ما وراء التريند! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ما وراء التريند!

  نشر في 16 يناير 2023 .

صباحٌ جميل ، أجواءٌ هادئة ، سماءٌ تملؤها الغيوم ، ونسمات هواءٍ باردة ، توضأتُ وصليتُ ثم جلستُ لأرتشف أولَ رشفةٍ من قهوتى الساخنة وأنا أتأملُ السماءَ الملبدة بالغيوم التى تحملُ فى أحشائها مياهٍ عذبة على وشك السقوط .

ثم نظرتُ إلى هاتفى وقررت أنْ أتجولَ قليلاً على أحدِ منصاتِ التواصل الاجتماعيِّ، فأتعرف على أحدثِ القضايا التى تشغلُ الناسَ هذه الأيام ، فإذ بى أُفاجأُ بضجةٍ عارمة شملت جميع مواقع التواصل الاجتماعي ، ولكنى لم أعرف سببها .. تصفحتُ قليلًا حتى اكتشفت السرَ وراء هذه الضجة وهى أنَّ إحدى شركات الإتصالات قامت بالتعاقد مع شاب لشراء أغنيته ، وهى عبارة عن أغنية غير مفهومة ملامحها، تحتوى على بعضِ الجملِ الهزْلية، مع خليط مِن الكلماتِ البذيئة مُضافاً إليها بعض حركات الرقصِ المعتوهة ، رُبما يُمكن تصنيفها مِن الأغانى ( الشعبية ) أو ما يُسمى ب ( المهرجانات ) أو رُبما أنَّها حتى لا تَرقى لمِثل هذه الأنواع مِن الأغانى ، فهى أشبه بالتعاويذ !!

فلماذا قد تقوم شَركة بحجم تلك الشركة بالتعاقدِ مع هذا الشاب ودفع تلك المبالغ الطائلة له حتى يتسنى لهم إستخدام أغنيته فى شركتهم ؟! أيسمعون شيئاً لا نسمعه؟! أم أن تلك الأغنية بها سحر يجذبهم نحوَها ؟! ولماذا قد يتعاقدون معه بالرغم من رفض وانتقادِ الناسِ له ؟!

ظلَّت هذه التساؤلات تدورُ فى رأسى ، وأحاطت بى علاماتُ الاستفهام حول ذلك الشاب وتلك الأغنية .

وفى وسطِ تعجُبى وإستنكارى .. إذ بى أجدُ بعض الفنانين والفنانات الكبار والعديد من الشخصيات المعروفة يقومون بغناءِ تلكَ الأغنية بل وتقليد حركاتِ الشابِ كذلك!!

فى هذه اللحظة ، هدأت تساؤلاتى واستكانت ، وأدركتُ حينها أنى قد توصلتُ للحقيقة المُرة ، وهى أننا

( كالأسود التى تجلبُ فأرًا فتُقيمُ له حفلًا ومراسمَ تنصيب وتُلبسهُ تاجَ الملوك ، فإذا ناداهم بالفئرانِ ثاروا وغضبوا ، وإذا أطاعهُ البقية حزنوا وامتعضوا )

بل إننا نطبق هذا المثال بحذافيرهِ فى مجتمعاتنا العربية ، فنروجُ للحماقاتِ و التفاهاتِ ، فإذا ما إنتشرت واعتمدها الناس أسلوباً لحياته!

إن السرَ هنا يكمُن فى وعى الشعوب ، وكيف أنَّ جهل الأفرادِ بكلِ ما هو مفيد وراقى يمكن أنْ يجعل من المجتمع مستنقعٌ كبير يلتقى فيه الجهل بالحماقة !!

فنحنُ منْ نُساعدُ على إظْهارِ الفاسدِ والجاهلِ والمغرورِ والطائش، وإبرازهم للعامة ، بأذواقهمِ الهابطة .. وتصرفاتهمِ المعتوهة .. وكلامهم غير المتزن تحت مسمى (التريند)، بل رُبما تؤدى تصرفاتِنا نَحوهم من تقليدٍ ومكافآتٍ وإستضافاتٍ وغيرها إلى تشجيعهم ودعمهم للإستمرارِ على ما هم عليه ، والإسراعِ فى طريقهم نحو تدمير المجتمع.

وإنى لا أُعفى المسؤولينَ هنا أيضاً من المسؤوليةِ التامة ، فعندما غاب دورُ الرقابةِ على ما يُقدمهُ الإعلامُ للشعوب ، سادَ السفه والجهل ، وباتَ هو ( القاعدةُ العامة والمتفق عليها ).

أما المجتهدونَ والمكافحونَ وأصحابَ الفكرَ السليم فإنَّ مصيرهم هو الإندثار والإختفاء فى مجتمعاتٍ تُعَظِّمُ السفيهَ وتُهَمِّشُ العالِم!!

نتوصلُ مِنْ هذا إلى أنَّ المسؤوليةَ هنا تنقسمُ بين طرفى المعادلة : الحكومات ، والشعوب .

فعلى الحكوماتِ ضرورة الإهتمامِ بالأمثلةِ الحسنة مِنْ أفرادِ المجتمع عامةً ومِنْ الشبابِ خاصةً وجَعْلِهم قدواتٍ يَقتدى بها أفرادُ المجتمع وتحذو حذوها الأجيالُ الجديدة.

بالإضافة إلى ضرورةِ توطيد العلاقة بين فكرة التعليم والتثقف ، وبين المستقبل الزاهر الذى ينتظر المتعلم !

فلقدْ قضى هؤلاءِ الرويبضة على هذهِ الأفكار ، وباتوا يُرَسِّخونَ مبدأ أنَّ الهزل والهِراء هو الطريق الوحيد للشهرةِ والنعيمِ والثَراء، فأصبحنا نرى مَنْ يَبْتاعَ طائرةً خاصة بعد الفقر المُدْقع ، و مَنْ يشترى أغراضه مِن الذهبِ الخالص ، أو حتى مَنْ يهدر الأموال التى حصلَ عليها بغيرِ جُهدٍ يُذكر!!

وعلينا نَحنُ الشعوب أنْ نقضى على هذه الأمثلة أولًا بأول حتى تَفنى ولا يَعُد لهَا وجود فى المجتمع وأنْ نُدركَ جيداً أنَّ ليس كُلَ ما يُسمى (تريند) هو بمثابةِ فرض يجبُ على المجتمع إتباعهِ وتقليده ، فإنَّ الأجيالَ الجديدة لَتُهدم بسببِ العديدِ مِن العواملِ والتى يُعدُّ أبرزُها : الترويجُ للسخافاتِ وليس فقط ظُهورها ، بل أنَّ الترويجَ لها يُعدُّ هو السلاح الفتاك الذى يودى بحياة المجتمع ، أما إذا أماتها الناس بالتجاهل ، فسيكونُ مصيرُها الإندثار والإختفاء ، إنَّ ما وراء (التريند) ما هو إلا هَدمٌ للمجتمعِ وتفتيت لنظامِ الأسرة وتدمير لكلِ القيم والمبادئ السامية ... وإنِّى لأتعجبُ أشد العجب ممن يُساهم فى تَكاثُرِها ثُم يَمتَعِضُ عِند صُعودِها إلى القِمة وسُكونِها فى وِجدان المجتمع والعملِ على تأخُرهِ وتَراجُعه .

فَأمِيتُوا البَاطلَ بالسكوتِ عنه!



   نشر في 16 يناير 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا