الفكرة القومية ... - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الفكرة القومية ...

أساس الدولة الفاشلة والمجتمع المضطرب ...

  نشر في 23 مارس 2019 .

يمكن للقارئ الكريم أن يستحضر معي في بداية المقال نموذج جنوب السودان الذي انفصل عن الشمال منذ حوالي عشر سنوات تقريبا من عام 2010 م تحت عنوان الجنس الأفريقي المتمايز عن الشمال العربي , لا يستغرب المواطن العربي اليوم حين يعلم أن الجنوبي اليوم نادم على فكرة الانفصال عن الشمال لا لأن الدول الأقليمية والقوى العالمية الضامنة لانفصال جنوب السودان في هدوء خذلت جون غرنغ ولم ترى في الجنوب السوداني مجرد كيان خادم للسياسة الامبرالية الغربية بل لأن الجنوب نفسه الأفريقي ليس متجانس القبائل والفكرة الافريقية فتحت على هذا الكيان الوليد مزيدا من التشققات والتصدعات داخل هذا المجتمع الوليد . 

ويمكننا استحضار النموذج السوري والعراقي قبل الغزو والتركي كذلك في التعامل مع القضية الكردية حيث قاربت كل من الدول الثلاث فكرة الدولة في اطار الفكرة القومية سواء  تلك العربية منها أو الطورانية التركية , لم تلبث تلك الفكرة سوى أن أنجبت في رحم المجتمع نقيضها الذي تفجر في وجه تلك الدول على شكل حزب العمال الكردستاني ونشاطه المسلح عام 1984 م حيث شهدت تلك الفترة اشتباكات بينه وبين الدول الثلاث تركيا وعراق صدام وأفرعه في الحسكة في شمال سوريا . 

ويمكننا أيضا استحضار مثال ايران التي تتكتم عن حجم التعداد العرقي لغير القومية الفارسية خصوصا منها البلوش في ولايتي سيستان بلوشتان  والعرب في ولاية خوزستان المطلة على الخليج العربي , ولا يستغرب القارئ أن الهجمات الأخيرة على معسكرات الحرس الثوري الأيراني في منطقة زهدان ترجع في خلفيتها لشعور أبناء تلك المناطق جنوب ايران للتهميش والظلم . 

وفي نظر معاكس لو نرى أقليم كردستان اليوم والذي يتمتع بنوع من السيادة المحلية في الادارة بعد نظام المحاصصة في العراق نجد أنه ليس على وفاق مع حكومة بغداد بسبب مشكلةمدينة كركوك على وجه الخصوص والتي تعتبر فسيفساء تجمع بين القوميات الثلاث العربية والكردية والتركمانية حيث أرادت ادارة الأقليم طرد القوميات الأخرى من المدينة لحساب الكردية عن طريق توغل قوات البشمركة فيها أثناء المعارك مع داعش , كما أن قوات حماية الشعب الكردية في سوريا قامت بعمليات تهجير ممنهج ضد التركمان والعرب من القرى في شمال سوريا والتوسع على حسابها وهو مادفع الجيش التركي للتدخل في الشمال السوري من جديد , لتتحول المظلومية القومية للأكراد التي يفترض أنها هي التي دفعت الى قيام تلك الكيانات السياسية والعسكرية في تلك المناطق الى مبرر لظلم قوميات أخرى تشترك معها تاريخيا في جغرافيا تلك المناطق . 

وهنا ينبغي للقارئ الكريم التساؤل عن جوهر الفكرة نفسها - القومية - لا مجرد تلك المخرجات السياسية التي عرضناها في جغرافيا الشرق الأوسط ومنطقة القرن الافريقي والتي ينبغي أن نستحضرها لسياقنا الشمال الأفريقي لا لكون هذا السيناريو حتمي الوقوع في منطقتنا بل لأخذ الحيطة والحذر الواجب كون القانون التاريخي عبر العصور يثبت تأثر المغرب بالمشرق حتى قبل الميلاد , ففي عصر العولمة الثقافية وتوحش الغرب الامبريالي وقوة شبكات التواصل وسيلان المعرفة والمعلومة  سيكون استنساخ النماذج أولى من ذلك التاريخ القديم فلا بد من موقف للتأمل . 

أسس بناء الدول في التاريخ البشري 

الانسان في تاريخه القديم والمعاصر بنى النظم الاجتماعية له على أسس مختلفة منها الأساس القبلي ومنها الديني ومنها الأثني - القومي - وهناك بعض المجتمعات بنت نظمها على أساس الولاء المطلق للسلالات الحاكمة بغض النظر عن انتمائها العرقي - كالصين مثلا حيث حكمتها سلالة التشين المنتمية لعرقية الهان وسلالة السوي المنتمية للعرقية المنشورية وهكذا - أما في العصر الحالي فالنظم الاجتماعية تبنى على أساس  المواطنة , وهنا نحيد النقاش عن الأسس الأخرى خصوصا منها الديني وأساس المواطنة ونركز على الأساس القومي الذي ارتبط في تاريخ الانسان بالمعنى الأثني وكان يمكن له أن يتخذ أبعادا أخرى ثقافية وفكرية لكنه لم يبرح أن بقي معنى يربط الانسان مع أخوانه من بني الجنس الواحد , ذلك الجنس الذي يفترض أنه تجمعه لغة واحدة أو لهجات متقاربة . 

هذه الفكرة في نشوء الدول وتطورها لو افترضنا صحتها في سياق تاريخي معين قديم كان فيه  الوعي البشري غير قادر على التفكير خارج اطار القبيلة أو العنصر الأثني فهو اليوم لا يصلح والتاريخ يشهد أن كثيرا من النزاعات المعاصرة ذات خلفية  أثنية محضة بحيث لم يعد الوعي الانساني يقبل فكرة السيطرة عليه وفق منطق الانتماء الأثني الذي جعل هذا ينتمي للتوتسي وهذا ينتمي للهوتو - كما حصل في الحرب الأهلية الرواندية - وجعلت هذا ينتمي لأثنية التاميل وهذا ينتمي لأثنية الهنود - كما حصل في جزيرة سرلينكلا جنوب الهند وهذا ينتمي لأثنية الصرب والأخر ينتمي للكروات أو البوشناق - البوسنة - وهذا ماحصل في جمهورية يوغو سلافيا سابقا , أثبت التاريخ المعاصر والقديم أن فكرة الولاء على أساس القومية تؤدي في الغالب اضطراب المجتمع خصوصا في حالات المجتمعات الفسيفسائية المتعددة الأعراق والأثنيات واللهجات والثقافات . 

الفكرة القومية وماجنته على الشرق 

أقول ان فكرة ربط الدولة بالجنس الغالب أوالسائد في الرقعة الجغرافية أو الاقليم يجعل فكرة الدولة فكرة عدمية - تحمل في فلسفتها بذور الفناء -  حيث انها تؤسس لنزعة اقصائية للثقافة واللغة والنمط الحياتي المختلف مع الأغلبية - مثلا الأغاني واللحن الكردي كان ممنوعا بقوة القانون في الاعلام السوري والتركي في فترة الثمانينات والتسعينات - حتى مع التشديد على الطبيعة العلمانية لتلك الدول وهو ما عزز شعور تلك الفئة الكردية بالمفاصلة عن بقية مكونات المجتمع السوري والتركي لكنها لا تفكر خارج الاطار الذي كانت تتعامل به الدولة في تلك الفترة بحيث هي نفسها اليوم كونت كيانا يعتبر فاشلا بسبب أنه معاد لمحيطه رافض له ثقافيا ونفسيا ولو يراوغه سياسيا ولنا في فشل الاستفتاء الأخير الذي أقيم في أقليم كردستان بغضط أقليمي خير دليل على التناقض الذي يعيشه اليوم الكيان الكردستاني كونه النقيض لكل من الكيانين التركي الطوراني الأتاتوركي والعروبي البعثي السوري لكن للمفارقة فهو يشترك معهما في الأساس الذي أقيم من أجله فهو كيان أثني كردي رافض للكيان الأثني العربي والتركي لا أكثر .  

وفي جنوب اليمن نرى فشل الشمال في احتضانه بعد الوحدة مما حدى به للعودة لمطلب الانفصال من جديد لكن هذه المرة مع دعوات للمزيد من الانفصالات الأثنية في اليمن فهناك الحضارمة - شعب حضرموت في اليمن - يريد تشكيل كيان مستقل بنفسه بالموازاة مع كيان الجنوب وعاصمته في عدن وكيان شمالي بعاصمته صنعاء فهذه شعوب تشترك في أثنية واحدة - العربية -  مع اختلاف بسيط من ناحية الثقافة واللهجات , فهل نأمن تكرار هذه النسخة في الشمال الأفريقي تبقى الأجابة للقارئ الكريم . 

أكتفي بهذا القدر من استحضار النماذج من الشرق لمحاولة ايجاد حلول لبعض الأطروحات في الغرب , هل نحن نحتاج فكرة القومية للتبرير والحفاظ على القدر الخاص من الهوية أم أنها - أي القومية - خدعة للترويج لخطة اضطراب المجتمعات وفشل الدول . 

هل يمكن أن تقدم القومية مشروعا جامعا لأبنائها فضلا عن غيرهم أم أنها مجرد لحظة عاطفة كامنة في الضمير الجمعي لهؤلاء المهمشين عبر التاريخ والجغرافيا تستغلها القوى العالمية والأقليمية لتفجير الأوضاع لا أكثر داخل هذه الكيانات السياسية المثقلة بالفساد والاستبداد والتخلف والاقصاء . 

هل يمكننا نحن في الغرب تحكيم الحكمة والرشد التي لطالما عرفنا بها واتخاذ القرار الصحيح بعفوية ودون كثير فلسفة في الوقت المناسب  , هل سنستنسخ نموذجا فاشلا جديدا في الشرق هنا في الغرب أم أننا سنتجاوز فكرة القومية الى ماهو أفضل لشعوبنا جميعا مع الحفاظ على خصوصية كل فئة داخل هذه الشعوب الفسيفسائية , أترك الجواب لقلبل الأيام مع الثقة التامة في وعي الشعوب الشمال أفريقية وضميرها الجمعي المرن والذكي والله الموفق . 


  • 1

   نشر في 23 مارس 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا