عندما كنت صغيراً فى المدرسة، كثيراً ما كان المعلم يوبخنى فى فصل الرياضيات; كان يستفزه محوى لهامش حل المسائل الرياضية، وبالرغم من صحة إجاباتى فإنه ابداً لم يعترف بها.
أخبرنى مراراً ان هامش المسألة هو عمودها، وان لا جدوى من صحة إجاباتى ونموذجيتها اذا كانت بلا خطوات ودلائل.
مرت الأيام، وأصبحت أنا ما كانت تمحوه يدى، مهمش لا يعترف به احد، مجرد حرف ضئيل على جانب الصفحة، لن يحدث وجوده من عدمه أى فارق، أنا مهمش، أصدقائى مهمشون، عائلتى، ومن ترتطم أكتافى بأكتافهم فى الشوارع والأسواق، نحن مجرد خطوات لإتمام عمليةٍ ما، مجرد أداة.
ما أطول الهامش، وما أسخف هذه الأرقام القليلة التى تعتلى الصفحة.
نحن مجرد صرخة لن يتعدى صخبها ذلك الخط المرسوم، نعترف ببعضنا البعض فيما بيننا، نمجد تضحيات كلاً منا، ولكن خارج إطار الهامش، نحن منكرون، لا قيمة لنا.
مهمشون يواسوا مهمشين، يمشون فى جنائز بعضهم البعض، ينادى أحدهم بحرية الاخر، يناضلون معاً نضالاً سخيفاً، غير مرئى، يركضون معاً بحثاً عن الإنصاف، يُقتلون هباءاً فى سبيل نجاح المسألة.
لا تنفك ان تظهر ملامحنا، حتى تسحقنا الممحاة جميعاً لتترك الصفحة بيضاء نظيفة، كأننا لم نكن، ثم ينفخ هذا الفم القذر المبتسم ليشتت كلاً منا.
ولكن مهما بلغت الممحاه قهراً وظلماً، سيبقى هذا الأثر الذى خلفناه، ليُكتب عليه أسماء من سيعقبونا، أولادنا، وأحفاد أحفادهم.
لن تغدو المسألة صحيحة بدون الاعتراف بذلك الهامش المتكدس، دوره، حقوقه، وضروريته، وحتى ينكسر هذا الخط البغيض الذى يفصل بين المعادلات الكادحة وإجاباتها المترتبة عليها، ستبقى جميع الحروف والأرقام جنباً إلى جنب حتى تحفر فى الصفحات التالية تاريخاً لا يُمحى.
الأمل بالرغم من ثقله، فبإمكاننا حمله. والطريق وإن كان شائكاً عصياً، حتماً سنبلغ نهايته، على أقدامنا، أو على أكتاف رفاقنا، حتماً سنصل، وإن اختفت ملامح الطريق على مد أبصارنا.
فلا يسعنى أن انسى يوم عدت مهزوماً، وكاد يتملكنى اليأس، باغتتنى أختى التى تبلغ من العمر تسعة أعوام بإبتسامة بريئة، لترينى درجتها النهائية فى إمتحان الرياضيات، اعربت عن دهشتها لحصولها على هذة الدرجة، على الرغم من نسيانها كتابة الإجابات النهائية للمسألة. فقط الهامش، يقتحم الورقة!
-
فارس أحمد.أريد الصمت كى أحيا .. ولكن ما ألقاه يُنطقنى.