عنف ما بعد العنف
"""""""""""""""""""""""""
هيام فؤاد ضمرة
"""""""""""""""""""""""""
موجع للقلب حد الأنين ما تتعرض له أسرة المغدور جمال خاشقجي من تهديدات تضر بأمنهم وسلامتهم، وكأن الجهاز الأمني في المملكة العربية السعودية لا يكتفي بما تعرض له رب أسرتهم من فجيعة العنف والإرهاب والغدر والقتل الوحشي، ليلاحقوا أفراد أسرته بالوعيد والترهيب حتى يصل بهم الأمر إلى قتل ولده الأصغر محمد جمال خاشقجي في عقر بيته وداخل حرمة غرفة نومه الخاصة، ومن ثم ملاحقة شقيقه ووالدته الذين هربا نجاة بروحهما لاجئين إلى السفارة الروسية في الرياض فيما الأمن السعودي يلاحقهما ويطاردهما كما أفلام المغامرات إلى أن تصدت لهم بالسلاح القوات الأمنية الروسية الموجودة في حرم السفارة لحراسة السفارة، فما أسهل القتل والتصفيات في هذا الزمن الغريب وكأن أرواح الناس ليس يصونها قانون إلهي ولا حتى قانون دول تكفل كرامة مواطنيها، وما أسهل استخدام الترهيب والعنف المؤدي للموت حين يفقد الحاكم زمام السيطرة على رعونة قراراته ويطبقها جهاز أمن لا يعي دوره على النحو السليم ولا حتى حدود صلاحياته.
نجل خاشقجي ووالدته طلبا الحماية من السفارة الروسية وطلبا اللجوء السياسي كون حياتهما كانت مهددة والابن الأصغر لقى حتفه داخل غرفة نومه، وعلى الفور رد بوتين شخصياً بالموافقة ووعد بارسال طائرة عليها خمسون مسلحاً لحماية عملية نقل أسرة خاشقجي المنكوبة، يحملون الأوامر بالقتال إذا اقتضى الأمر وستكون هناك قوة جاهزة للدعم، فالأمور تتطور بشكل لا يقاس لصالح الحكم السعودي وعليه فإن كل هذه الممارسات الخطرة سوف تجر الويلات على نظام الحكم ما لم تراجع مواقفها الانسانية.
واضح أن الأمور اليوم باتت تفلت عن عقالها وتنحى نحو الترهيب بالوضوح الصريح، فماذا لو تجمع الشباب أمام بيت أسرة جمال خاشقجي تعاطفاً مع الجريمة المروعة التي تعرض لها والدهم داخل قنصلية بلادهم في تركيا، فهذا انسان ومواطن له كرامة الانسانية وكرامة المواطنة وليس قط شارد يحوم في الطرقات، ومن الطبيعي أن يجد له في قلوب الناس تعاطفاً وتأييدا تعبيرا عن المشاركة في الأحزان والعزاء،
إن الوصف الذي تكشفه الوكالة الروسية عبر ما التقطته الأقمار الصناعية الروسية يقشعر لها شعر البدن ويجعل شعر الرأس يشيب قبل أوانه، فالرجل خاشقجي الأب استدرج إلى القنصلية السعودية في اسطنبول في موعد ينتظره فيه فريق اعدام مجرم استقدم خصيصاً لهذه المهمة، مكون من عدد كبير جداً من الأفراد يفوق حاجة عملية القتل، ولا يعرف غير لغة الوحوش والعنف اللا إنساني، فكان يكفي رجل مسلح واحد من حراس القنصلية لقتل الرجل برصاصة والتخلص من جثته بطريقة مغايرة تماما لما حصل، لكن الغل بلغ مبلغ المرض والكيد أصاب العقل بلوثة الكراهية فأرادوا لخاشقجي موتاً وحشياً مؤلما للغاية لا يحتمله بشر، حتى أن خاشقجي على ما ذكرت الوكالة الروسية ركع ثلاث مرات طالبا العفو والسماح على أن ينهوا تقطيع أجزاء منه وهو على قيد الحياة قبل أن يذبحوه من الوريد إلى الوريد وينهوا عذابه ليتحول بعد ذلك لأشلاء مقطعة بالمنشار الكهربائي.
ليس بالامكان تصوربأي حالة يمكن لانسان حاقد ناقم أن يتابع عن بعد العملية الاجرامية دون أن تهتز فيه بارقة من إحساس انساني أو حتى حيواني وقد شهدنا حيوانات متوحشة مفترسة تتحول إلى حيوانات رحيمة في ظروف خاصة أنعشت فيها مشاعر الحنو، فما بال الانسان يخرج عن طور إنسانيته ليصبح وحشاً يتلذذ القتل الوحشي الرهيب.
المؤسف حقا هو الموقف الأمريكي وصمت ترامب إزاء خوفه من أن يفقد خططة في حلب مئات المليارات من الدولارات ثمنا لصفقات السلاح لصالح المملكة العربية السعودية، والجميع يوقن أن ما سجلته الأقمار الصناعية الروسية ستكون سجلت أوضح منه الأقمار الصناعية الأمريكية.. فالواضح أن العالم يشهد مرحلة جديدة من فوضى المصالح وعنف السياسيين وجرائم اهل السلطة واصحاب القرار منهم، لكن هذا لا يعني أن تقف امريكا مكتوفة اليدين رغم تصريح ترامب أنه لا يريد خسارة 110 مليار دولار قيمة الفاتورة الجديدة للسلاح المباع إلى السعودية.. وما زالت المقايضات تجري على قدم وساق
هناك غضب دولي على ما جرى وما زال يجري لا أحد قادر على أن يخمن إلى أي الحدود ستستمر الانتهاكات ضد الخاشقجيين وربما ضد مؤيديهم، وضد معارضين آخرين، فحتى الهيئة الأممية خرجت عن صمتها ازاء هذه الجريمة النكراء ووعدت باجراء تحقيق دولي نزيه ومحاكمة أممية عادلة.. فهل القادم من الأيام سيحمل إلينا الكثير من المفاجآت على خلفية هذه الحادثة؟
إن العيش الفاره في سعة من الثراء لأسرة تتكون من 3300 فرد في أبهى القصور وأوسع مجالات البذخ وامتلاك اليخوت والجزر والعربات والمجوهرات في كافة انحاء العالم فيما 90% من شعب السعودية يعيشون بفقر ومحدودية بالعيش بل إن هناك 13 مليون نسمة يعيشون في فقر مدقع وبدائية ساحقة غير مستساغة ولا تلائم دولة بهذا الثراء مما يجعل الأمر غير مقبول بالنسبة للعالم الغربي والإنساني بصفة خاصة وعليه يرون أنه يجب أن يكون هناك اصلاحاً ظاهراً وعدالة أوسع أو تغييرا جذرياً يغير صورة الحكم في البلاد.
ما الذي يخبؤه القدر من جديد لهذه الأمة العربية؟ لأن أي خطر يصيب بلداً عربياً ينعكس سلبا على كل العرب بل وعلى كل المسلمين.. المراهنات والتوقعات ستكثر ويكثر معها التنبؤ على غير ما يحتمله العقل أحياناً، فالمصالح السياسية والاقتصادية والمالية ستكون المتحكم الوحيد في النهاية على حساب الضحايا من أصحاب العقول والأفكار والأقلام.. سنقرأ من جديد عن جرائم انسانية يرتكبها أصحاب السلطة والقرار ففي أيديهم تكمن الرقاب بلا رحمة ولا حتى حساب
رحمك الله أيها المغدور حين غردت قائلا وكأنك تتوقع غربة النهاية "إذا كان الأمير يدفع مليارات ليحصل على حريته، ما الذي سيدفعه معتقل الرأي ليحصل على حريته؟ بل ما الذي سندفعه جميعاً لنحصل على حريتنا" رحماك ربي لقد دفعت يا خاشقجي ما هو أغلى وأثمن من كل المليارات.
-
hiyam damraعضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية