"الحروف لا تخلد صاحبها بقدر صمته عند ذروة المهزلة"
الصمت هو شفرة إلهية خص الله بها بعض عباده لينأوا بعيداً عن المشاحنات والجدال الذي لن يقود لشيء سوى أنه سيعود إلى نقطة البداية آخذاً معه مسارات ومتاهات فارغة برعاية سلاحهم الوحيد ألا وهو الصراخ!وحدهم المترفعين عن الحرف الأجوف الذين يجدون في صمتهم هبة واختصار القول رجاحة، وهؤلاء في الغالب يكونون منبوذون إثر طباعهم الغير مألوفة، فلم يعتادوا على حب الظهور وإبراز الذات أو التصفيق لكل شخص ناجح قد مر من هنا، فالنجاح لديهم له معايير أكثر نزاهة!
منذ سنين كنت متواجدة لحضور زفاف أحد أقاربي في قريتي الأم، وأثناء ضجة الزفاف والفرحة شعرت باختناق مفاجئ كأن المكان قد تقلص بي و أنني سأتحول إلى كائن صغير لا يُرى، فهرعت فوق سطح المنزل تاركة عيناي تجوب منظر الحقول في إجلال، والسماء التي كانت تتزين حينها بألوانها البهية في استقبال الغروب، هدأت أنفاسي ورحت أتنفس بعمق شديد كأنني أتنفس لأول مرة، ثم شعرت بنفسي وهي تبحر نحو أفق لا متناهي.. نحو نشوة غريزتها الهدوء و خليلها الصمت..
فعرفت حينها لأول مرة أن للصمت غواية ولغة، حيث عرف كيف يجذبني نحو أكثر الأشياء التي تميل إليها نفسي، الهدوء الذي تكونت من ذراته.. العزلة التي هي مخبأي ومأمني.. عزف الناي الذي أجد فيه ضالتي.. والظلام الذي لولاه لما توغلت حيث النور الإلهي. ثم أدركت أن وحده الصمت الذي سيبقى.. وحده العدم الذي يستكين ويتساوى فيه كل شيء.
لكن للصمت ضرائب عصيّة الدفع، حيث سيتحتم على الشخص بتر جزء من كل حواسه لأننا في مجتمع اعتدنا فيه على إجهاض آلامنا و كبتها عن طريق الحديث والثرثرة، ورغم ذلك هناك فئة من الناس يفضلون الغرق في صمتهم و صراعاتهم الخاصة بهم، فهم يعرفون قواعدها وكيفية ترويضها. ينقصهم فقط الهدوء الداخلي، لأن عادة الناس لا يرحمون ذوات الطباع المختلفة. فلندع أي شخص صامت وشأنه، يكفي الضجيج الداخلي الذى بالكاد يظهره كشخص طبيعي يحاول الوصول إلى محطته سالماً.
_ ولاء عطا الله
-
Walaa Atallahكاتبة ومدونة مصرية.
التعليقات
"
صَدِيْقِي قَالَ لِيْ يَوْمَاً يُعَاتِبُنِي
لِمَاذَا أَنْتَ كالتِمْثَالِ أَحْيَانَا !!
.......................................
تُطِيلُ الصَّمْتَ حَتَّى تَبْتَغِي فَلَكَا
من الأَفْلَاكِ تَأوِيهِ وَتَنْسَانا
.........................
أُطِيلُ الصَّمْتَ لا لِلْصَمْتِ أَعْشَقُهُ
وَلكِنْ فِيْهِ دُنْيَا غَيْرُ دُنْيَانَا
.......،،،،،،..............
نِدَاءٌ مِنْ وَرَاءِ الكَوْنِ أَسْمَعُهُ
فَيَبْعَثُ في حُطَامِ النَّفْس ِ إنْسَانَا"
.............................................
فلندع اي شخص يعشق الصمت في صمته ... اجد نفسي في كلماتكِ واتمنى لكل من يعشق الصمت ان يتمسك به كونه حياة اخرى لا يفهمها الا من يعيشها ..
الصمت عملة نادرة و الهدوء شغف الصامتين.
كلمات عميقة تلامس شغاف القلوب.