تختلف النُظم الاقتصادية المعمول بها اليوم في تحديد أسعار المنتجات في السوق، و هذا يرجع لاختلافهم في مدى تدخل الدول في الاقتصاد فالانظمة الاقتصادية بين طرفين و وسط
التسعير
تُحدد الدولة أسعار السلع و الخدمات، و تلزم المتعاملين بهذه الأسعار المحددة.
1 - النظام الرأسمالي "جهاز الثمن "
الأسعار في النظام الرأسمالي تتحدد حسب قوى العرض و الطلب، و لا حد لها أدنى و لا أعلى، فعلى حسب ما يتفق البائع و المشتري يكون ثمن البيع، و المافسة الكاملة هي التي تسود بين التجار، و لا يمكن للدولة أن تتدخل في تحديد سعر لأي سلعة؛ لأن مبدأ الحرية المطلقة هو السائد فيه
2 - النظام الإشتراكي
الأسعار تُحدد من قبل الدولة؛ لأن الدولة هي التي تنتج ما ترى أن الناس في إحتياج له، و بالتالي هي التي تحدد الأسعار في السوق، و لا دخل لقوى العرض و الطلب، و لا هناك مجال للتنافس بين البائعين لأن الأسعار ملزمة لهم جميعًا
3 - النظام الإسلامي
الأصل أن التسعير ممنوع و الأسعار تحدد حسب قوى العرض و الطلب، و لا تتدخل الدولة و لا غير الدولة في تنظيم الأسعار، إلا في حالات الضروة التي يلزم منها تدخل الدولة للحد من الأضرار الواقعة على عموم الناس، و الدليل على منع التسعير
حديث أنس بن مالك قال: غلا السعر على عهد رسول الله فقالوا يا رسول الله سعرت لنا؟ فقال:
" إن الله هو القابض الباسط الرزاق المسعر، و إني لأرجو أن ألقى الله و لا يطلبني أحدٌ بمظلمة ظلمتها اياه في دم و لا مال "
رواه أحمد و أبوداود و الترمذي و صححه و صححه الألباني
فهنا أمتنع النبيُ من تحديد أسعار في الأسواق لأن حالة السوق كانت لا تستدعي أي تدخل من الدولة؛ لذلك ترك النبيُ الحال على ما هو عليه و قال
" دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض "
رواه مسلم من حديث جابر
فهذا هو الأصل منع السعير إلا أن في بعض الحالات تأتي على السوق أزمات و مشكلات تحتم أن تتدخل الدولة، و لا يمكن أن يٌترك الناس في حالة تؤدي إلى زيادة الضرر الواقع عليهم، هذه الحالات عدّها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتاب " الحسبة " و و ضبطها د / رفيق المصري - حفظه الله - في كتاب " أصول الاقتصاد الإسلامي " و هي
1 - حالات المجاعات و الأزمات و الاضرار إلى طعام الغير
2 - حالات الاحتكار
3 - حالة الحصر
4 - حالة التواطؤ بين البائعين أو المشترين
ففي هذه الحالات يجوز للدولة أن تتدخل بل لابد أن تتدخل لرفع الضرر و دفع المشقة و جلب المصلحة و أن تحدد أسعارًا للناس حتى ينضبط السوق
و لابد أن يكون هذا التسعير تسعيرًا عادلاً بغير وكسًا و لا شطط، لا يضرر البائع و لا المشترى؛ عن طريق جمع أهل الخبرة من الطرفين ( البائعين / المشترين ) و يحددوا سعرًا عادلاً غير ضار بالجميع قدر الإمكان
فإذا ما مرت الأزمةُ و تجاوزها السوقُ و عادة حالتُه إلى العافية، رجع الأمر إلى الحالة المنع من التسعير
و هنا يظهر جمال التشريع في الاقتصاد الإسلامي إذا أنّه يترك الناس لعملهم و جودة بضائعهم، يتنافسون و يعرضون، فيستفيد البائعُ من سعر السوق، و يستفيد المشتري بأن يأخذ بأفضل الأسعار المتاحة، فإذا ما وقعت أزمة في السوق أدت إلى وقوع ضرر بأحد الأطراف ( البائعين / المشترين ) فإن الدولة تتدخل و تضبط الأثمان و لا تترك أحدًا يتضرر، لأنّها المنوط بها حفظ الجميع، و حفظ أسواق الناس، و هذا عكس الأنظمة الأخرى
فالاشتراكية دائمة التدخل و لا تترك حرية للناس و ربما تَضرر بالباعة و المشترين و لا تمتنع من التدخل أبدًا
و الرأسمالية أبدًا لا تدخل حتى و إن وصلت الأسعار إلى أرقام خيالية فإنّها ممنوعة من التدخل صراحة.
-
نبيل صبحي أبوزيدطالب ماجستير اقتصاد