بسم الله الرحمان الرحيم

الواقع الفكري في زمن التحجر الفكري!

يحز في النفس ويدمي القلب أن نجد أناسا ينتمون للحقل المعرفي الثقافي عموما والفكر الفلسفي خصوصا، وهم بحسب تخصصهم هذا ينبغي لهم أن ينتصروا لهذا الفكر ويعملون بكل ما وسعهم لإحيائه وبعثه من جديد ولكن وللأسف الشديد نجدهم يعملون بكل ما في جهدهم من أجل هدمه ومحاربته وإسقاط صرحه من الأساس، جميل لو كان هذا الهدم من أجل البناء وخدمة العلم والبحث المعرفي والفكري، ولكن في الغالب يكون هذا الهجوم على أدلوجة بعينها بغية الانتصار لخرافة وأدلوجة لاتمت للعلم بصلة فقط أضغاث أحلام من أفراد لهم سوى نقض كل ما خالف أهوائهم بغض النظر عن مشربه الفكري طالما أنه لايتماشى مع عقولهم المتحجرة، ومن الرزايا التي وقعت فيها هذه الأمة ظاهرة التكفير فصار كل من هب ودب مما لايسمع لهم .لهم صوت يعملون على تكفير كل مجتهد فقط لأنه أعمل عقله وأبدع فكرة أو نظرية تخالف ما هو سائد وتحطم الخرافة والتقليد وتدعو للاجتهاد والتجديد فعمل من سموا بالشيوخ ومن ثم تلامذتهم على محاربة هؤلاء المتنورين ووضعهم في قفص الإتهام وإخراجهم من الملة، وحظر أعمالهم ومنع الناس من الاطلاع عليها تحت ذريعة أنها كفر ومخالفة لروح وصميم الدين والعقيدة الإسلاميتين، متناسين أن الدين في حد ذاته دعى إلى إمعان العقل والتفكر والتدبر بغية الوصول إلى الحقيقة وتحقيق الإيمان اللازم دونما أدنى ريب وأهم حقيقة ينبغي الوصول إليها هي وجود الله عزوجل، ولو لم يكن هذا هو هاجس هؤلاء العلماء والمفكرين والحكماء لما بحثوا وأمعنوا وتفكروا وخلدوا تراثا فكريا وعلميا كبيرا، ساهم في بناء حضارة قامت لها الدنيا وقعدت، ولكن ويا للأسف لما ظهر الفروعيون المقلدون في هذه الأمة ونادوا بترك الاجتهاد واجترار أقوال وكتب الشيوخ وحفظها عن ظهر قلب وصلت الأمة حاليا إلى أدنى درجات الانحطاط والتخلف بل والإعاقة الفكرية والعلمية، فما أحوجنا لصحوة علمية يقودها أبناء هذه الأمة ويعيدوا الإعتبار لأجدادهم الذين ضحوا بأنفسهم من أجل العلم والمعرفة، ولكن قبل هذه النهضة لابد أن نتناسى الأحقاد وأن نعمل وفق مشروع واحد يقوم بالأساس على خدمة الأمة والعلم والرقي والازدهار حتى نعود إلى سابق عهدنا ونكون قدوة ومثالا يحتذى به، فهل هذا ممكن يا ترى في زمننا هذا الذي أصبحنا فيه فرقا نصارع بعضنا بعض ولأسباب تافهة؟