قراءة في مشهد كركوزة الاعلام.
نشر في 05 ديسمبر 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
.
لبست السذاجة عقولنا ..وافترشنا بساط التصديق وبتنا مسلِّمين و مستسلمين ومستهلكين لكل ما يروجه إعلامنا المحلي والعالمي من أخبار وأقوال وآراء في مجالات متعددة ،تجند لترويجها خبراء ومتخصصون في التدجين ،وسياسة التضليل والإلهاء ،كل ذلك خدمة للحكام،وأصحاب السلطة ،والمصالح المادية .
وقد اصبح هذا النوع من الإعلام الموجه يلعب الدور الأبرز في تشكيل الرأي العام وتكوينه، فبفضله تنشأ حركات اجتماعية أو تندثر، وتبسط وتخفف بعض الأزمات الاقتصادية، وتٌبرر الحروب، ويتم تأجيج وإشعال الخلافات بين الأيدولوجيات المختلفة كما يتم فيها نشر الخلافات وفضح أعراض الناس وخصوصياتهم .
واعتقد ان هذا النوع من الإعلام يستمد وجوده وقوته من حقيقة بادية للعيان تتعلق بضعف المتلقي وسذاجته، ونقص في تحصينه بآليات التلقي الناقدة والمُنقدَة. . وهي آليات تُعرس وتُربى من خلال التعلم والقدوة والممارسة .. لكنها وللأسف شبه منعدمة في مجتمعاتنا العربية المعاصرة ،بحيث أن محيطنا الأسري والتعليمي المعاصر قد فشل في غرس ثقافة النقد البناء في نفوس الناشئة ،وعجز عن رفع اجيالها إلى قمة النظر الثاقب، والفهم اللبيب، فكانت النتيجة هي أن هذا النوع من الإعلام الفاسد قد اصبح يمرح على صفحات جرائدنا دون حياء ، ويتناسل بسرعة وكثافة على المواقع التواصلية الحديثة .وللاسف فالجمهورالمتفاعل في اغلبه يصدق، ويصفق دون ان يدقق أو يقارن ويعاين .
وقد أعجبني في هذا الصدد ما كتبه الناقد
والمفكر “نعوم تشومسكي”، في معرض اجابته على سؤال بخصوص(، كيف يؤثر الإعلام في نفوسنا ؟)
فكان جوابه شموليا ومقنعا من خلال بلورة عشر استراتيجيات يسلكها الإعلام الموجه لإحداث تأثيرات نفسية ، وعلى راسها تعزيز ثقافة الغباء والتغابي .
وقد استند تشومسكي في كشفه لتلك الاستراتيجيات إلى “وثيقة سريّة للغاية” يعود تاريخها إلى مايو 1979، وتمّ العثور عليها سنة 1986، و تحمل عنوان: “الأسلحة الصّامتة لخوض حرب هادئة “، وهي عبارة عن كتيّب أو دليل للتحكّم في البشر والسيطرة على المجتمعات. ويمكن الرجوع إليها للاستفادة أكثر . وساستدل بواحدة من تلك الاستراتيجيات المتعلقة بالأعلام :
1-استراتيجية الإلهاء: تقول حسب ما جاء به تشومسكي في الوثيقة :(حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية ،والهوه بمسائل تافهة لا أهمية لها. أبقُوا الجمهور مشغولا، مشغولا، مشغولا دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير، فقط عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى.”)
المرجع “أسلحة صامتة من أجل خوض حروب هادئة”.
نستنتج من هذا التخطيط الصامت أن عنصرًا أساسيًا في التحكم الاجتماعي هو إلهاء انتباه العامة عن القضايا والتغييرات الاجتماعية الهامة بموضوعات صغيرة تحددها سلفا النخب السياسية والاقتصادية، من خلال تصدير كم كبير من الإلهاءات والمعلومات التافهة.وهذا المشهد هو ما نعيشه على صفحات جرائدنا المغربية وعلى شاشات التلفاز ومواقع التواصل من أخبار باهتة تافهة دون الوقوف عند القضايا الهامة والمصيرية المتعلقة بالحكم والتسيير والتدبير والمحاسبة والحقوق والتربية والتعليم والصحة و..و و.. وما دام الوضع كذلك فهذا يعنى أن معالم الوصول الى بر الكشف والمكاشفة عن الحقيقة المنشودة لا زالت طريقها بعيدة .
ذ محمد خلوقي
المغرب / مراكش بتاريخ 4/12/2016
التعليقات
الإلهاء بدوريات الكرة والالهاء بأخبار الفنانين والالهاء بأشياء كثيرة أخرى.
طرح قضايا تافهة في البرامج المحلية بدلا من طرح حلول لمشاكل جوهرية مثل سوء المنظومة التعليمية عندنا او سوء الخدمات الصحية في المشافي الحكومية.
لكن السؤال هنا. ما هو الحل ؟ ماذا على الشعب فعله حتى لا يذهب إلى المزرعة مع باقي القطيع. ؟ هل نستطيع فعل شيء على أرض الواقع يعاكس ما يريدون؟!