هل فكرت مرة بإنسان بلا مسؤوليات؟ هل يمكن أن تتصور نفسك في حل أية مسؤولية في الحياة؟ كيف يكون شكل الحياة حينئذ؟
إن حياة خالية من المسؤوليات هي أشبه شيء بمدرسة بلا وظائف وتكاليف، لا يشعر فيها التلاميذ بأية إلتزامات، كيف تسير عملية الدراسة فيها، وكيف يمكن تحقيق النتائج المرجوة؟ كيف يمكن تمييز العامل من الخامل والمنتج من المتقاعس؟ فمجرد التفكير بالحياة الفارغة التي لا يجد فيها الإنسان إنسانيته من خلال كونه مسؤولاً يجعلنا نشعر بالدوار والعبث والفراغ، لأنّها تصبح عند ذاك حياة الغرائز المنفلتة.
انك حين تعيش المسؤولية في البيت فإنك تعيش الإلتزام الأخلاقي إزاء الأسرة، فللأب مسؤولياته تجاه أولاده وزوجته، وللزوجة مسؤوليات إزاء زوجها وأولادها، وللأولاد مسؤولياتهم إزاء الأبوين وإزاء بعضهم البعض، وإذا تحللنا من ذلك وتنصلنا عنه تزعزعت أركان الأسرة وتصدعت، فلا يعود هناك أب يهتم بشؤون أسرته ولا أُم ترعى مصالح أبنائها، ولا أبناء يشعرون بوجوب الإحساس للوالدين.
هل فكرت يوما أن كل شئ أنت عليه أو ستكون عليه معتمدا عليك؟ تصور فقط! أنت فيما فيه بسبب ما انت عليه.. كل ما لديك في حياتك موجود بسببك، بسبب سلوكك وكلماتك وأفعالك، بسبب أن لديك حرية للإختيار ولأنك اخترت كل الظروف في حياتك، أنت مسئول عن كل نجاح وفشل، كل سعادة وتعاسة، مسئول عن حاضرك وعن مستقبلك.
هذه الفكرة تماثل قفزة بالمظلات: تبعث على الخوف والإثارة في نفس الوقت هي أحد أكبر وأهم فكرة من الممكن أن تحدث لك أو لغيرك.. تحمل المسؤولية الشخصية هو ما يفرق بين الناضج والطفل، هو قفزة إلى النضوج.. والمسؤولية هي علامة الإنسان العامل والمتكامل في قمة حالاته.. المسؤولية تسير متوازية مع النجاح والإنجاز والحماس والسعادة وتحقيق الذات.. وهي أقل احتياجات تحقيق أي شئ في الحياة.. قبولك لمسألة أنك مسؤول مسؤولية كاملة عن نفسك ووعيك بأن لا أحد سيأتي لنجدتك هو أول خطوة في طريق تحملك لمسؤولياتك.. هناك القليل جدا من الأشياء التي لا تستطيع فعلها أو الحصول عليها بعد قبول أن "إذا كان مقدرا له الحدوث فالخيار لي"!.
عكس تقبل المسؤولية هو البحث عن الأعذار ولوم الناس ولوم الأشياء التي تحدث لك في حياتك، وبما أن كل شئ نفعله هو من قبيل العادة، إذا اعتاد الإنسان البحث عن الأعذار هو يعتاد في نفس الوقت تجنب المسؤولية.. إذا استطاع هذا الإنسان أن يضع هدفا لنفسه فهو يرفقه فورا بعذر احتياطي في حالة صعوبة تحقيق الهدف أو احتياجه لقدرات ذاتية أعلى أو مثابرة أكثر مما كان يعتقده، وبمجرد أن تسير الأمور بضعف تخرج الشخصيات الغير مسؤولة بأعذارها لتحافظ على مظهرها أمام الناس ولكن هذا الأسلوب لن ينفعها على المدى الطويل.
عزيزي القارئ: كلما توليت مسؤوليات أكثر كلما كنت أكثر تحكما كلما كنت أكثر حرية لأن لديك حرية أن تتخذ قراراتك بنفسك.. إن أسعد الناس في العالم هم الذين يشعرون براحة تجاه أنفسهم وتلك هي الصفة التي تتولد تلقائيا مع تقبل المسؤولية الكاملة عن كل جزيئة في حياتك.. وفي حياتنا ترى انماطا كثيره من الشخصيات الغير مسؤولة التي تصل إلى درجة أنها لا تستطيع أن تجلس أو تسير دون أن يساعدها أحد، يقول توماس زاز وهو عالم تحليل نفسي كبير أنه لا يوجد شئ اسمه الجنون ولكن هناك درجات متفاوتة من التنصل من المسؤولية.
ويجب أن نعلم جيداً أن الشخص الغير مسؤول معرض بشكل كبير إلى الغضب والعدوان والخوف والكره وكل أنواع المشاعر السلبية، لذلك فإن المشاعر السلبية مرتبطة باللوم 99% من إجمالي مشاكلنا موجودة لأننا نستطيع أن نلقي باللوم على آخرين سواء من البشر أو الظروف أو ما إلى ذلك، ولو توقفنا لوهلة عن ذلك وتحملنا مسؤولية مشاكلنا لإنتهت جميع المشاعر السلبية التي نعاني منها.
إذا أدركت أنه بإمكانك خلق تعاستك الشخصية، يصبح من المعقول أيضاً أن تقبل أنه بإمكانك خلق سعادتك الشخصية.. إن هذا المفهوم محيّر بعض الشيء لكنه سبيل للقوة في الحياة.. السؤال ليس هل أنت مسؤول عن تجاربك في الحياة؟ بل السؤال هو: هل تعتقد أنك سبب كل تجاربك في هذه الحياة؟ هل أنت سبب ردود أفعالك لكل شيء يحدث معك ولك؟
• تحمل المسئولية يعني ألاّ تلوم أحداً أبداً على أي شيء تفعله أو تمتلكه أو تشعره "أبداً"؟.. أنك حين تلوم أي قوى خارجية أو أي شخص على أي من تجارب حياتك، فأنت حرفياً تتخلى عن كل قوتك وتسلمها لهذه القوى أو هذا الشخص وبالتالي تخلق الألم والعجز (الشلل) والاكتئاب. ولن تتمكن أبداً من السيطرة على حياتك. عندما لا تتحمل المسئولية وتلقيها على الآخرين أو الظروف تجعل نفسك في حالة ألم متواصل وبالتالي تقلل من قدرتك على التعامل مع الخوف في حياتك والتغلب عليه.
• تحمل المسئولية يعني عدم لوم نفسك.. قد يبدو هذا متعارضاً، لكنه ليس كذلك، يعتبر هذا للبعض أكثر صعوبة من عدم لوم الآخرين، فما أن تصبح واعياً بأنك قد خلقت الكثير من تعاستك، فأنت تميل لمعاقبة نفسك والإقلال من قيمتك "ها أنا أدمر حياتي مرة أخرى"، "أنا لا فائدة مني، متى سأتعلم؟".
من المهم فهم أنك فعلت دائماً أفضل ما لديك، بناءً على الشخصية التي كنتها في أي وقتٍ من أوقات حياتك، والآن أنت تتعلم طريقة جديدة للتفكير، ويمكنك البدء في فهم واستيعاب الأشياء بطريقة مختلفة ومن المحتمل أنك ستغير الكثير من تصرفاتك.. فلا يوجد احتياج على الإطلاق لأن تكون متضايقاً ومستاءً من سلوكك في الماضي أو الحاضر أو المستقبل.
ببساطة أستطيع القول أن كل خبرة وتجربة في الحياة هي جزء من عملية التعلم، عملية نقل نفسك من الألم إلى القوة، وهذا يأخذ وقته.. لذا يجب أن تكون صبوراً مع نفسك، فلا يوجد أي احتياج على الإطلاق لأن تقلل من شأنك، فلا شيء "غلطتك".
نعم، أنت سببت التعاسة لنفسك، لكن هذا ليس سبباً لإلقاء اللوم عليها، فأي شيء يبعد عنك قوتك أو متعتك يجعلك ضحية.. فلا تجعل من نفسك ضحية لنفسك، لكنك ببساطة في طريقك نحو إشباع أعظم للذات، وهي عملية طويلة من التجربة والخطأ.
• تحمل المسئولية يعني أن تكون واعياً "أين ومتى".. لا تتحمل المسئولية حتى تتمكن في النهاية من التغير، وفي ذات مره روت احدى المشاركات في برنامج تدريبي قائلة: "أخذت سنين قبل أن أدرك أن المكان الذي كنت ألعب فيه دور الضحية أكثر من أي وقت آخر هو مع الرجال في حياتي.. أذكر العديد من الأوقات التي قضيتها في الشكوى لساعات لا حصر لها مع صديقاتي حول الحزن الذي يسببه لي الرجال الذين في حياتي. لكني لم أكن أتحمل مسئولية حياتي، كنت أتوقع من الرجال الذين في حياتي أن "يجعلوني سعيدة"، وتعلمت أخيراً أنه يوجد شخص واحد فقط في العالم يستطيع أن يجعلني سعيدة، وهذا الشخص هو "أنا"! من السخرية، أنني من خلال هذا الإدراك فقط استطعت ولأول مرة في حياتي، أن تكون لي علاقة مغذية ومشبعة رائعة.
على سبيل المثال، أم تشتكي من أبنائها إذا سألت نفسها بدلاً من هذه الشكوى لماذا وصل الحال إلى ذلك لوجدت أن الأبناء يفعلون ما هو انعكاس لتصرفها معهم من البداية والحل ليس في الشكوى ولكن في البحث عن السبب ومعالجته من الأم نفسها.. لو أن الإنسان سأل نفسه عن سبب الأحداث الخارجية لوجد أن الكثير منها إنعكاس لشئ فعله أو يفعله، وسيكتشف أنه بالفعل مسئولاً عن قدر كبير مما يحدث من حوله بعد أن أضاع وقته يلقي باللوم على الآخرين.
إذا كنت تمر بمشاكل علاقة زوجية سيئة فمن الذي زوجك؟ ليس من المعقول أن احدهم صوب إلى رأسك مسدسا وأجبرك على الزواج.. كان لك حرية الإختيار وإذا لم تكن سعيدا فيجب أن تفعل شيئا حيال ذلك. وكما قال هنري فورد: "لا تشتكي ولا تبرر"، إذا كنت غير سعيد بحالك افعل شيئاً، وإذا لم تكن تنوي فعل شئ لا تشتكي.
هل أنت غير سعيد بوظيفتك؟ هل أنت غير سعيد بالراتب الذي تتقاضاه نظير عملك؟ هل أنت سعيد بدرجة تحملك لمسؤولية جميع أنشطتك اليومية؟ إذا كانت إجابتك بلا فيجب أن تتقبل تماما أنك المسؤول عن كل شئ في حياتك وفي عملك ومستقبلك المهني والأسري.
لماذا؟ لأنك اخترت كل شئ بحرية، لقد اخترت وظيفتك وقبلت مرتبك وإذا كنت لسبب ما غير سعيد بهما فهو طبقا لك أن تفعل شيئا تجاه تغيير واقعك، سواء كان ذلك باستخدام أفضل لقدراتك العقلية ومواهبك ومساندتهم بالدافع والحماس والنظام وستجني نتائج.
وللأسف يعتقد العديد منا أننا نتحمل مسئولية حياتنا في حين ببساطة لا نكون.. فعقلية "الضحية" ماكرة وحاذقة جداً وتأخذ العديد من الأشكال، إنك بالفعل متحكم ومسيطر على الأمور سيطرة كاملة. فبغض النظر عن الأسباب، أنت تختار بوعي أو بدون وعي (أن تكون في تلك الوظيفة السيئة، وتختار كره حياة العزوبية، وتختار البقاء في هذه العلاقة المدمرة، وتختار أن تدفعك ابنتك للجنون، وتختار تخريب كل شيء جميل في حياتك.. أو أي شيء آخر يمكن أن يكون لك).. من الصعب قبول حقيقة أنك بالفعل السبب في الأحاسيس التي سلبت منك فرحك في الحياة.. فمن المزعج جداً أن تبدأ في رؤية نفسك كألد أعدائك.
وخلاصة لكل ما كنت أقول أنه لو تحمل كل منا مسؤليته في بيته وحياته والمكان الذي يشغله لتمكنا من تجاوز مشكلات كثيره، وحققنا نتائج كثيرة في حياتنا، وشملت السعادة جميع أوقاتنا.. لذا فلنصلح أنفسنا.. ولنتحلى بـ روح المسؤولية في حياتنا .
الدكتور / رمضان حسين الشيخ
-
د. رمضان حسين الشيخباحث في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة ☆ خبير التطوير الإداري والتنظيمي ☆ استشاري التدريب والموارد البشرية ☆ مدرب مهارات الحياة الذاتية وتكوين الكاريزما الشخصية ☆ إستشاري ريادة وتطوير الأعمال.