امجاد تغلبية

قصة ادبية

بقلم هواش نصر الصالح

1

غاب سيف الدولة تلك الليلة عن مجلسه الادبي فجرى الحديث بين الحاضرين عن الحزن الذي الم به جراء وفاة اخته خولة و كانت عنوان الادب و الكرم و النبل و اكثر ما اثار الحاضرين و تداولوا به هو قصيدة المتنبي في رثائها اذ قال

يا أُختَ خَيرِ أَخٍ يا بِنتَ خَيرِ أَبٍ

كِنايَةً بِهِما عَن أَشرَفِ النَسَبِ

بَلى وَحُرمَةِ مَن كانَت مُراعِيَةً

لِحُرمَةِ المَجدِ وَالقُصّادِ وَالأَدَبِ

وَهَمُّها في العُلى وَالمَجدِ ناشِئَةً

وَهَمُّ أَترابِها في اللَهوِ وَاللَعِبِ

وَإِن تَكُن تَغلِبُ الغَلباءُ عُنصُرُها

فَإِنَّ في الخَمرِ مَعنىً لَيسَ في العِنَبِ

قال احد الحاضرين في هذه القصيدة ايضا يصف المتنبي سيف الدولة بانه فتى الفتيان و لقد صدق فمن غيره حامي حمى سوريا يستحق هذا اللقب

و لان الشيء بالشيء يذكر تداولوا ايضا ذكر وفاة اخرى جرت في عائلة سيف الدولة فارسل الشريف الرضي قصيدة جميلة يعزيه بها

و تم تبادل الاعجاب بقول الشريف الرضي في وصف بني حمدان

اذا ابتدرت نساؤهم المعالي

فما ظني و ظنك بالرجال

2

اجتمع مجلس سيف الدولة الحمداني و كان مخصصا لسماع قصة الامجاد التغلبية و اذن سيف الدولة الحمداني لابي يعقوب الراوي ان يبدا برواية الامجاد فقال

سيدي سيف الدولة الحمداني وارث امجاد بني تغلب تلك القبيلة السريانية المسيحية و من المعلوم ان السريان مؤسسوا الحضارة السورية القديمة و بنو تغلب و بنو شيبان ينتهون في النسب الى قبيلة ربيعة و الى وائل بن ربيعة و قد يختلط على الناس

هذا الاسم

بوائل بن ربيعة التغلبي احد احفاد وائل بن ربيعة جد بني شيبان و بني تغلب

و لعل امجادا حققها وائل بن ربيعة الجد نسبت ايضا الى وائل بن ربيعة الحفيد

قال احد الحاضرين تقصد ببني شيبان قبيلة بكر بن وائل بن ربيعة

قال الراوي نعم فشيبان احد احفاد بكر بن وائل و القبيلة تسمى تارة باسم بكر و تارة باسم شيبان

و تابع الراوي ان المهلهل و اخوه وائل الذي يلقب ايضا كليب ينتهيان في النسب الى تغلب و قد اختلط على الرواة علاقة مرة الشيباني البكري بوائل بن ربيعة التغلبي فقالوا انه عمه و هذا لا يجوز فكل منهما ينتمي الى قبيلة مستقلة و انما شاع عند الناس ان والد الزوجة يسمى العم و من هنا كان مرة عما لكليب بوصفه والد زوجته الجليلة و ليس عما للمهلهل او لاي احد من اخوة كليب

قال احد الحاضرين لا شك ان الامجاد شملت بني ربيعة سواء كانوا من بني تغلب او من بني شيبان

قال الراوي صدقت فمن الظلم القول ان بني شيبان

و هو كما تعلمون الاسم الذي صار يطلق على قبيلة بكر بن وائل من الظلم القول انهم لم يحوزوا امجادا

و كما اعترف طرفة بن العبد الشاعر البكري بامجاد التغلبيين بقوله

و تفرعنا من ابني وائل

هامة المجد و خرطوم الكرم

من بني بكر اذا ما نسبوا

و بني تغلب ضرابي البهم

فانه من الواجب الاعتراف بامجاد بني شيبان

فكيف ننسى الفارس العظيم يزيد بن مزيد الشيباني

الذي رثاه مسلم بن الوليد فقال

إِنَّ الحَوادِثَ لَمّا رُمنَ هَضبَتَهُ

أَزمَعنَ عَن جارِ شَيبانٍ بِمُنتَقَلِ

فَالدَهرُ يَغبِطُ أُولاهُ أَواخِرَهُ

إِذ لَم يَكُن كانَ في أَعصارِهِ الأُوَلِ

إِذا الشَريكِيُّ لَم يَفخَر عَلى أَحَدٍ

تَكَلَّمَ الفَخرُ عَنهُ غَيرَ مُنتَحِلِ

لا تُكذِبَنَّ فَإِنَّ الحِلمَ مَعدِنُهُ

وِراثَةٌ في بَني شَيبانَ لَم تَزَلِ

سَلّوا السُيوفَ فَأَغشَوا مَن يُحارِبُهُم

خَبطاً بِها غَيرَ ما نُكلٍ وَلا وُكُلِ

الزائِدِيّونَ قَومٌ في رِماحِهِمُ

خَوفُ المُخيفِ وَأَمنُ الخائِفِ الوَجِلِ

كَبيرُهُم لا تَقومُ الراسِياتُ لَهُ

حِلماً وَطِفلُهُمُ في هَدى مُكتَهِلِ

و يتابع مخاطبا الفارس البطل مشيدا بحمايته للثغور و اخماد الاضطرابات الداخلية للخوارج و غيرهم

لَولا دِفاعُكَ بَأسَ الرومِ إِذ بَكَرَت

عَن عِترَةِ الدينِ لَم تَأمَن مِنَ الثَكَلِ

وَيوسُفُ البَرمَ قَد صَبَّحتَ عَسكَرَهُ

بِعَسكَرٍ يَلفِظُ الأَقدارَ ذي زَجَلِ

غافَصتَهُ يَومَ عَبرِ النَهرِ مُهلَتَهُ

وَكانَ مُحتَجَزاً في الحَربِ بِالمُهَلِ

وَالمارِقَ اِبنَ طَريفٍ قَد دَلَفتَ لَهُ

بِعَسكَرٍ لِلمَنايا مُسبِلٍ هَطِلِ

لَمّا رَآكَ مُجِدّاً في مَنِيَّتِهِ

وَأَنَّ دَفعَكَ لا يُسطاعُ بِالحِيَلِ

شامَ النِزالَ فَأَبرَقتَ اللِقاءَ لَهُ

مُقدِّمَ الخَطوِ فيها غَيرَ مُتَّكِلِ

قال احد الحاضرين و ما يقصد بقوله الزائديون

قال الراوي يزيد بن مزيد الشيباني جده زائدة والد معن بن زائدة الذي ذاع صيته بالكرم و الحلم

ثم تابع الراوي يقول

و كيف ننسى الفارس ابو الفرج الشيباني الذي لرسى دعائم المملكة المصرية الفاطمية و كيف مدحه بقصيدة الشاعر ابن هانئ الاندلسي لعلها ستكون في قادم الايام صالحة لمديح فارس عظيم يظهر في جنوب لبنان

و لا ننسى ايضا الفارس الاسبق الحارث بن عباد الذي رفض الحرب الاهلية بين قبيلتي بكر و تغلب و سماها حربا قذرة تخاض من اجل سراب ناقة البسوس و من اجل علال جمل كليب و يقول

لا ناقة لي في هذه الحرب و لا جمل

لكن الحياد له مخاطره على كل حال و قد ادى حياده المزمن الى خسارة ابنه جبير او بجير مما اضطره اخيرا الى خوض الحرب و وضع نهاية لها بمعركة تحلاق اللمم التي يفخر بها ايضا طرفة بن العبد البكري الشاعر المشهور بلقب الفتى القتيل

اذ يقول

سائلوا عنا الذي يعرفنا

بقوانا يوم تحلاق اللمم

تسرب الملل الى الحاضرين و استاذن ابو فراس في الكلام فاذن سيف الدولة له فقال ابو فراس

هل جئنا لسماع امجاد قبيلة بكر بن وائل اخاف ان تركنا الراوي يمضي في حديثه ان يوصلنا الى معركة ذي قار , و كيف انتصرت قبيلة شيبان سليلة قبيلة بكر بن وائل على جيوش كسرى

قال الراوي و لكن هذا النصر ما كان يتم لبني شيبان لولا تدفق الحلفاء من كل ربيعة و مضر

و في أولهم فوارس بني تغلب الشجعان

قالت (الحرقة) و هي شاعرة من بني شيبان

حمتني بنو شيبان والحي تغلب

بقب المذاكي والسيوف القواضب

بأسمر عسال وأبيض قاطع

و أكمت وردي وعين مراقب

هنا انهى سيف الدولة الحمداني الحديث و طلب اكماله في الليلة التالية و استمر المجلس في احاديث اخرى الى ان دب النعاس فانفض المجلس

3

كان الحديث يدور عن كرم سيف الدولة الحمداني و عفوه عن العشائر البدوية التي حاولت الاعتداء على حلب فادبها بالسيف ثم لما تم له السيطرة عليها عفا عن الاسرى و وزع المال على المحتاجين من تلك العشائر دون ان ينسى المحتاجين من اهل حلب و سوريا عموما اذ وصلت عطاياه الى حمص و حماة و دمشق

و لما وصل سيف الدولة اذن للراوي باستئناف الامجاد التغلبية

قال الراوي تعلمون قصة عمرو بن كلثوم و لكن سيف الدولة الحمداني اذن لي باعادتها على مسامعكم فنحن في هذا نتلذذ بذكرها و ليس جهلا بها كما قال ابو الطيب في مديح عضد الدولة البويهي

ابو شجاع بفارس عضد الدولة

فناخسرو شهنشاها

اساميا لم تزده معرفة

لكننا لذة ذكرناها

عمرو بن كلثوم يا سادتي هو سيد قبيلة تغلب في زمنه والده كلثوم بن مالك التغلبي والدته ليلى بنت المهلهل التي اشتهر المهلهل بها فقيل ابو ليلى المهلهل

استدعى ملك الحيرة عمرو بن هند وفدا من قبيلة تغلب لزيارته و في نيته اذلالهم و كسر انفتهم

و كبرياءهم فاجتمعت النساء في مجلس مجاور لمجلس الرجال فقامت ام الملك بمخاطبة ليلى

و التامر عليها قائلة ناوليني الطبق يا ليلى فقالت ليلى لتقم صاحبة الحاجة اليها فلما الحت ام الملك في التامر و الطلب صاحت ليلى بنت المهلهل وارثة الامجاد التغلبية واذلاه يا لتغلب فانقض عمرو بن كلثوم و انتزع سيفا معلقا على الحائط و طعن الملك عمرو بن هند فارداه قتيلا

و قال قصيدته التي يرددها بنو تغلب و بنو حمدان الى يومنا هذا

أَبا هِندٍ فَلا تَعَجَل عَلَينا

وَأَنظِرنا نُخَبِّركَ اليَقينا

بِأَنّا نورِدُ الراياتِ بيضاً

وَنُصدِرُهُنَّ حُمراً قَد رَوينا

وَسَيِّدِ مَعشَرٍ قَد تَوَّجوهُ

بِتاجِ المُلكِ يَحمي المُحجَرينا

تَرَكنا الخَيلَ عاكِفَةً عَلَيهِ

مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَها صُفونا

مَتى نَنقُل إِلى قَومٍ رَحانا

يَكونوا في اللِقاءِ لَها طَحينا

وَرِثنا المَجدَ قَد عَلِمَت مَعَدٌّ

نُطاعِنُ دونَهُ حَتّى يَبينا

بِشُبّانٍ يَرَونَ القَتلَ مَجداً

وَشيبٍ في الحُروبِ مُجَرَّبينَا

أَلا لا يَعلَمُ الأَقوامُ أَنّا

تَضَعضَعنا وَأَنّا قَد وَنينا

أَلا لا يَجهَلَن أَحَدٌ عَلَينا

فَنَجهَلَ فَوقَ جَهلِ الجاهِلينا

بِأَيِّ مَشيئَةٍ عَمرُو بنَ هِندٍ

تُطيعُ بِنا الوُشاةَ وَتَزدَرينا

تَهَدَّدنا وَتوعِدنا رُوَيداً

مَتى كُنَّا لِأُمِّكَ مَقتَوينا

وَرِثنا مَجدَ عَلقَمَةَ بنِ سَيفٍ

أَبَاحَ لَنا حُصونَ المَجدِ دينا

وَرِثنا مُهَلهِلاً وَالخَيرَ مِنهُ

زُهَيراً نِعمَ ذُخرُ الذاخِرينا

وَعَتّاباً وَكُلثوماً جَميعاً

بِهِم نِلنا تُراثَ الأَكرَمينا

وَمِنّا قَبلَهُ الساعي كُلَيبٌ

فَأَيُّ المَجدِ إِلّا قَد وَلينا

ونَحنُ غَداةَ أُوقِدَ في خَزازى

رَفَدنا فَوقَ رِفدِ الرافِدينا

وَكُنّا الأَيمَنينَ إذا اِلتَقَينَا

وَكانَ الأَيسَرين بَنو أَبينا

فَصالوا صَولَةً فيمَن يَليهِم

وَصُلنا صَولَةً فيمَن يَلينا

فَآبوا بِالنِهابِ وَبِالسَبايا

وَأُبنا بِالمُلوكِ مُصَفَّدينا

بِأَنا المُطعِمونَ إِذا قَدَرنا

وَأَنّا المُهلِكونَ إِذا اِبتُلينا

وَأَنّا المانِعونَ لِما أَرَدنا

وَأَنّا النازِلونَ بِحَيثُ شينا

وَأَنّا التارِكونَ إِذا سَخِطنا

وَأَنّا الآخِذونَ إَذا رَضينا

وَأَنّا العاصِمونَ إِذا أُطِعنا

وَأَنّا العازِمونَ إِذا عُصينا

وَنَشرَبُ إِن وَرَدنا الماءَ صَفواً

وَيَشرَبُ غَيرُنا كَدَراً وَطينا

أإِذا ما المَلكُ سامَ الناسَ خَسفاً

أَبَينا أَن نُقِرَّ الذُلَّ فينا

فَإِن نَغلِب فَغَلّابونَ قِدماً

وَإِن نُغلَب فَغَيرُ مُغَلَّبينا

إَذا بَلَغَ الفِطامَ لَنا وَليدٌ

تَخِرُّ لَهُ الجَبابِرُ ساجِدينا

و تمايل سيف الدولة الحمداني طربا و اشار الى المغني لينشد القصيدة غناء