد هذه التجربة الفاشلة أن أجدد البحث في مختلف المكتبات لعلني أعثر على ما يشبع رغبتي في إدراك أبعاد تلك الكلمة... تكررت التجربة مرات عديدة، وتكررت معها خيبات الأمل. توالت علي مجموعة من الأسئلة ومجموعة من الشكوك. فوجدتني أتساءل: أين يكمن الخلل؟! لماذا ينفر شبابنا من الإقبال على قراءة الكتب؟!

3. العزوف عن القراءة:

أين يكمن الخلل؟! لماذا ينفر شبابنا من الإقبال على قراءة الكتب؟! لعل أولى الإجابات التي تبادرت إلى ذهني عن السؤالين المطروحين هي أن الخلل يكمن في عاملين اثنين، هما:

- غياب الرغبة لدى القارئ.

- اضطراب الكتابات المعروضة.

لا شك أن الرغبة، باعتبارها حالة نفسية ترتبط بسلوكيات الفرد وأفعاله، هي العامل الأساسي الذي يدفع كل فرد من بني البشر إلى إنجاز عمل ما وتحقيق أهدافه، وكلما كانت هذه الرغبة ملحة جامحة، كلما أُنجز العمل بجودة وإتقان، وتحققت الأهداف المأمولة. بيد أن هذه الرغبة لا تصنع من لا شيء، وإنما هي وليدة وسط اجتماعي وثقافي معين، وصنيع فضاء تربوي ذي شروط خاصة. فالفرد الذي ينشأ في بيئة رعوية زراعية، أو في وسط ذي اهتمامات حرفية وتجارية، لن يفكر إلا نادرا في القراءة. والذي ينشأ في مجال جل أفراده يقرؤون ويتصفحون الكتب والجرائد والمجلات بين الفينة والأخرى، لا يمكن إلا أن تنمو لديه هذه العادة التي قد تتحول عبر مراحل حياته إلى رغبة فإدمان...

إذا كان غياب الرغبة هو واحدا من العناصر التي تحول دون الإقبال على القراءة، فإن هناك عاملا آخر وهو اضطراب الكتابات المعروضة التي لا تلبي انتظارات القارئ ورغباته. فإذا كانت الرغبة لدى القارئ اليوم قد توارت بفعل مجموعة من العوامل التي أصبحت تنافس الكتاب بسبب طغيان الصورة والمؤثرات الصوتية، فإن هناك عنصرا آخر أضحى أكثر تأثيرا من الأول وهو ضعف التأليف وهشاشة الكتابة موضوعا وصياغة ولغة، بسبب انفتاح هذا المجال على كل أدعياء الكتابة وأشباه المثقفين، بعد انتشار الأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي ساهم وبشكل كبير في نفور القارئ من الكتاب واشمئزازه من القراءة.

4. الإقبال على القراءة:

لا شك أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يمكن تحدي تلك العوائق وجعل القراءة هدفا مرغوبا فيه لدى القارئ؟

إن تحقيق هذه الغاية ليس بالأمر الهين، لأن العوائق المشار إليها سابقا، وهي غياب الرغبة لدى بعض القراء وهشاشة الكتابة لدى بعض الكتاب، تتطلب مجهودا يشارك فيه الجميع؛ القراء بتغيير اهتماماتهم وتمهير ذواتهم على القراءة المتكررة وتنويعها بتنويع الظروف والأمكنة والحالات النفسية..والكُتّاب بالارتقاء بمستوى كتاباتهم وتلوينها وفق الفئات المستهدفة..إذ الكتاب المقصود كما قال الجاحظ في كتابه " المحاسن والأضداد": " هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسّط لسانك، وجوّد بيانك، وفخّم ألفاظك..."، وبهذه الإجراءات نكون قد ساهمنا في مد الجسور بين القارئ والكاتب، وتضييق الهوة بينهما في أفق محاربة العزوف وتفعيل الرغبة في القراءة لدى القراء جميعا، والقراء الشباب على وجه الخصوص.

5. خاتمة:

لعلنا بهذه الكلمات نكون قد أثرنا موضوعا نراه في غاية الأهمية، عسانا نؤجج به الرغبة في عودة شبابنا إلى الإقبال على القراءة، وربط علاقة حب وصداقة بينه وبين الكِتاب الذي قد يصبح بالنسبة له خير جليس يسعفه في الاتصال بالعالم والتواصل معه، في أفق تنمية ذاته وتطوير مجتمعه. وصدق المتنبي حين قال:

أعَزُّ مَكانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سابحٍ 

              وَخَيرُ جَليسٍ في الزَّمانِ كِتابُ

المراجع:

- بحر بن عمرو الجاحظ، المحاسن والأضداد، دار صعب، بيروت 1969

- أحمد أبو الطيب المتنبي، ديوان المتنبي، دار بيروت 1983

- عبد القادر رحيم، العنوان في النص الإبداعي، أهميته وأنواعه، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، العددان 2 و 3، ص:9، 2008

- واثق غازي، عزوف الشباب عن القراءة، أسبابه وعلاجه، كلية العلوم ،جامعة البصرة ، ص5

- لطيفةحسين الكندري، تشجيع القراءة، المركز القومي للأمومة والطفولة، ط1، 2004، ص11



   نشر في 03 أبريل 2018  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا