كيف لحاكم أن يموت مرتين..!
الحق والحقيقة والعدل هم أساس التوازن الكوني والضمانة الوحيدة لانتظامه، وهي أشياء لا أظنها كانت في حسبان هذا الحاكم يوماً ما.. لهذا وإحقاقاً للعدل، سنعرضه اليوم على ميزان "ماعت"، وسنختار 13 فقط من أصل 42 سؤال في محاولة لإدراك نقاء قلبه من عدمه، وليظل الحكم أولاً وأخيراً للشعب..!
نشر في 07 مارس 2020 .
بقلم/ محمد أحمد فؤاد
يؤمن أصحاب الديانات السماوية بقاعدة الحساب والعقاب، وبأن الله سيحاسب الإنسان على أعماله يوم ما، بالطبع مع إختلاف تصورهم لطبيعة وماهية وتوقيت هذا اليوم.. كذلك آمن المصريون القدماء بنفس المبدأ، وبحسب المعتقد المصري القديم شديدة البساطة، فيجب أن تتم عملية وزن أعمال الميت في الدنيا عن طريق وضع قلبه في إحدى كفتي ميزان، وتوضع في كفة الميزان الأخرى ريشة ماعت "آلهة الحق والعدل والنظام في الكون"، فإذا كانت الريشة أثقل من قلب الميت، فيعني هذا أن الميت كان طيبا في حياته وعلى خلق، فيأخذ ملبسا جميلا ويدخل حديقة الجنة ليعيش فيها راضياً سعيداً، أما أذا كان قلبه أثقل من الريشة فمعنى هذا أنه في حياته كان جباراً عصياً، وعندئذ يُلقى بالقلب وبالميت إلى حيوان خرافي يكون واقفا بجوار الميزان فيلتهمه هذا الحيوان على التو، وتكون تلك هي النهاية الأبدية..!
محمد حسني مبارك حكم مصر الفترة من 1981 وحتى 2011، وهي فترة من واقع معايشتي لها وبحسابات شخصية بسيطة أحسب أنه قد غاب عنها الكثير من ملامح الرقي الأنساني والعدالة الإجتماعية لأسباب عديدة لن نخوض فيها هنا لأن ليس هذا هو الغرض من المقال.. هنا سأحاول فقط إثبات أن الحاكم قد يموت أخلاقياً وهي نهاية مفجعة يتبعها حتماً حسابات كثيرة ونتائج وربما إجراءات، أو قد يموت إكلينيكياً وتلك هي نهاية طبيعية لأي كائن حي وليس لنا كبشر في هذا من تداخل أو اعتراض.. لهذا قررت بكوني أحد الناجين من عصر الرئيس مبارك "الحاكم"، والذين ثارو عليه كطاغية مستبد، وأسقطوا قناعه الزائف الذي ارتداه قرابة ثلاثين عاماً من الحكم الشمولي الديكتاتوري- بأن أقوم بالنيابة عن ملايين المطحونين بمحاكمته على طريقة ميزان العدل "ماعت" وبحسب الأسطورة المصرية القديمة، فإذا استقام الميزان عبر الرجل إلى الفردوس، وإذا اختل الميزان سقط قلبه ووقع المحظور..!
هالني مشهد الجنازة وسرادق العزاء لما تضمناه من متناقضات صارخة وإهدار لثوابت قانونية ودستورية، وما جاء على أثر هذا من إدعاءات وإنقسامات وسجال غير موضوعي عبر وسائط التواصل الإجتماعي بين مؤيدين ومعارضين، ومحاولات مستميتة لقلب الحقائق وتزييف التاريخ لا أدري لصالح من..؟ ناهيك عن عودة ظهور أفاقين من مختلف الصنوف، وأبرزهم متسولي الشهرة والجاه والمكانة الإجتماعية عن دون إستحقاق.. لذا أظن أن شئ من الخيال سيكون مسموح.. ولا أحسبه جريمة سيعاقب عليها القانون طالما في حدود اللياقة والأدب، ولنبتعد عن ساحة القضاء العادل التي قضت بحكم نهائي بأن مبارك وأبنائه مدانون في قضية فساد تمس الشرف، وبالتالي فلا أحقية لهم في أي تكريم أو عفو فيما يتعلق بحقوق الشعب والدولة..!
ففي ساحات القضاء، القانون هو القانون، وهو لابد وأن يقف أمام تلك القضايا بين وقائع إثبات وأدلة نفي، وفي هذا يتبع القضاة السبل القانونية كافة لنفي أو إثبات الجريمة على المتهمين مع مراعاة أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته، وقد إستقر لدى يقين القاضي أن مبارك وأبنائه لصوص تربحوا وأساءوا إستغلال مناصبهم وسلطاتهم وليس بعد هذا قولاً أخر..
الثابت لدي أن الرجل طاغية بإقتدار وتبجح، وقد سقط برغبة وبحكم الشعب.. وهو سقوط لم يكن يتوقعه حين قال ساخراً من شعبه ورعيته: "خليهم يتسلوا..!" وكانت تلك هي لحظة وفاته أخلاقياً بالنسبة لي ولملايين أخرين وأد هذا الرجل كل فرصة لاحت لهم لصناعة مستقبل أكثر وضوحاً وإحتراماً مما لدينا الأن.
هكذا توفى مبارك للمرة الأولى، وتلاشت أحلامه في الاصطفاف مع من خلدهم التاريخ بعد الحدث الجلل الذي هو ثورة يناير 2011 المجيدة رغم أنف الخونة والمرتزقة المشككين في نقائها وطهارتها.. وبخروج الشعب المصري بكامل طوائفه في جميع أرجاء الوطن بهتاف "إرحل"..! فهل يستطيع أن ينكر هذا المشهد كائن ما كان..؟ الحق والحقيقة والعدل هم أساس التوازن الكوني والضمانة الوحيدة لانتظامه، وهي أشياء لا أظنها كانت في حسبان هذا الحاكم يوماً ما.. لهذا وإحقاقاً للعدل، سنعرضه اليوم على ميزان "ماعت"، وسنختار 13 فقط من أصل 42 سؤال في محاولة لإدراك نقاء قلبه من عدمه، وليظل الحكم أولاً وأخيراً للشعب.. ملحوظة: الأسئلة تعبر عن واقع معاناة ملايين البسطاء خلال فترة حكم مبارك وما حدث خلالها وربما مازال مستمراً في الحدوث حتى بعد ثبوت وفاته إكلينيكياً..!
المتهم/ محمد حسني السيد مبارك.. مطلوب للإجابة عن الأسئلة التالية أمام محكمة الشعب بكل تجرد وشفافية:
هل امتدت يدك يوماً إلى أخذ ما ليس لك..؟
هل أهملت زرعك وأرضك ومحراثك وقت البذر والزرع..؟
هل لوثت مياه النيل أو أهدرتها أو تسببت في قطع المياه الجارية..؟
هل تجنبت طريق الصواب عندما وجدته محفوفاً بالمخاطر..؟
هل تعاملت في الأسواق بالعدل والأمانة وأقسطت في الميزان..؟
هل تسببت في قيد حرية أحد أو سلبتها منه..؟
هل شغلت عيناك بأمور الدنيا حتى عميت عن أمور الأخرة..؟
هل تعلقت بالدنيا وربطت نفسك بسلاسل من ذهب..؟
هل تسببت في ذرف دموع أحد..؟
هل عف لسانك عن البهتان وشهادة الزور..؟
هل قتلت نفساً بغير حق..؟
هل تبينت أن نهاية كل مرحلة من مراحل حياتك هي بداية لمرحلة أخرى..؟
هل أخذك الغرور بذكائك فعميت عليك حكمتك..؟
إذا استطاع المتهم مبارك الماثل معنوياً أمام محكمة الشعب اليوم - وها هي النهاية قد حلت- أن ينفي عن نفسه الإدانة في التهم المبينة من خلال سياق الأسئلة السابقة بشرط ألا يستخدم إجابته الشهيرة " لا أعرف"..! فانه ربما يستحق شفقة مؤقتة على وفاته الثانية من بعض المغرر بهم في الدنيا.. لكن ما بالنا بالآخرة حيث لا يوجد "المحامي المحنك" ولكن رقيب وعتيد..!
-
mohamed A. Fouadمحمد أحمد فؤاد.. كاتب حر مؤمن بحرية الفكر والمعتقد والتوجه دون أدنى إنتماء حزبي أو سياسي.. مهتم بشأن الإنسان المصري أولاً..!
التعليقات
اسناد مقالك لاسطورة خرافية قديمة احتمال يجعلها ضعفية مسندة لخرافة
سين سؤال يطرح نفسه حسني مبارك
مات واصبح بين يدي ربه
ما الفائدة المجنية من الحديث عنه
تحياتي العطرة