عندما يصبح الادعاء والزيف نهجا و واقعا (2) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

عندما يصبح الادعاء والزيف نهجا و واقعا (2)

عندما يصبح الادعاء والزيف نهجا و واقعا (2)

  نشر في 05 أكتوبر 2023 .

مهما احتوت الشعارات المرفوعة والبرامج المطروحة من معان سامية ومعلومات قيمة ... ؛ فإنها تفقد بريقها وتأثيرها اذا لم تجد سبيلاً لتطبيقها على ارض الواقع ؛ سواء كان التطبيق على صعيد النخب والقيادات ام الافراد والجماعات او على واقع البنى والاسس التحتية والخدمية والثقافية والسياسية والاقتصادية والحضارية ... ؛ وتاريخنا العراقي حافل بهذه التجارب فهي لا تعد ولا تحصى .

بل طالما تحولت تلك الشعارات والبرامج الى جحيم بفعل الممارسات الخارجية الخاطئة , والتي قد تسبب بسقوط التجربة او الثورة او العملية السياسية بصورة حتمية ؛ ولهذه الظاهرة اسباب عديدة لا مجال لحصرها هنا جميعا , ولعل من اهم اسبابها خيانة العملاء وارتباط الحكام والزعماء بقوى الاستعمار والاستكبار , وتنفيذ اوامرهم واجنداتهم الخبيثة ... ؛ او بسبب جهل وتخلف وعدم تخصص وكفاءة المتصدين للعمل السياسي ... ؛ وقد تسببت تلك الشعارات والثورات والحركات السياسية والحكومات بإحداث جروح غائرة في اعماق نفوس المواطنين , بعد ان استهوت تلك الشعارات والحركات الشباب والرجال وصدقوا بها , وافنوا زهرة شبابهم واعمارهم من اجلها , وبذلوا الغالي والنفيس لتحقيقها على ارض الواقع ... ؛ الا ان جهودهم ذهبت ادراج الرياح , هباءً منثورًا , وتكبدوا الخسائر المادية والمعنوية المتتالية , والهزائم والانكسارات الكارثية المتتابعة ؛ ولا نجانب الصواب ان قلنا : ان من اهم اسباب الخيبة السياسية العراقية , والفشل في احداث التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتنموية الايجابية ؛ جراء الثورات والحركات والتظاهرات والانتفاضات ونضال الاحزاب والجماعات ... ؛ هو إذعاننا المتأصل والتاريخي لكل من ادعى القيادة والزعامة وايماننا المطلق بهم , وتصديقنا بكلامهم وشعاراتهم وادعاءاتهم السياسية والدينية والثقافية ... الخ ؛ وطالما اسفر الحراك الشعبي والنضال الوطني عن نتائج تصب في مصلحة هؤلاء والاعداء , وبعيدة كل البعد عن تحقيق مصالح وتطلعات الامة العراقية ؛ لذا ذهب البعض الى القول : بأن العراق بلا قيادة ... ؛ اذ يرى هؤلاء بأن العراق يخلو من القادة الحقيقيين والزعماء الاصلاء النبلاء ... ؛ واما الذين حكموا العراق سابقا وحاليا فهم مجرد عملاء او مدراء ازمات ليس الا , او انصاف قادة في احسن الاحوال ... .

ولكن للحقيقة والانصاف بلاد الرافدين كانت ولا زالت ؛ ولادة للرجال والقادة , فالعراق لا يخلو من الشخصيات الوطنية والسياسية الشريفة والنزيهة , و اصحاب الكفاءة والخبرة ... ؛ الا ان اغلب هؤلاء تعرضوا للضغوط والتهديدات , وانزوت الدنيا والشهرة عنهم ؛ بسبب رفضهم للإغراءات والتهديدات , والبعض منهم استشهد في سبيل المبادئ والقيم الوطنية والاخلاقية السامية ... ؛ والبعض الاخر من القيادات والزعامات مفككة ومخترقة من قبل المنكوسين والعملاء ... ؛ وقد حقق بعض قادة الاغلبية العراقية الاصيلة مكاسب تاريخية لا تنسى ابدا .

الا اننا نأمل من البعض ؛ التحلي بروح المسؤولية , والتمسك بالهوية العراقية الاصيلة , والشعور بالروح الوطنية , وتقديم مصلحة الوطن والمواطن على المصالح الفئوية والحزبية والشخصية الضيقة ... ؛ ومن الشواهد التاريخية العالمية على هذا الشعور الوطني السامي ؛ شارل ديغول ؛ ففي عام 1969 خسر ديغول في تمرير قرار سياسي ؛ من خلال الاستفتاء الشعبي , وعلى اثرها اعلن قائلا : ( ... سأتوقف عن مهامي كرئيس للجمهورية , وان هذا القرار سيدخل حيز التنفيذ اليوم مع منتصف النهار ... ) وهذا اخر ما نطق به الرئيس الفرنسي ديغول ؛ فقد احترم رأي شعبه , وتاريخه السياسي والعسكري والوطني ؛ وذهب الى الريف , وكتب مذكراته ؛ قائلا : (ليس المهم ان أكون الرئيس ، المهم ان ارى فرنسا في المقدمة ) ... ؛ فنحن اليوم بأمس الحاجة لانبثاق زعامات عراقية وظهور قيادات وطنية ؛ تعمل على اجراء المراجعات وتصحيح المسيرة والحسابات وتغيير البرامج والشعارات ؛ وتحقيق الانجازات والنجاحات في مختلف الاصعدة والمجالات ... ؛ والسعي من اجل بناء دولة وطنية قوية مقتدرة وفاعلة , ورفع شعار : العراق اولا واخيرا .

ومن الواضح ان المجتمعات الديمقراطية الحقيقية توجد فيها ثلاث توجهات سياسية ؛ مسيطرة على المشهد السياسي , الا وهي : احزاب تمثل اليسار , واحزاب تمثل اليمين , واحزاب تمثل تيار الوسط ... ؛ وكلها تعمل من اجل المصلحة الوطنية لا غير ؛ وهذا هو منطق السياسة الوطنية الحقيقية ... ؛ فلو كانت الاحزاب والحركات السياسية العراقية راغبة فعلا ؛ في تطبيق النظام الديمقراطي الحر وارساء قواعد رصينة للعملية السياسية المستقرة وتقوية المسار الديمقراطي ومبدأ التداول السلمي للسلطة ... ؛ لبادرت إلى تنظيم المشهد السياسي الذي يتسم بالضبابية والهلامية والفوضى وانعدام الرؤية الوطنية والهوية العراقية الاصيلة ؛ فإحداث ثلاثة أقطاب سياسية لا غير ؛ وبصورة حقيقية و واقعية ؛ هو عقلنة للمشهد الحزبي الشارد.(1)

لكن واقع الحال في عراقنا ؛ يظهر التناقض الصارخ والكذب الفاضح والمهازل السياسية ، إذ طالما لعب السياسي والزعيم الشعبي - البعض منهم كما اسلفنا - على احبال السياسة كالقرد ؛ فبينما تراه في الانتخابات السابقة قوميا او اسلاميا ؛ واذ به يتحول بقدرة قارد الى منظر وطني او علماني في الانتخابات اللاحقة , وقد يتحول من اليسار الى اليمين , بطرفة عين , ومن اليمين الى الوسط ... ؛ وهكذا دواليك ؛ اذ ترى الأحزاب والساسة يتخاصمون ويتراشقون حين تقترب الانتخابات , وبعدها يتحالفون ويتجادلون ، ويضحكون ويمرحون ؛ ففي تقسيم الغنائم يتوافقون وعند توزيع الامتيازات والمناصب يتفقون ، وهكذا يفعلون دائما فهم في السر غيرهم في العلن ... ؛ وعندها لا يستطيع المواطن البسيط التمييز بين الاسلامي والليبرالي والعلماني والشيوعي والقومي والوطني ... ؛ اذ يصبح المبدأ الثابت والعقيدة الراسخة في اللعبة السياسية ؛ تحقيق المصلحة الشخصية والحزبية والفئوية باي ثمن كان ؛ وبغض النظر عن الاضرار الفادحة التي تلحق العراق والامة العراقية جراء قراراتهم المنكوسة وافكارهم الهدامة وسلوكياتهم اللاوطنية وتصرفاتهم اللاإنسانية .

ومن البين ان هذه التصرفات والرؤى السياسية المنكوسة تؤثر سلبا على الواقع العراقي العام ؛ اذ تولد نفورا من الاحزاب والحركات السياسية , وابتعادا عن العملية السياسية , وبغضا بالحكومات واشمئزازا من الانتخابات ... ؛ وهو ما يؤدي إلى خلق بيئة خصبة مليئة باليأس وفقدان الثقة وانعدام الشعور بالوطنية والمسؤولية ، مما ينعكس سلبا على المبادرة الحرة، والمشاركة الايجابية , والتنمية السياسية , والاهتمام بالصالح العام ... ؛ وهذه الظواهر تؤدي بدورها الى الموت البطيء والهشاشة والكبت والضياع الذي يسبق العاصفة العوجاء والثورة الحمراء ... ؛ ومن المعلوم ان كثرة الانتظار من قبل الجماهير والمواطنين , وترديد الوعود السياسية في كل دورة انتخابية من قبل الساسة والمرشحين ؛ تفقد القيم والمثل والمبادئ والشعارات بريقها وقيمتها وقوة تأثيرها ... ؛ بل وتفسد صلاحياتها في قلوب العراقيين .

..........................................

1-الانتخابات أو حينما تفقد الديمقراطية بريق بوصلتها / منير الحردول / بتصرف .



  • رياض سعد
    كاتب وباحث مهتم في شؤون الامة العراقية ومعني بالدفاع عن الاغلبية العراقية وحقوق الانسان
   نشر في 05 أكتوبر 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا