مفارقات - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مفارقات

  نشر في 24 أكتوبر 2016 .

ما زالَ الواقع الذي أسكنه مُتخلّف ومختلف, فبينَ أن يكون قادر على إثبات نفسه بمبادئه الحقّة وقواعده الثابتة ألا أنه يهرب من بيئة العمل إلى حياة الترف والبذخ التي تكاد تقتل حقاً مواهبه.

فمن السبب يا تُرى في ذلك؟

أن هذا السؤال يعرف إجابته كل من في جعبته الحقيقة, ولكن من الناس من يعترف بها ولا يخاف لومة لائم, ومنهم من ينكرها وكأنها مُحرّمة ولا يجوز البُداءة بها.

فمن منّا قادر على الإفصاح الصريح الذي يهدف إلى مُناقشة المسائل والمبادئ بأسلوب أقرب إلى احترام الرأي منه إلى رفضه والدعوةُ عليه واتهامه, لذلكَ وقع خلل في فكرنا الذي لم ندعمه بالأركان الصحيحة ونقوّيه بالثوابت التي لا تتزعزع أبداً, فالمرحلة التي نحنُ في طريقها تكاد تكون ضعيفة بما آلت إليه وما خلّفته من شوائب وأخطاء نتجت جرّاء الاجتهاد الشديد والانحياز له.

فوقع الخبط في مسائلنا التافهة والتي لا مأخذ منها إلا بالظاهر من الأمر, ولكننا وضعنا باباً مسدوداً أمام كل فكر حادث أو معرفة يُراد بها النفع من حيث الحاجةُ لها, فما نفع أحاديث العاطفة ورسائل الغفران وصحف توبة الإنسان.

فالواقع الذي أتحدّث عنه هو واقع الخروج على كل شيء فلا هناك حديث يردعُ عن فعله ولا دليل يقبل الظلم إلا الظالم نفسه, فمن وافق على الاسترشاد وقصد بذلك هدي بنى آدم إلى سُبل الرشاد فهو في زمن السراج لا زمن الصراع والتنازع الحاد.

أن المشكلة التي نواجهها حقاً هي نفسها التي نعلم بها قطعاً, فكل منّا علِمَ ذلك وأدرك ما هو الخطأ الذي أوقعنا في ما ليسَ لنا بهِ مصلحة مطلقاً, فصرنا كمن دخل البحر على ألواح خشب غير ثابتة, ونحنُ نسير منّا من علِمَ ذلكَ ومنّا من لم يعلم فمن أينَ إذاً بدأ الخطأ؟

قال الشاعر:

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة

 

وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ

  

أنا أعلم جيداً أننا من أمة يشهد لها واقعها السابق شهادة حق ثابتة ثبوت أعمدة السماء, فنحنُ كما قال الشاعر:

منْ مَعْشَرٍ سَنّتْ لَهُم آباؤهُمْ

  وَلكلِّ قَومٍ سُنَّةٌ وَإمَامُها

  

ولكن ما الذي حدثَ فعلاً كي نكون غير وافين ولا مستحقّين أيضاً, فالواقع خير مثال على ما نتكلّم عنه فهو يشرح كل شيء من البداية حتى ما هو الآن.

هل أقول أننا نعيش واقع نائم؟ أم أننا لم نستيقظ بعد من هذا النوم العميق, والذي يكاد يكون نومة أهل الكهف, أنني أعرف جيداً أننا نمرّ في مراحل متأخرة جداً عن السباق الذي تسير فيه الأمم, وكأن هذا السباق لم يكن نحنُ أول من بدئه, ولكن ما السبب الذي جعلنا نتخلّف عن الجميع ونقف نُشاهد دونَ حراك, ومن السبب في ما نحنُ فيه الآن, أكانَ هذا من الحُكّام! أم أنه الاجتهاد الذي خرجَ به رجال الدين إلى حيث شددوا أمره وعاقوا فعله مما جعل السبيل إليه طويل وشاق والبعد عنه ترياق تقدّم وحضارة.

أنا أعلم أنني أتكلّم دونَ دقة ولكنني أحببت أن أخرج هذا الفيضان الذي بداخلي على هذه الورق, فالصحيح مما قلت سيكون ثابت, والخطأ سوف يتم تصحيحه والرد عليه, هكذا هي الحياة في صراعها الدائم ودورتها التامة التي تختلف بزمانها ومكانها باختلاف الحياة.

فمن يقرأ التاريخ فإنه سوف يجد فيه الإنجازات والإحباطات بل والفادحات, هكذا هي الحياة دائرة تدور حول مركزها.

قال تعالى{ وتلك الأيام نداولها بين الناس }

ما زلنا كما وصفنا الكثير ممن عرفوا بذلك ما نحنُ به الآن من خيبة أمل واضطراب فكر, فكان الواقع هو الشاهد الذي وقفَ أمام محكمة الحقيقة ليقول الحق بصوت سمعه من أراد وتجاهله من استكبر عِناداً منهُ وجحود, فلم يكن المُبشّر الذي بشّرنا بالنصر, وإنما كانَ المُخبر الذي قالَ الموت.

تلاشت صور كثيرة في هذا الواقع, وأختفى بعضها عبثٍ, وطُمسَ الآخر منها ريبةٍ ورياء, لم تكن الأمة قادمة, وإنما كانت تنحو منحى الهدم والزوال, لذلك وقعت في شر ما جهلت, فكان الأمر الحاتم أن تتيقظ ولكنها غفلت عن القائم, بينما ذهبت تترف في ما لذّا وطاب, ناسيه حملها الثقيل, وسيفها الصقيل, بينما غرقت في الترف حتى فسد العقل بداء الخرف.

ما زلنا نسير في طريق غير واضح, وكأننا بذلك نتخبط تخبط العشواء, لا نعلم إلى أينَ نحنُ ذاهبون؟ ففي كل مرة يتم فيها الأمر نرجع عنه, وكأننا أدركنا الضياع ولكن لا – بل وقعنا في فخ الاتباع, لم نكن قادة إلا في أول الأمرِ وصدره, ثُمَّ بعد ذلكَ خابت آمالنا وذهبت أحلامنا أضغاث, فقد قال الشاعر:

وكانوا يرَوْنَ الدائِراتِ بغيْرِهِم

  فصار عليهم بالعذابِ انتِقالها

  

لم نعُد نبحث عن الأفضل, وإنما صرنا كمن يود أن يكون الفضل لهُ دونَ غيره, وكأننا لا نشترك في شيء, ولا تجمعنا أصول ثابتة البتة, فكل ما صار بالأمس بستان جميل أصبحَ اليوم الشيء الذي يُريده الكل؛ بل ويريد أن يملكه له دونَ غيره, فقد أقول أننا كالذي يحمي غيره لا للأمان فقط, وإنما للمصلحة وغاية ما وراء ذلكَ أكبر, فقد قال الشاعر:

وراعي الشاة يحمي الذئب عنها

 

فكيف إذا الرعاة لها ذئابُ

  

كل منّا يريد أن تكون صفحته بيضاء, ولا يريدها ذات بقع سوداء, وكأنه ملكٍ نزل من السماء, مخلوق من نور لا طينٌ لازب, فالأمر الواقع فينا أهو الغرور! أم الثناء الفاحش والذي لا وجه حق فيه إلا البطلان والافتراء.

فأنا لستُ من سكنت القصور, ولا أملك آلاف الدراهم والدور, وإنما من أسرةٌ متوسطة تعيش بحالٍ ميسور.

فلسنا إلا تراب من تراب, فلماذا هذا الكِبَر ؟ فلا بالعلم بلغنا غاية الدنيا, ولا علمنا أنَّ خير الزاد زادُ الآخرة, فنحن كالمتناقض بين الشيء وغيره, فلا الذي اخترناه صحيح, ولا الذي سرنا عليه ثابت؛ بل ما زلنا مُتنازعين كالخصمان اللذان اختلفا في الأحقّية, أهو اختلاف الزمان! أم الأفكار أو الرجال الأحرار؟ قال الشاعر:

ذهب الذين يُعاشُ في أكنافِهم

 

وبقِيتُ في خلَفٍ كجلد الأجربِ

  




   نشر في 24 أكتوبر 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا