الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين

جهة الدار البيضاء- سطات

المديرية الإقليمية سيدي البرنوصي

الثانوية الإعدادية مولاي عبد الواحد العلوي

أمام

الزيادة المطردة في تعداد السكان والزيادة في استهلاك الغذاء بات العالم يواجه العديد من التحديات، خاصة المجتمعات النامية ومنها المغرب، مما أصبح يتطلب الاتجاه بالزراعة نحو مفهوم جديد هو الاستدامة. ولأن الاستدامة في الزراعة لن تتحقق إلا من خلال مراعاة تحقيق المردود الاقتصادي أو الربحية باعتبار النشاط الزراعي نشاطا استثمارًا، والمحافظة على الماء اللازم لاستمرار الاستثمار الزراعي واستدامته، قررنا كفريق الصحفيين الشباب تسليط الضوء في بحتنا على دور وسائل الري بالتنقيط في تحقيق معادلة الرفع من الإنتاجية من جهة، والمحافظة على الماء من جهة ثانية ،في أفق تحقيق الزراعة المستدامة.

للوقوف على مدى نجاعة هذه الثقنية في تحقيق هذه المعادلة إتجه فريق منا إلى ضيعة فلاحية تابعة لمجال نفوذ الجماعة القروية فضالات بإقليم بن اسليمان، حيت إلتيقينا بصاحبها السيد بوشعيب بوراس والذي استقبلنا بصدر رحب، فما إن بسطنا له الموضوع الذي جئنا من أجله حتى نادى على مسير الضيعة السيد يوسف بوعنان وهو رجل فلاح بالممارسة لم يسبق له الدراسة أو الاستفادة من التكوين في مجال عمله ، لكنه كما يقول مارس مهنة مسير ضيعة فلاحية لمدة 19 عاما ، قدا منها 12 سنة بإحدى الضيعات الفلاحية في نواحي أكادير و6 سنوات في هذه الضيعة مجال بحتنا.

اصطحبنا السيد مشكورا إلى مكونات الضيعة الفلاحية قصد الوقوف على تقنية الري بالتنقيط المستعملة فيها وطريقة اشتغالها. حيث اتجهنا بداية إلى صهريج تجميع المياه وهو حوض يتم ملؤه إما من المياه الجوفية بواسطة مضخة مائية موضوعة في أحد الآبار أو من مياه التساقطات. وحول سؤالنا عن الفائدة من هذا الصهريج أجاب أنه يلعب دور مهم في تزويد الأراضي الفلاحية بالماء بشكل مستمر ودون إنقطاع، وبالتالي الحد من الأثر السلبي للتقلبات الجوية على نمو المزروعات والمغارس ومن تم إستمرار الإنتاجية.عند هذا استوقفنا الرجل بسؤال آخر عن كيفية تزويد الأراضي بالماء. فأجاب أن هناك مضخة مائية ثانية تزود الأراض الفلاحية بمياه الري إنطلاقا من الصهريج المائي بواسطة قنوات أو أنابيب بلاستيكية سطحية أو تحت أرضية تصل إلى كل المزروعات سواء الخضروات أو الأشجار المثمرة أو إلى المزروعات داخل البيوت البلاستيكية حيت تتوفر الضيعة على أربعة بيوت بلاستيكية تصل مساحة الواحد منها إلى 1 هكتار. وفي شرحه للكيفية التي تتم بها عملية السقي دعانا لإلقاء نظرة على أراضي خصصت لغرس أشجار مثمرة من نوع الإجاص- الرمان – التفاح .. فوقفنا على الكيفية التي تم بها توزيع أنابيب بلاستيكية رئيسية وثانوية على الحدود الخارجية وبطول صف الأشجار، وكيف تم تركيب عليها وبجانب كل شجرة نقاطتين مزودتين بفالات لتنظيم خروج الماء على شكل نقاط ، أو رذاذ قوي، كما تم تركيب مجموعة أخرى من الأنابيب تحتوي على جهاز خاص يستخدم لتسميد الأشجار؛ حيث يوضع السماد بداخله؛ ثم ينقط مع الماء بعد ذوبانه فيه تماما (الري المخصب) هي نفس الكيفية التي يتم اعتمادها على المزروعات داخل البيوت البلاستيكية وزراعة الخضروات في الأراضي المعراة. عند هذا تبادر لفريق العمل سؤال حول نوع الأسمدة وفائدتها على المزروعات لكن قبل ذلك توجهنا مجددا إلى محاورنا بسؤال آخر حول فوائد اختيار إستعمال تقنية السقي بالتنقيط دون غيرها من التقنيات في هذه الضيعة الفلاحية فأجابنا أن " هذه التقنية تعد أفضل وسيلة لإمداد النباتات المزروعة بأقل ما يمكن من المياه الكافية لضمان بقاء النبتة على الحياة دون هذر ودن شح . حيث تتم إضافة المياه على شكل قطرات تحت النباتات مباشرة مما يقلل من نمو الحشائش الضارة ؛ ناهيك عن كون هذه التقنية تتلائم مع جميع أنواع التربة وتحافظ على سلامة النبات من الجفاف والأمراض..".

وللوقوف على مدى الجدوى الإقتصادية لهذه التقنية من خلال إستهلاك الماء طلبنا من السيد إحصائيات حول كمية المياه التي يتم إستهلاكها في عمليات السقي باستخدام هذه التقنية، فكان أن قال أن نظام الري بالضيعة لا يعتمد عداد قياس كمية المياه المستهلكة عند كل دورة سقي وأن توزيع المياه يتم حسب الإحتياجات اليومية للنبات وأن هذه الإحتياجات تتحكم فيها عدة عوامل منها : نوع النبات المزروع وعمره، ودرجة حرارة الجو .. وأضاف أن نظام الري يعتمد على المدة الزمنية للري وعلى المراقبة المتواصلة، حيث يتم تشغيل مضخة الدفع المائي لمدة معينة وتنتهي عند التأكد بواسطة المراقبة الدقيقة من أن المزروعات أخذت القدر الكافي من الماء، وأن هذا القدر قد يزيد أو ينقص حسب العوامل المذكورة سابقا وأيضا حسب المراقبة اليومية لنمو النبات المزروع وحالته الصحية .

وبالرجوع إلى دليل الفلاح في صفحتيه 4 و5 حول الري الموضعي الذي أعده السيد : مومن محمد، الخبير في الري لدى منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة يتأكد كلام مسير الضيعة كما يبرز معطى آخر يتمثل في كفاءة الري بالتنقيط حيث أن نسبة المياه التي يستفيد منا النبات تصل إلى 85-95% وأن نسبة المياه الضائعة التي لا يستفيد منها النبات خلال عملية السقي تتراوح بين 5-15% وهذه النسب تبقى الأحسن مقارنة مع تقنيات الري الأخرى (الري بالرش والري السطحي).

من خلال المعلومات التي إستقيناها من مسير الضيعة إتضح لنا أن إستعمال ما يعرف بتقنية السقي بالتنقيط (الري الموضعي) تعد أحسن طريقة لإدارة مصادر المياه وحسن استهلاكها حيث يتم من خلال هذه الأنابيب توصيل مياه الري للنباتات بطرق مناسبة وبطيئة على شكل نقاط متواصلة أو منفصلة عن طريق المنقطات مما يسهم في تزويد النبات بالقدر الكافي من الماء وعدم ضياعه، وهو ما يعتبر أحد المداخل الأساسية لإستدامة الزراعة . فليس غريبا إذن أن تولي السلطات العمومية أهمية بالغة لتوسيع رقعة المساحات المجهزة بتقنيات الري الموضعي عبر سياسة إرادية ترجمها مخطط المغرب الأخضر في البرنامج الوطني للاقتصاد في ماء الري الذي يرمي إلى تحويل ما يناهز 550 ألف هكتار من الأراضي المسقية إلى الري الموضعي في أفق 2020. ( المصدر : مخطط المغرب الأخضر ).

وبالعودة إلى سؤال نوع الأسمدة وفائدتها على المزروعات تفضل " مستشارنا " - لقب قررنا نحن فريق التحقيق الصحفي مناداة مسير الضيعة به ليس على سبيل المزحة بل تقديرا لمعرفته الواسعة في مجال الزراعة - بإطلاعنا على نوع المخصبات والمبيدات المستعملة الكيماوية في زراعة النباتات .

الأسمدة : - نترات المغنيزيوم- كلور البوطاسيوم - كلور الكالسيوم - السلفاط- المغنزيوم والحديد والفوسفور- نترات الجير

المبيدات : - البافيدان- البورد- الكونسيدور

وحول الجدوى من إعتماد هذه الأسمدة يؤكد عدنان أن استعمال المخصبات مهم جدا لتحسين المنتوج الفلاحي والرفع من المردودية خاصة مع ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب تكلفة تجهيز الضيعة بتقنيات السقي والإحتياجات الدائمة إلى تجديدها أو صيانتها نتيجة تلفها أو انسدادها .. غير أنه اشار إلى أنه بالإضافة لهذه الأسمدة الكيماوية فإن الضيعة الفلاحية لا زالت تستعمل ما يعرف بالسماد العضوي الذي توفره الماشية المتواجدة بالضعة، أما بالنسبة لإستعمال المبيدات فإنه يسهم بدرجة كبيرة في القضاء على بعض الحشرات الضارة والأمراض التي تصيب النبات وتحد من نموه.

ما توصلنا إليه جعلنا ننتقل إلى الجانب الثاني من تحقيقنا الصحفي المتعلق بدور تقنيات السقي في تحقيق الربحية الإقتصادية، ولأجل ذلك ودعنا الرجل شاكرين له مجهوده ومعبرين له عن درجة امتناننا بلقائه. وقررنا ربط الاتصال بصاحب الضيعة غير أنه تعذر علينا ذلك فقد علمنا من أحد المستخدمين بالضيعة أنه غادر بعد مكالمة هاتفية مفاجئة.

بعد عدة أيام أجرينا إتصالا هاتفيا بصاحب الضيعة السيد بوشعيب بوراس، مستفسرين إياه عن أثر نظام الري بالتنقيط على الإنتاج فلمسنا بعض التحفظ في إعطاء أرقام مضبوطة، لكنه أكد لنا أن النتائج تبقى جيدة على المستويين الكمي والنوعي، وأنه لم يكن ليستثمر تلك المبالغ الكبيرة في تجهيز الضيعة الفلاحية لو لم تكن النتائج محفزة على ذلك، خاصة وأنه لم يستفد من الدعم الذي تخصصه وزارة الفلاحة. كما أشار إلى أن مداخيل الضيعة من وراء تسويق منتجاتها من الخضروات والفواكه تغطي كل تكاليف الإنتاج ( أجور العمال - طاقة الضخ – الأسمدة والمبيدات ..).

جواب الرجل يؤكده دليل الفلاح ( المرجع السابق ) الذي يوضح أن استعمال الري بالتنقيط يمكن من الحصول على إنتاجية عالية كما وكيفا حيث بلغت على سبيل المثال في عدد من الضيعات الفلاحية ما يلي : 

المنتوج الإنتاج

البطاطس 90 طن/هكتار

الدلاح 80 طن/ هكتار

القمح 84 طن/ هكتار

البطيخ 50 طن/ هكتار

الطماطم 120 طن/ هكتار

البصل 120 طن/ هكتار

العنب 20 طن/ هكتار

في نهاية هذا التقرير يمكن القول أن إدخال تقنيات الري الحديثة كالري بالتنقيط، يعد أحد المداخل الأساسية لتحسين تدبير الري والإقتصاد في الماء لتوفير موارد مائية يمكن للمحاصيل أن تستفيد منها، وهو ما سينعكس على المردودية التي ستعرفت ارتفاعا وتحسنا، الأمر الذي سيساهم لا محالة في توفير الغذاء بكميات كافية وتحقيق الأمن الغذائي. علما أن المغرب يتميز بمحدودية موارده المائية وأن الدراسات تجمع على أن القطاع الفلاحي يعد من القطاعات التي ستواجه عجزا مائيا كبيرا في المستقبل.