( أنا كده . شخص فوضوي .
مش بعرف أقول كلام حلو . سخيف في ردودي .
مش مهتم بحد . معنديش رغبة في التعلم أو العمل أو مجرد الصحيان بدري حتى .
اللي عايز يتعامل معي يتعامل على الأساس ده . اللي بيحبني بس اللي هيتحملني ) .
أصبحت أسمع هذه الجملة كثيراً من الشباب في الآونة الأخيرة , و أصبحت هذه الجملة مبرراً لهم لفعل أي شيء يريدونه .. أو بالأصح لعدم فعل أي شيء لا يريدونه .. لعدم فعل أشي شيء على الإطلاق ..
فجأة إكتشف جميع الشباب – أو معظمهم على الأقل – أنه لا شيء يستحق العناء , ولا شخص يستحق الإهتمام , و أن هذه الحياة بلا قيمة , و أن الأحلام حتماً ستموت ... إكتشفوا أن العالم لا يليق بهم .. و قرروا إهمال كل شيء كأنهم يعاقبون العالم على عدم إعتنائه بهم .
و لم يتوقف الأمر عند اللامبالاة , بل تحوّل إلى عنف في الفعل و رد الفعل مع الناس بدعوى أن (ربني خلقني كده و اللي بيحبني بس اللي هيتحمّل معاملتي) .
بل حوّلوا هذه اللامبالاة إلى هدفٍ سامٍ و جهاد مُقدّس يريح النفس من شرور هذا العالم .
ولا أنكر أنني قد إعتنقت مبدأ اللامبالاة لفترة من الوقت – فترة دراستي الجامعية – فأهملت كل شيء .. دراستي , أصدقائي , أهلي , صحتي .. و ظننت أن هذا هو الجهاد الأعظم الذي سيمنحني راحة البال التي أسعى إليها دائماً .. و ظللت على هذا الحال طوال سنوات الجامعة حتي وصلت أخيراً إلى ... إحم إحم ... إلى لا شيء .
نعم .. عندما وصلت للشهر الأخير في دراستي الجامعية , إكتشفت أنني لما أحقق شيئاً من وراء جهادي الزائف هذا , بل وجدت نفسي على حافة الهاوية : درجاتي الدراسية منخفضة , علاقاتي بالناس ضعيفة , مهاراتي الشخصية ضائعة .. إكتشفت أن هناك الكثير من الأشياء التي فوّتها على نفسي و لم أفعلها قبل أن أترك الجامعة .
لم أسافر كثيراً , لم أتعرّف على الكثير من الناس , لم أكوّن شبكة علاقات قوية , لم أستفد بالإمتيازات التي يمنحها لي كارنيه الكلية .. لم أفعل شيئاً على الإطلاق .
ما أغربها النهايات , يتذكّر فيه الإنسان ما فاته من فرص ..
قد يقول قائل : أن اللامبالاة تجلب راحة النفس , فراحة النفس في خوائها , و ...
عفوا صديقي لا تكمل أرجوك فهذا كذب محض , النفس لا يمكن أن تكون خاوية أبداً بل هي في حالة شغل مستمر , لذلك جاءت النصيحة الرائعة (نفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية) , النفس ستظل مشغولة دائماً , فالأفضل لك أن تشغلها بما تحبه أنت بدلاً من أن تشغلك بما تحبه هي .
و صدقني اللامبالاة لا تحتاج إلى جهاد كما يصور لك البعض , فقط تحتاج منك أن تضع السماعات في أذنيك و تغمض عينيك عما يحدث .. أما الذي يستحق الجهاد حقاً فهو الإهتمام , أن تهتم بأحبابك , بحلمك ... كما قال مارلون براندو في رائعة الأب الروحي : ( لقد قضيت عمري كله محاولاً ألا أكون لامبالياً) .
لا بأس أن تلقي همومك عن كاهلك لبعض الوقت جتى تلتقط أنفاسك , أما أن تختار اللامبالاة منهاجاً لك و تظن أنك بذلك تريح نفسك من الهموم فصدقني ستعاقبك نفسك بما هو أسوأ من تلك الهموم ...
-
عمرو يسريمهندس مصري يهتم بقراءة التاريخ وسِيَر القدماء. أرى أن تغيير الحاضر، والانطلاق نحو المستقبل يبدأ من فهم الماضي.
التعليقات
وعاصرتها مع احد المقربين ( جدا) منى فادعوا الله ان يهدينا جميعا اخي الفاضل عمرو
مقالك هادف ارجو ان يقرأه كل الشباب مزيد من التالق
لم أكن ادخل المحاضرات ولم أدرس أي مادة دراسية، ودخلت جميع الامتحانات من دون ان أدرس أي كلمة ، كان شعورا رائعا ،
صحيح بأن معدلي كان امتياز و أصبح جيد جدا لكني لم أشعر بتأنيب الضمير لأنني كنت بالفعل بحاجة الى بعض اللامبالاة لتعيد لي الحياة من جديد .
دمت بعافية
دام قلمك أخ عمرو .
بالتوفيق