الاعتقالات السعودية.. خطوة جريئة وشجاعة..

هيام فؤاد ضمرة..

جاء قرار التوقيف بحق ثلة من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال السعوديين بمثابة الضربة الصادمة، تسع وأربعون شخصية بارزة بين أمراء ووزراء ورجال أعمال كبار أوقفوا بأمر من ولي العهد محمد بن سلمان رئيس لجنة الفساد، مبعدا مسألة أن هناك من هم فوق القانون يختفون خلف مراكزهم وأسماءهم، وكأن لسان حاله يقول كونوا من تكونوا إنما أنتم مسؤولين عن أعمالكم، وينتظر من هذه الوجبة من الاعتقالات أنها سوف تعيد للخزينة ما قيمة ستة مليار دولار، رقم خيالي مما بخرته أيدي المتهمين المتنزهين الآن في أفخر فندق في الرياض هو بمثابة القصر، سجن يليق بمراكز شخص الفاسدين لكنه من الجانب الآخر لا يليق بفسادهم، فهم من سرق مال الدولة مما هو حق المواطنين الفقراء، وما أكثرهم في المملكة العربية السعودية، كان بإمكان هذه الأموال أن تؤدي دوراً عظيماً في رفع قيمة خدمات المناطق في دولة ثرية فاسدوها يسرقون المال العام بمبالغ خيالية أرقامها تدير الرؤوس أيضاً..

فهل ستمر العملية مر الكرام في بلد حصّن أصحاب المراكز والأمراء ومنحهم مزايا فوقية أم سيتبعها حملات توقيف ووجبات ترحيل أخرى؟.. وهل سيسكت بقية الأمراء أم سيتحسسون رقابهم قبل أن يهوي سيف الحق عليها؟.. تقول وثيقة التوقيف أن الأمر متعلق بالتحقيق حتى يتبين الحق ويحدد من هو المتورط فعلا من غير المتورط، ومن هو الذي سينفذ وتتبدد من حوله الشكوك ، فهل ستمر أسماء من تحت قوس الشكوك إلى خارج فندق الحجز الفخم؟..

والعملية استقدمت أشخاص من خارج المملكة لتستوفي حقها منهم رجلا الأعمال الأمير الوليد بن طلال، ورئيس وزراء لبنان رفيق الحريري.. وهل ستسكت دولة لبنان ورئيس وزرائها يواجه الحجز والتحقيق في دولة أخرى وقد تم عليه فرض الاستقالة لإلا يتم الاساءة لدولة لبنان نفسها، فكيف سيكون الموقف لو ثبت أن رئيسها قدم الرشاوي، ومارس عمليات غسل الأموال، واستغل سلطته لأي دور غير مشروع؟

البعض ينظر إلى العملية التصحيحية هذه بعين الشك، ويضع الاحتمالات ويبرز التحليلات التي ما زالت غير مستندة إلى واقع مدعم بالأسانيد والتبريرات، فمنهم من يعتقد أن ولي العهد يحاول كسب قلوب مواطني مملكته الذين عانوا من احتكارات الأمراء والمتنفذين بالمملكة ومنعوا عنهم حقهم بالصفقات والعقود الانشائية الضخمة، وهناك من رأى بالعملية برمتها حركة مخطط لها لتكميم الأفواه ومنع أي شكل من المعارضة أمام ما يجري من تغييرات في المنطقة بعد زيارة ترامب، وما يمكن أن يفعله ملك شاب شهم (على ما سيصل إليه بعد والده) من اتخاذ اجراءات تصحيحية في بلد عرف تقليديا بمقاومته للإصلاح والتغيير داخل مملكة لم تعرف من الملوك إلا العجائز المترهلين الذين يتأرجحون على مداخل قبورهم

من المؤكد أن الشعب وعلى الأخص جيل الشباب بعد تجاوز حالة الصدمة يشعر بالسعادة في داخله حين يتساوى الجميع أمام القانون وتضرب الدولة بيد من حديد على أيد من ارتكبوا المخالفات في حق المال العام، أن تسقط التحصينات عن الأمراء والوزراء والمتنفذين هو غاية ما كان المواطن السعودي يطلبه، إنه فعلاً بات ينظر للأمر بكثير فخر رغم قوة العملية وجرأتها وقوة إرادة ولي العهد فيها، وكان نفذ الأمر بشكل مباغت بعد ساعات من اتخاذ القرار، وتم جلب الوليد بن طلال بطائرته ورئيس وزراء لبنان الحريري بحراسه ليفاجأوا بما كان ينتظرهم من لحظة هبوط طائراتهم أرض مطار الرياض وانفتاح أبوابها، خطوة أكثر من جريئة وغير مسبوقة يمكنها أن تكون بمثابة القدوة لملوك ورؤساء تعاني بلادهم بقوة من تسلط يد الفاسدين على ميزانية الدولة حتى بلغت مديونياتها أرقاما خيالية وساهمت في إفقار شعوبها المغلوب على أمرهم الذين يغالبهم القهر وفي داخلهم يتهيأون للتمرد

لولي العهد السعودي تطلعات كبيرة لرفع شأن المملكة والتخلص من تشويهاتها وارتقاء أوضاعها بالشكل الحضاري المأمول، وقد سارع إلى إطلاق برنامجا اقتصادياً طموحاً بعنوان (رؤية 2030) قبل عام ونصف، أي بعد فترة قصيرة من تولي والده سدة الحكم.. وتهدف الرؤية إلى تحديث المملكة وتنويع اقتصادها، حتى لا يكون مرتكز اقتصادها قائم على النفط فقط وهي وجهة نظر بعيدة المدى اتخذ لها قرار إنشاء مدينة كبرى جديدة تطل على البحر الأحمر وبها ميناء تجاري ضخم بتكلفة 500 مليار دولار، لكن التراجع المستمر في أسعار النفط أسقط المملكة في ضائقة مالية جعلها تعاني في تحقيق التوازن في الميزانية العامة، مما أدى بالتالي إلى تجميد المشاريع وتوقيف العقود، وصار لزاما على المملكة اتخاذ قرار رفع امتيازات المتعاقدين في الوظائف المهمة من باب ترشيد النفقات، فتزايدت معدلات البطالة في المملكة ما تسبب في حالة قلق بين جيل الشباب وبدأوا يظهرون تململهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي على الأخص تويتر، وصار لزاما اتخاذ مواقف شجاعة قبل الوصول لانفجار شعبي قد يطيح بالمملكة وأمنها وقد كانت حالة الاستياء الشعبي ظاهرة من سيطرة الأمراء والمقربين منهم على ثروات البلاد منذ عقود طويلة مما جعلهم هرمين بالايغال في مسائل الفساد

الشعور العارم لدى الجميع أن العهد القادم يبشر برؤية واضحة ونشاط عظيم وأن مبادرة ولي العهد تضع الأمور في نصابها الصحيح وتخلق حالة من الارتياح والنظرة الايجابية للمستقبل

العيون كلها اليوم باتت تتوجه نحو السعودية وبرنامج إصلاحها الجريء ولم يعد يخلو يوم في المملكة من ملاحظة تطورات دراماتيكية سريعة برتمها وتقدمها لكنها لها مؤثرات عميقة على دول الجوار العربي، شعب المملكة سعيد جداً ومرتاح للتطورات الايجابية التي بات يشهدها ويشعر لأول مرة بحالة الانطلاق وفق استراجية اصلاحية نافذة المفعول أقل ما يمكن قوله أنه تجري داخل السعودية ثورة إصلاح عظيمة يقودها ولي عهد شاب، وأن سرعة التغيير تؤكد مدى قوة التغيير حين يأتي من أعلى

واضح أن البعض من المتشائمين ينظرون للأمر على أنه ثورة مجلجلة تهز أرضية الثبات، ولا أظنها إلا نظرة قاصرة لا تحتمل حجم الشجاعة والقوة حين يلتقيان ويسيران معاً في ثبات نحو القمة.. كل الموقوفين الآن في حالة صدمة فلم يتوقعوا يوما أن يأتي من يحاسبهم ويضع حدوداً لتغولهم على الأموال العامة وتعريض المملكة للنكبات الاقتصادية وفي البنية التحتية للمدن

البعض غالى بالتهويلات حد التشاؤم ووصف هذه المواقف بالقاسية والخطيرة والجبرية والارهابية والمثيرة للنعرة القبلية العصبية، وهو قول غير مسؤول على أبسط تقدير لا أظنه ذي تأثير على أمن البلاد والشعب هو المرتاح حقيقة