ماريونيت - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ماريونيت

موتُنا لا يعنى إلا موتك، نبحث عن جسد آخر

  نشر في 12 يوليوز 2016 .


عَلَىٰ صوتُ انكسارٍ هائل فى الداخل، كأنه بيت كامل من زجاجٍ يتحطم ..

عَلِمتُ حينها أن الأوان قد آن، و أنهم قد نصبوا لى جلسة عتابٍ طويلة!..

أكره العتاب ولا أُحب السؤال على احد.. ولكن تلك المرة كان علىَّ الذهاب رُغم أنفى.

ولما ذهبتُ، هالَنِى ما رأيت ..كان العازِفُ غارقا فى بحر من الدماء! على ما يبدو انه قد مَلَّ الرُكود الذى حَمّلته اياه فقرر ان يذهب بلا عودة!

نعم، مذ فترة من الزمن امتزج العازف و المجنون سوياً و أصبحا شخصاً واحداً .. و لكنى أجرمتُ فى حقيهما و لم ادع لهما فرصة ليُنتجا عملاً فنياً ذا قيمة ..

اتذكر نداءاتهما لى كل ليلة! كانت نداءات صاخبة يَملؤها الحماس والشغف، كانا يُريدانى ان اسمع ما يُنتجان من فَنٍ، و لكِنَّى .. كالعادة لم أسمع شيئ.

رفعتُ ناظِرىَّ قليلاً فوجدت اثنين غارقين فى نومهما.. كانا مُلقيان على الارض بجسدين هزيلين ..كأصحابِ الكهف إذ هم نِيام؛ مُرعبين كئيبين..

بالطبع عرفتُهما بسرعة، إنهما ذاك الكاتب الشغوف و الرسام صاحب النظرة اللامعة! ، خطوتُ مُرتجفاً حيثُ يمكُثان و حاولتُ ايقاظهما .. و لكن هبطت على وجهى يَدٌ أعرفها جيداً .. يَدٌ لطالما كتَبَت عن حروب قامت بداخلى.. يَدٌ عاشت لتخفف هَمى .. يَدٌ صَفعتنى للتو.

تركتُهما بخطواتٍ ثابتة إلى الخلف.. كان الحائط مَليئا بالرسومات و الألوان المُتداخلة بجنون و كلمات كُتِبَت بخط اشعَث كَوَّنت لوحة لطفل أجدَب يُمسك بعرائس الماريونِت يُحركها بأصابعه .. لديه عينانِ حمراوتان و بجوار فمه كُتب " موتُنا لا يعنى إلا موتك، نبحث عن جسد آخر "

ضاقَ صدرى و لم يَنطلق لسانى، نعم .. كنتُ انا ذاك الجسد الذى حَوَاهُم طِيلة حياتهم .. كانوا جميعهم يُحركونى .. و الآن يبحثون عن غيرى .. و قفتُ عاجزاً عن التفكير و لم تحمِلنِ قدمى .. انهرت على الأرض باكياً .. كان الظلامُ حالكاً و لكنى سمعتُ صوت احد يتحرك بجوارى ، قلت بصوت خافت :"مَن هُنا؟!"

لم يُجب أحد، كان علىَّ ان اعرف بدون ان أُوقِدَ النُور انه "الصامت" .. كان مُقرفصا ينظُر إلى السماء بهدوء، امسكتُ أصابع يده برفق فأبعدها سريعاً و نظر إلىَّ فى خشونة ..

قلت متنهدا:" ظننتُ انك الوحيد الذى تفهمنى هُنا .. انت الذى كُنت تَصمُت عنى دائما !"

سَكَتَ دهرا ثُم قال بصوتٍ مبحوح " إنا قد هَجرناك و لم نَعُد نطيق وجودك هنا، إرحَل"


حينها وقفتُ على مهل ناظرا الى كل الفوضى التى كنت انا السبب الاول والاخير فيها، لقد خسرتُ الجميع .. كنت اظن انهم يُريدون مُعاتبتى ككل مرة ، و لكن كل من بالداخل رحلوا و ما كان صوت الزُجاج المُنكسر إلا صوت قَلبى المَهجور..

أصبحتُ الآن خاوياً .. ما انا إلا نُسخة باهتة مِنى، كان علىَّ ان اهتم بِى و لو قليلاً، كان علىَّ ان أُحَرِرَ رُوحِى الثائرة و أُلَبى مَطَالبها الحُرة ..

كان علىَّ ألا اكونَ هُنا الآن.


  • 1

   نشر في 12 يوليوز 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا