هكذا يكون الإيثار
حسن غريب
~~~~~~~~
في حجرةٍ صغيرة فوق سطح أحد المنازل , عاشت الأرملةُ الفقيرة مع طفلها الصَّغير حياة متواضعة في ظروفٍ صعبة ... إلا أنّ هذه الأسرة الصغيرة كانت تتميَّزُ بنعمةِ الرِّضا وتملكُ القناعة التي هي كنزٌ لا يفنى، ولكنّ أكثر ما كان يزعجُ الأمّ هو سقوط الأمطارِ في فصل الشتاء؛ فالغرفةُ عبارةٌ عن أربعة جدران , و بها بابٌ خشبيّ , غير أنّه ليس لها سقف، وكان قد مَرَّ على الطِّفلِ أربعُ سنواتٍ منذ ولادته لم تتعرَّض المدينةُ خلالها إلا لزخاتٍ قليلةٍ وضعيفة, إلا أنّه ذات يوم تجمَّعت الغيوم وامتلأت سماءُ المدينة بالسُّحبِ الدّاكنة ... و مع ساعات الليلِ الأولَى هطل المطرُ بغزارةٍ على المدينة كلِّها , فاحتمى الجميعُ في منازلهم , أما الأرملةُ والطِّفلُ فكان عليهم مواجهة موقف عصيب. نظرَ الطِّفلُ إلى أمِّه نظرةً حائرة و اندسّ في أحضانها , لكنّ جسد الأم مع ثيابها كان غارقًا في البلل ... أسرعتِ الأمُّ إلى باب الغرفة فخلعته , و وضعته مائلاً على أحدِ الجدران , وخبَّأت طفلَها خلف الباب لتَحْجُبَ عنه سيل المطر المُنْهَمِر. فنظر الطِّفلُ إلى أمِّه في سعادةٍ بريئة , و قد علَتْ على وجههِ ابتسامة الرضا. و قال لأمِّه : ماذا يا ترى يفعلُ النّاسُ الفقراء الذين ليس عندهم باب حين يسقط عليهم المطر ؟! لقد أحسَّ الصَّغيرُ في هذه اللحظة أنه ينتمي إلى طبقة الأثرياء ... ففِي بَيْتِهِم باب :) ما أجمل الرِّضا ... إنّه مصدرُ السَّعادةِ و هدوء البال , و وقاية من المرارة والتَّمرُّد و الحقد.
-
حسن غريبعضو اتحاد كتاب مصر عضو نادي القصة بالقاهرة عضو أتيليه القاهرة للفنانين والكتاب عضو نادي القلم الدولي