ما الذي أوقعنا في غياهب الضياع وسحبنا عن سبل المعالي؟
نشر في 22 مارس 2020 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
بين الثرى ، والثريا ، مساحات كبيرة شاسعة ، يتجلى فيها الفرق واضحا بينا ، كتجلي الشمس في كبد السماء.
وبين العلا ، والدنا ، خيط رفيع رقيق ، يشتبه على الرائي ، فيصعب عليه تمييز عناصره ، وغربلة دقائقه.
ما الذي قادنا إلى تلك المشتبهات ، وأبعدنا عن الحقيقة الواضحة الجلية ؟
وما الذي أوقعنا في غياهب الضياع ، وسحبنا عن سبل المعالي؟
أول سبب لذلك ، مرده إلى "اليأس" ، يمضي أحدنا في سبيله ، حتى إذا واجه عراقلا اقتضتها سنن الحياة الكونية ، تسلل الفنوط إلى قلبه ، فأفقده بوصلة الطريق ، وأحاله إلى الفتور بعد الهمة ، والخمود عقب العزيمة ، ولولا رفعه لسقف التوقعات ، وعيشه في أجواء المثالية ، لأدرك أن الحرب سجال ، يوما نساء ، ويوما نسر!
" لَا تَقْنَطُوا ".
ثم تأتي " العجلة" ، واللهفة نحو رؤية النتيجة في أسرع وقت ممكن ، مما يؤثر سلبا على قيمة الجهد المبذول ، ويقلل منه ، ويخطئ في ترتيب خططه وتنظيمها ، استعجالا لإنهاء الرحلة ، ولو علم صاحبنا أن كل آتٍ قريب ، وأن اللهفة لا تعيد شيئا ، وأن العمل المتقن المبدع خير ألف مرة من العمل المستعجل ، لفهم معنى أن يكون الإنسان صادقا ، مخلصا في عمله ، ولو كلفه ذلك من وقته الكثير ، لأن قليلا دائما خير من كثير منقطع.
ويليها "غياب الصدق" ، لأن معيار النجاة في كل مجال مهما كان ، هو " الصدق" معه .
نصدق في عملنا ، فننجزه تاما متمما على أكمل وجه ، ونعطيه الوفت كله ، وكلما كنا "صادقين" فعلا ، كلما زاد الصبر ، وقويت العزيمة ، وقل الالتفات إلى طول الطريق!
" قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ "
ثم يأتي " التسويف " ، ذلك العدو اللدود ، الذي يحيل كل ساعٍ إلى التقاعس والكسل ، وفقدان الثقة بالنفس ، فيملي عليه التأجيل المتكرر إلى أن يستسلم صاحبنا أخيرا ، ويفقد صلته بالخيط الذي كان يربطه بمعنى "العمران" و" العمل" و"السعي" ، وينفصل انفصالا واضحا عما خلق له ، وهيء من أجله.
" فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ ".
ثم يقبل " حب الراحة" كي يحكم الأغلال على الهمم العالية ، حتى ينادي منادٍ : " فاتك المجد يا حليف الوسائد!"
" وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى".
ويفسر لنا "عدم الرضا" دوامة الشتات التي نوقع فيها أنفسنا ، وعلامات السخط على كل منحى لا يوافق المنحى الذي رسمناه في أذهاننا ، فيغيب فن التعامل مع التغيرات ، وفن إدارة المشكلات الطارئة ، ونقع في غياهب الضياع نتيجة لعدم "رضانا" بما قدر لنا ، ثم استسلامنا الفوري بعد ذلك!
عند كل عثرة ، نهوض ، وبعد كل موت ، ولادة جديدة!
" حقا إن لكم في الجهاد وتحمل المشاق راحة كبرى ، وإن الذي يملك فطرة حساسة ، راحته في السعي والعمل".
-
ريحان مرغم" أحاول أن أترك أثرا بمداد من قلم". ما زلتُ أمضي والطريقُ طويلةٌ ومشاعلي محدودةُ الومضاتِ