خرافة فكرة الجذب والطاقة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

خرافة فكرة الجذب والطاقة

  نشر في 09 يوليوز 2023  وآخر تعديل بتاريخ 30 أبريل 2024 .

عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه؛ قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ: ((مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ، أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ)).

أخرجه النسائي

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) سورة الفاتحة


بيع الأوهام

من المؤكّد أنّ الإنسان في هذه الحياة يحتاج أحيانا بل ، وفي الكثير من فترات حياته إلى من يعينه لكي يواجه مشكلاته الخاصة، سواء كانت هذه المشكلات مادية أو نفسية، فيلجأ المرء إلى صديق مقرّب أو إلى أخ شقيق أو يبحث عن حل لها عبر الكتب. فالبحث عن حل للمشكلة هو كل ما يتمنى أنْ يجده من يتخبطون في مشكلاتهم ولأجل ذلك يسلكون أي طريق يرونه مخرجا من مشكلاتهم. وقد استفحلت ظاهرة بيع الأوهام في كتب التمنية البشرية.   

إذْ أننا نجد في الكثير من كتب التنمية البشرية تصورات تضخِّم وتُبالغ في قدرات الإنسان كونه يحوز على قدرات خارقة وعجيبة يستطيع لو اكتشفها وبخطوات بسيطة أنْ يُحقق أهدافه وطموحاته، وذلك بإتباع التخيُّل وجذب الهدف والتنفس العميق والكتابة على الورق.

هذه الكتب تقدّم للقارئ عبارات من مثيل: لا شيء مستحيل أمامك، أنت محور والكون يدور حولك، ركِّز على هدفك ويأتي كل شيء بعد ذلك، لك قدرات غير محدودة، أنت تستطيع فعل كل شيء.

هذا الكلام يُوهم القارئ ويُشعره بسعادة مؤقتة وتنفخ فيه ثقة في نفس كبيرة، ولكنها زائفة.

لعل الكتاب الذي يعتبر نموذجا لهذا الأفكار هو كتاب السر. وهو من تأليف روندا بايرن وتقوم فكرته على قانون الجذب ويدّعي أنّ التفكير الإيجابي يمكن أنْ يخلق نتائج تجعل الحياة أفضل مثل: زيادة في الثروة، والصحة، والسعادة. من الأفكار الموجودة، حسب الكلام الحرفي للكاتبة: "أفكارك الحالية تشكل حياتك المستقبلية. ما تركز عليه غالباً أو تفكر فيه سوف يظهر في حياتك".

وتقول أيضا " ينص قانون الجذب على أن الشبيه يجذب شبيه، وهكذا حين تفكر في فكرة ما، فإنك كذلك تجذب الأفكار الشبيهة إليك"

ولها عبارة أخرى تقول فيها" الكون يحب السرعة. لا تتباطأ. لا تفكر مرة ثانيه. لا تشكك. فعندما تجد الفرصة أمامك، وتوجد الدافعية، ويكون الحافز الفطري بداخلك فتحرك. فهذه هي مهمتك، وكل ما عليك القيام به"

وتقول " انظر للأشياء التي تريدها على أنها ملكك بالفعل، واعلم أنها سوف تأتي إليك عند الحاجة. دعها تأتي ولا تقلق ولا تفكر بشأنها"

وتقول في الكتاب أيضا " كل ما يحدث في حياتك فأنت من قمت بجذبه إلى حياتك. وقد انجذب إليك عن طريق الصور التي تحتفظ بها في عقلك"

وتقول " يمكنك أن تحظى بما تريد، إذا علمت كيف تصوغ القالب الخاص به في أفكارك. فليس هناك حلم لا يمكن أن يتحقق إذا تعلمت فقط استخدام القوى الإبداعية التي تعمل من خلالك" (كتاب السر روندا بايرن).

خرافة الجذب:

في هذا الكتاب وفي كتب أخرى تتردد جمل وعبارات من قبيل: إنك عظيم، تستطيع أنْ تجذب جميع أهدافك، أنت محور الكون، أنت فريد من نوعك....إلخ. لا شيء أخطر على عقل الإنسان من تناول المخدرات، ولا شيء أخطر على قلبه من تقبّل السِّحر الذي ينطلي عليه، وليست المخدّرات تلك التي يتم زراعتها في الحقول، وليس السّحر ذلك الذي يمارسه السحرة والمشعوذون. بل إنّ المخدرات، والسحر تتعلّقان بالأفكار التي نلتهمها من هنا وهناك، وتسحرُنا بجاذبيتها وبجمالها ولكنها في الحقيقة مجرّد وهم.

وليست التجارة المغشوشة فقط تلك التي تتعلق بالسلع. بل أيضا تتعلق بتجارة الأفكار، وإذا كان الإنسان في الحياة الواقعية يتحاشى السلع المغشوشة ويتجنّبها بقدر المستطاع. لأنها إهدار للمال والصحة. فإنّ تفادي، وتوقِّي الأفكار المغشوشة هو المهمّة الأولى التي يجب أنْ يهتم بها الإنسان. فمثلما هناك تجارة مغشوشة في السلع، هناك تجارة مغشوشة في الأفكار.

والفكرة أيّها القارئ الكريم ابنة بيئتها ونتاج ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية، وهذه الفكرة إذا كانت صحيحة في بيئة معيّة، فهي ليست صحيحة في بيئة أخرى. هذا ما ينطبق على الكثير من أفكار التنمية البشرية المنتشرة اليوم. فالتنمية البشرية ظهرت في أمريكا وفي أوروبا حيث عرف الغرب نهضة صناعية، وتقنية، واجتماعية هائلة. وكان يُحتاج في ذلك إلى تنشيط الإرادات الخاملة، وبعث الهمم من أجل حث الناس على العمل. ففي الغرب، المصانع موجودة، والشركات الاقتصادية تبحث عن موظفين وعمّال، لذا فالتنمية البشرية في الغرب موجهة للإنسان الغربي لكي يعمل وينشط، وينتج. ما على الإنسان سوى التحرك فقط، لكي يحقق هدفه. وهذا الأمر من حيث توفر ظروف العمل والنجاح غير متاح في البلاد العربية والإسلامية، والإفريقية والأسيوية.

ومن جانب آخر، ينطلق بعض مشاهير التنمية البشرية من مقولات وأفكار جذابة لاستمالة القراء. وهذه الأفكار تعبر عن تصور الإنسان الغربي للحياة. إنّ الثقافة الغربية المعاصرة لا تنطلق من فكرة وجود الله في التأثير في أحداث العالم، بل تتصور أنّ الإنسان له مطلق الإرادة في التحكم في الكون. إذْ يوهمون الإنسان بممارسة الجذب لكي يحقق جميع أهدافه وكأن الإنسان هو إله، أو في مكان الإله يقول لشيء: كن فيكون فتتحقق جميع أهدافه. و

لكن الإنسان المسلم يؤمن أنّ الحياة في النهاية تعود إلى إرادة الله، وليس كل ما يُريده الإنسان سيحققه.

هذا لا يعني أنّ الإنسان محكوم بالقدر أو بالمكتوب. بل هناك مجال واسع جدا للإرادة الإنسانية. فهو الذي يختار الإيمان، أو الكفر، الجنة أو النّار، بين أنْ يكون إنسان خيّر أو شرير، بين أنْ يعمل أو لا يعمل. فدور الله في التنمية البشرية في الغرب يكاد يكون معدوما أو هو غائب، بينما نحن كمسلمين يجب أنْ نضع هذا بعين الاعتبار: تستطيع أنْ تحقق كل شيء بإذن الله.

ثم تخيّل كيف يكون العالم لو كان كل واحد فينا يريد المال والسلطة والشهرة والقوّة؟ بلا شك سيكون ميدانا للصراع والحروب والفوضى وتتعارض المصالح، لأنّ كل إنسان يريد أنْ يحقق هذا الهدف -الذي هو في نية الجميع تحقيقه ونيله-دون غيره. من جهة أخرى كم من إنسان قرأ مئات الكتب في التنمية البشرية ولم يحقق أهدافه؟ بالرغم أنه قوّى إرادته ورغبته في ذلك، وكم من شخص لم يقرأ ولو كتاب واحد وهو الآن في مكانة مرموقة؟

العالم لا يحكمه الإنسان فقط. بل أيضا هناك قوة مريدة لكل شيء وهو الله: يهب ويمنع لمن يشاء، ويرزق من يشاء بغير حساب، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزعه عمن يشاء، وهذا ما يغفل عنه أشهر مدربي التنمية البشرية في الغرب.

ثم تخيّل معي وافترض أنّ هناك شخصية مشهورة في عالمنا اليوم: لاعب كرة قدم عالمي، أو فنان، أو ممثل سينمائي شخصية من هذه الشخصيات ستكون حلما لكل فتاة في هذا العالم ليكون لها شريك حياتها وتتمناه كزوج. فإذا مارست كل فتاة قانون الجذب على هذا الفنان، فهل سيكون لهن جميعا كزوج، أم يكتفي بزوجة واحدة فقط. فكم من شخص مارس بما يسمى بالجذب ولم يحصل على مراده ولم يرتبط بذلك الشخص الذي تمناه.

ومثال آخر: إذا تمنيت زوال نعمة شخص ما تحسده أو تمنيت رحيل الملك أو الرئيس من منصبة لتكون في مكانه، ومارست قانون الجذب، فهل هذا سيحصل؟

وإذا تمنى كل شخص يمارس الجذب أنْ يكون غنيا ويمارس في فكره وخياله جذب الثروة وتخيل أنّه غني وكان له تفكير إيجابي في ذلك هل سيكون غنيا ؟ الثروة تتطلب الاجتهاد والعمل والسهر، ولا يتم تحصيلها من خلال التخيل والجذب.

عندما يطلع القارئ على بعض كتب التنمية البشرية يشعر وكأنّه يمتلك العالم وأنّه محور الوجود. ولكن السلبي في هذه العبارات أنها تدفع بك إلى الوهم إلى حد بعيد، فهي تشحنك بطاقة وهمية وتُنمّي فيك تضخم الأنا، وعندما يتضخّم الأنا ويتم تكبِيره وتفخِيمه لن يرى الشخص الواقع كما هو ولن يرى العلاقات البسيطة بين الأشياء كما هي.

هذه الأوهام التي نجدها في بعض الكتب تجعلك تحقق أهدافك على مستوى الخيال، وليس على صعيد الواقع. بينما في الحقيقة أنّ تحقيق الأهداف لا يكون من خلال تفخيم الأنا، بل يجب أنْ يتم ذلك من خلال معرفة حقيقة الذات وإمكانياتها ومعرفة الواقع وتفاصيله.

ولا يعني هذا أنّ الإنسان لا يكون إيجابيا وواثقا من نفسه ومتفائلا، بل هذه الايجابية والثقة تعتبر من أساسيات النجاح وجوهره الذي يقوم عليه. ولكن هناك فرق بين الثقة في النفس على نحو واقعي بمعرفة حقيقة إمكانيات الذات وخصائصها النفسية والعقلية وبين ثقة في النفس منفوخة من خلال الوهم والخيال باعتبار الذات هي مركز الكون ومحوره.

وعندما تُنفخ الذات وتُضخم، لن يرى هذا الشخص عيوبه وأخطاءه، بل يتكبّر على كل نصيحة تُوجّه إليه ويستصغر الناس ويحتقرهم. وسيفرح هذا الكائن بشخصيته حتى ولو كانت تافهة، وهذا ما ينطبق على بعض أصحاب بعض القنوات على وسائل التواصل الاجتماعي، إنّه يثق بالتفاهة التي ينشرها، لأنّه واثق من نفسه على أساس النفخ الذي تلقاه من كتب التنمية البشرية.

إنّ الثقة المطلوبة هي الثقة القائمة على التواضع والتعلم المتواصل والواقعية.

فبعض الأخطاء والانحرافات: الأخلاقية والعلمية والسلوكية التي يقع فيها البعض ناتجة كونهم لا يسمعون للغير ولا يتقبّلون النصيحة نتيجة لانتفاخ ذواتهم. فالثقة الحقيقية ليست تلك التي تضخم الذات وتحييها في الوهم والتي توصل إلى الديكتاتورية واحتقار الناس. بل تلك الثقة في النفس التي تقوم على التواضع وتبنى على تقبل النصائح والتعلُّم المتواصل.

ما سبب انهزام هتلر؟

يُقال أنّ سبب انهزام هتلر أمام الاتحاد السوفياتي يعود إلى المعلومات المغلوطة التي تسرّبت إلى المخابرات الألمانية حول قدرات السوفيات العسكرية. فالألمان عندما توغلوا في الاتحاد السوفياتي لم يستطيعوا التوغل أكثر ولا الصمود.لأنهم تجاوزوا قدراتهم وإمكانياتهم. أيْ أنهم هاجموا عدوا أكبر منهم بكثير ولم يحسبوا لهذا الأمر، فكذلك بالنسبة إلى الإنسان الذي لا يعرف قدراته الحقيقية وحجمه الطبيعي، لن يحقق أهدافا أكبر منه، فتحقيق الهدف مرتبط بمعرفة حجم، وإمكانيات الذات.

كان هتلر مصابا بتضخُّم الذات وبجنون العظمة. الأمر الذي أغراه إلى مهاجمة الاتحاد السوفياتي. وبما أنّ هتلر استصغر الاتحاد السوفياتي، قد دفعه ذلك لإعلان الحرب عليه، وبذلك فقد وقع في الفخ، فقد تجاوز حُلمه قدراته بكثير. فالخطير على الإنسان أنْ يحلم بأحلام تتجاوز قدراته وإمكانياته بكثير. وهذا لا يعني أنّ الإنسان لا يحلم، ولكن الحلم مرتبط دائما بالواقعية وبالحسابات الدقيقة.كان بإمكان هتلر أنْ ينتصر في الحرب لو لم يهاجم الاتحاد السوفياتي وتفرّغ بدل من ذلك بالانتهاء من احتلال إنجلترا.

انّك لا يمكن أن تحقق أهدافك في الحياة وأنت لا تعرف حقيقة أهدافك وما تتطلّبه من إمكانيات، فالنرجسية المفرِطة والوهم بالعظمة، قد تكون هي أسباب خسارتك لكل شيء، الإنسان ليس إلها حتى يستطيع أنْ يُحقق من تخيلاته جميع أهدافه.

لهذا فإنّ الخيال يبقى خيال من حيث حرية تركيب الصور والوقائع، ولك الحرية في الخيال أنْ تتصور واقعا جميلا ومثاليا، وأنْ تتمنى أشياء غير موجودة على أرض الواقع. ولكن الواقع الفعلي الذي يعيش فيه الإنسان مليئ بالصعوبات والعراقيل، وهو مجال الصراع القائم بين البشر .هكذا، ليس بالوهم والتخيل يستطيع المرء حل مشكلاته، وليس الإنسان محور الكون كما ترى ذلك الفلسفة الغربية. بل، خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الإنسان، وما لا يُعلم عن شساعة الكون يجعل من الإنسان ذرة مهملة لا تساوي شيئا.

ومن الأفكار التي تدعو إلى الخمول والكسل التي تنشرها الكتب الغربية أنّ سر العالم كامن في الإنسان، وأنّه كلما فكرت في هدفك، كلما تحرّك العالم نحوك ليحققه لك، ويُخيّل إليك: أنّ العالم مائدة تأكل منها ما تريد من خلال التركيز على الهدف ببعض الخطوات.

إنّ هذه الأفكار ليست إلا مهدّئات للخيال الإنساني ومسكّنات للرغبة الإنسانية في نزوعها لتحقيق حاجياتها المختلفة. فيحقق القارئ من خلال هذه الأفكار إشباعا مؤقتا في لحظة القراءة، وهي نوع من السِّحر الذي يحوّل حقيقة العالم الفعلية: من ألام، وصعوبات، وعوائق إلى حقيقة سهلة، فبحسبهم أنّ كل مشكلات العالم تزول بمجرد التفكير الايجابي بمعزل عن دعاء الله.

إيّاك نعبد وإياك نستعين

الشباب في مقتبل العمر تسحرهم وتجذبهم أفكار التنمية البشرية وخاصة قانون الجذب. وهذا طبيعي أنْ يتأثر الشباب بهذه الأفكار، حيث تكون طموحاتهم بلا حدود وتكون إرادتهم في عنفوانها، فينجذبون إلى مثل قانون الجذب الذي ملخصه: كن مريدا ويأتيك كل شيء. وهو يعبر بلا شك: عن طموحات كل شاب في العالم.

لكن شخصيا بعدما عرّفتني الحياة على تجارب قاسية ومريرة، وبعد أنْ عرفت أنّ الحياة ليست مجرّد مائدة يأخذ منها من يريد ما يشاء، أدركت حقا أنّ إرادة الإنسان وعقله لا يكفيان لمجابهة الأمواج العاتية التي تحملها مشكلات الحياة. وليس بمقدور إرادته لوحدها تحقيق طموحات المرء.

وتيقنت أنّ العالم لا يستجيب لك بمجرّد أنْ تتخيل أو كما تريد أنت، فليست هذه إلا نظرة من يعتقدون أنّ الوجود بلا خالق، وأنّ العالم هو الأوّل والآخر. فمن يؤمن بقانون الجذب يعتقد شيئا فشيئا أنّ هذا العالم لا يحكمه شيء، وأنّه خاضع فقط لأفكارنا. لكن الإيمان بهذا القانون سيفقد معه الإنسان الطمأنينة والأمان والراحة النفسية التي لا نجدها إلا في الإيمان، بأنّ هناك رب للعالم يتحكم فيه، ينصر الضعيف والمظلوم ويستجيب دعوة المضطر.

والكثير من الناس راحوا ضحية لهذه الممارسة الخرافية: فتمنوا وطمحوا وأرادوا بكامل قوتهم وتخيلوا أنْ تتحقق جميع أحلامهم، وطموحاتهم. ولكن مع ذلك لم يتحقق منها شيء. فالعالم الذي اعتقدوا أنّه يستجيب لهم لم يستجب. كما أنّ أعداء المسلم من شياطين الإنس والجن سيجدون له ممرا وقدرة على التمكن منه إذا آمن بمسلماتهم بالاعتقاد أنّ العالم هو الذي يحقق المطلوب بمجرّد أنْ تجذبه بأفكارك. هذه الفكرة لا يحبذها إلا الملاحدة والزنادقة والشياطين وتؤازر من يؤمن بها. فالمؤمن بالله لا يعتقد بربوبية الكون. بل إنّ الله هو خالقه ومدبره.

الإرادة الإنسانية لا تحقق مرادها إلا بالاستعانة برب العالم. وهو الله الذي هو رحمن رحيم، وهو الذي نعبده للاستعانة به في قضاء شؤوننا كلها. فعندما تؤمن بأنّ العالم ينجذب لأفكارك ويحقق طموحاتك فأنت هنا تربب الكون، وتجعله إلها يُعبد بدون أنْ تشعر. فعندما تمارس جذبه فأنت بهذا المعنى أو ذاك تدعوه خِفية وتعبده. ولكن حتى ولو مارست هذا الجذب لساعات طويلة، فلن يحقق لك مرادك، وما تعتقده أنّه تحقق من خلال الجذب، ليس إلا تحيزات من عقلك، وتأكيدات مزيفة منك على إثبات هذا المبدأ، لأنّك تنسى المرّات الكثيرة التي لم يستجب فيها لك.

وبدل أنْ أمارس الجذب ومختلف الخرافات الأخرى عليّ أنْ أثق في الله رب العالمين ليحقق لي جميع طموحاتي، فالعالم جامد غير حي. بل هو مجرّد ظواهر كونية سخرها الله ليسير عليها، وهي غير عاقلة لا تبالي بأحد، أمّا الله فهو الحي القيوم يقول للأمر: كن فيكون.

معرفة الحياة بواقعية وبتفاصيلها هي أساس النجاح المرء ومنها: أنّ الإنسان كائن ضعيف، كما أنّ العالم مليء بالأخيار والأشرار بالآلام بالمفاجآت بالمصائب بالصعوبات. هذه هي النظرة الواقعية التي يُغيِّبها مدربو ومؤلفو كتب التنمية البشرية. فهل يمكن أنْ ينجح المرء دون أنْ يعرف حقيقة الواقع والحياة؟

ثم بعد، لسنا لوحدنا، بل هناك الله الواحد، الأحد، الصمد، خالق الوجود. فإذا كانت إرادتي تفعل ما تشاء، فأين هي إرادة الله التي تعمل في الكون؟ وإذا افترضنا أنّ كل واحد من البشر يريد أنْ يُحقق السعادة والمال والسلطة والشهرة. فهل يُحقق كل هؤلاء أهدافهم؟ وكيف يُصبح العالم إذن؟ سيحدث: أنْ يتحوّل إلى ساحة صراع وحروب لتعارض المصالح.

والمسلم لا يستطيع عن طريق الجذب والتفكير الايجابي أنْ يحقق أهدافه، بل إرادته تبقى قاصرة عن تحقيق مطلوباته إلا إذا استعان بالدعاء مثل: "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ". ولتسهيل أموره يستعين بدعاء: " اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً ". فدعاء لله والتوكل عليه هو الذي يجذب إلينا أهدافنا بتقدير الله لمصلحتنا. والحق أنْ نعرف العالم بواقعية دون تسهيله وتمييعه كما تفعل ذلك كتب التنمية البشرية التي تعتمد على أفكار التخيل والجذب. كما يجب أنْ نعرف أنّ للإنسان رسالة يجب أنْ يؤديها وهي عبادة الله مع تحقيق أهداف دنيوية تعينه على ذلك.


  • 1

   نشر في 09 يوليوز 2023  وآخر تعديل بتاريخ 30 أبريل 2024 .

التعليقات

حنان حسن منذ 10 شهر
صحيح بارك الله بكم
المشكلة حقيقة لم تعد في مجرد كتاب السر أو غيره إنما بدأت تنتشر في نطاق أوسع لدى بعض المتعالمين والمتصدرين والذين لا يملكون علما فلا يجدون ما يتشدقون به سوى ترديد هذه الأفكار البالية والخرافات والتي لم تنفع حتى البيئة التي ولدت بها، هؤلاء ممن يدعون بأنهم خبراء الطاقة والتنمية البشرية، أنصحكم بالمرور على مقالات ومقاطع الأستاذ أحمد دعدوش في اليوتيوب وفيسبوك فقد توسع في فضح هذا التوجه وهذه الأفكار.
0
وحيد خليل
شكرا بارك الله فيكم

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا