تعرضنا فى المقال السابق لبعض الدروس المستفادة من تجربة اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر , فكم هى تجربة ثرية للغاية و حرى بكل مصرى الإلمام بها و لذا سنكمل بإذن الله بعض دروس التاريخ لنا لعلنا نتعلم .
الدرس الثالث: إياك أن تنخدع فى المسميات البراقة
كثيرا ما يكون بريق الاسم بريق زائفا ربما ليعوض بعضا من قبح المسمى أو ليخدع بعض السذج فترى "حب مصر" ينهب مصر , و "المصريين الاحرار" ليسوا أحرارا , و "مستقبل وطن" يهدم ذلك الوطن , و هكذا كان الامر أيام اللواء محمد نجيب ويتضح ذلك جليا فى إختيار اسم "الضباط الاحرار" معبرا عن تلك المجموعة من الضباط التى كونت فيما بعد مجلس قيادة الثورة و فى النهاية إتضح أن اغلبهم لم يكن يوما من الأحرار و أن الثورة وئُدت و الحرية نزفت حتى الموت , يقول اللواء محمد نجيب :
"و لا أريد أن أنسب لنفسى ما هو ليس لى , و لكن الحقيقة تقضى أن أقول أننى أول من اطلق عبارة "الضباط الأحرار" على التنظيم الذى أسسه جمال عبد الناصر, و أنا الان أعتذر عن هذه التسمية , لأنها لم تكن اسما على مسمى...فهؤلاء لم يكونوا أحرارا و إنما كانوا أشرارا , وكان أغلبهم , كما اكتشفت فيما بعد من المنحرفين اخلاقيا و إجتماعيا ..و لأنهم كذلك كانوا فى حاجة إلى قائد كبير , ليس فى الرتبة فقط ولكن فى الأخلاق أيضا, حتى يتواروا وراءه, و يتحركوا من خلاله , وكنت أنا هذا الرجل للأسف الشديد"
الدرس الرابع: لا تكن كالاخوان
فى بداية ثورة 23 يونيو 1952 أيد الإخوان ذلك الحراك لتطهير الوطن من كل فاسد – كما حدث أثناء ثورة 25 يناير- ثم بحثا عن مصالح محدودة باع الإخوان زعيم الثورة الفعلى محمد نجيب و وقفوا بجوار رجل الجيش القوى جمال عبد الناصر معتقدين بذلك أن البلد قد دنت لهم بعد أن تم تهميش كل القوى الفاعلة فى الساحة السياسية , و بعد أن أكل عبد الناصر الجميع بينما الإخوان ملتزمين الصمت منتظرين الغنيمة إستدار لهم عبد الناصر و سحقهم سحقا و ألقى بهم فى غياهب السجن , يقول اللواء محمد نجيب :
"لقد كان الإخوان هم القوة المرجحة لفوز إحدى القوتين المتنازعتين فى هذه المرحلة..قوتى ..و قوة عبد الناصر.. وكان على عبد الناصر أن يستميلهم إلى جانبه فإذا ما كسب معركته معى , و سيطر على الحكم استدار عليهم, وتخلص منهم , وهذا ما حدث فعلا, لقد اشتراهم عبد الناصر ليبيعنى ثم باعهم و اشترى السلطة المطلقة, إن خطأ الإخوان فى هذا الموقف كان خطأ أستراتيجيا لأنهم تصوروا أن القضاء على الأحزاب كان لصالحهم بحيث يصبحوا الحزب الوحيد و القوة الوحيدة و لم يدركوا ببساطة حكاية العصا الوحيدة التى يمكن كسرها و مجموعة العصى التى لا يمكن كسرها معا و التى كنا نسمعها و نحن اطفال"
و هنا يتبادر لذهنى موقف حزب النور فى مشهد عزل د.مرسى يوم 3-7 , هل كرر النور نفس خطأ الإخوان أم أنقذ النور مصر عامة و السلفيين خاصة من محرقة كما قال الشيخ الحوينى؟
أعتقد أن الفارق بين مشهد عزل مرسى ومشهد عزل نجيب – مع حفظ الألقاب لكليهما- كبير , فمشهد عزل مرسى كان قد تم بالفعل بقوة الجيش عقب إحتجاجات واسعة خرج فيها الملايين و لم يكن دعم النور لمرسى و جماعته من عدمه ليغير فى ميزان القوة من شىء بل على العكس كانت ستسيل المزيد من الدماء , و بالتالى فإن تدخل حزب النور فى مشهد 3-7 كان هدفه الأساسى تقليل الخسائر على قدر المستطاع و إنقاذ الدولة من إنهيار وشيك و حرب أهلية على الأبواب و فى سبيل ذلك تحمل النور عاصفة غبر مسبوقة من التشويه الإعلامى من قبل الإخوان الذين لعبوا جيدا على وتر العاطفة لدى الشباب السلفى المتأجج بالحماسة , و بالطبع لا أحد ينكر عجز النور الشديد فى الرد الإعلامى على تلك الهجمات المتتالية فى ظل محدودية الإمكانيات المادية التى تكبل الدعوة السلفية و ذراعها السياسى حزب النور, لعل هذا أشبه بخصمين أحدهما ظالم و الاخر مظلوم , الظالم متحدث فصيح يزين الباطل و يزيغ الأعين أما الاخر فهو أبكم , ترى هل تغير فصاحة الأول و بكم الثانى من ميزان الحق والباطل فتقلب - زيفا - الباطل حقا و الحق باطلا؟ أعتقد ان هذا ما حدث مع كثير من شباب الحركات الإسلامية, وعلى كل حال يظل موقف النور موقفا إجتهاديا قابل للنقاش لكن غير قابل للتخوين فضلا عن التكفير .
أما مشهد عزل محمد نجيب - فقد كان الإخوان كما قال نجيب – هم رمانة الميزان التى تستطيع أن ترجح إحدى الكفتين على الاخرى و للاسف رجحت الكفة الخاطئة فدفع الوطن كله ثمن خطأهم
و للحديث بقية إن شاء الله, دمتم فى عافية .